
مع اقتراب عيد الأضحى المبارك الذي سيحتفل به في موريتانيا السبت المقبل، تستعد الأسر الموريتانية للاحتفاء بأهم المناسبات الدينية والاجتماعية في البلاد، لكن مشهد الأسواق هذا العام يشي بفرحة منقوصة.
فقد شهدت أسعار الأضاحي والملابس ارتفاعاً حاداً يفوق قدرات الكثير من المواطنين، وسط موجة غلاء تضرب مختلف المواد الأساسية، وتفاقمها حرارة الصيف وارتفاع أسعار أعلاف المواشي.
وفيما يحاول البعض التأقلم مع الواقع الجديد عبر تقليص النفقات أو تأجيل بعض مستلزمات العيد، يرى آخرون في هذا الوضع مؤشراً على أزمة معيشية أعمق تُثقل كاهل الفئات المتوسطة والضعيفة.
ذلك أن عيد الأضحى يحل في موريتانيا هذا العام وسط ظروف اقتصادية صعبة، نتيجة الضغوط المتواصلة التي خلفتها الأزمات الدولية، وعلى رأسها الحرب في أوكرانيا، وارتفاع أسعار الغذاء والطاقة عالمياً.
وفي بلد يعيش فيه أكثر من نصف السكان تحت خط الفقر، بمعدل 56.9% أي ما يقارب 2.3 مليون شخص، تتحول مناسبة العيد إلى عبء ثقيل على كاهل أرباب الأسر، الذين يجدون أنفسهم بين سندان الغلاء ومطرقة التقاليد.
وتشهد أسواق المواشي في نواكشوط، حسب ما استخلصه مندوب “القدس العربي” من جولات داخلها ظهر الأربعاء، ارتفاعاً غير مسبوق في أسعار الأضاحي، حيث تراوحت أسعار الكبش العادي بين 80 ألف أوقية قديمة (240 دولاراً) و120 ألفاً (360 دولاراً)، تبعًا لجودة الخروف وحجمه.
ويقول سالم ولد وديكه، أحد باعة الأغنام في سوق الميناء جنوبي العاصمة، إن “الكثير من مربي الماشية فضلوا تصدير خرافهم إلى السنغال، حيث تُباع بثلاثة أضعاف السعر المحلي، ما تسبب في نقص المعروض داخل البلاد وارتفاع الأسعار بشكل كبير”.
وأعاد الباعة ارتفاع أسعار الأضاحي في أسواق نواكشوط هذا العام إلى عدة عوامل متراكبة، أبرزها طول فترة الصيف التي أثّرت سلباً على توفر الكلأ في المراعي، ما أدى إلى اعتماد شبه كلي على الأعلاف الصناعية، التي بدورها شهدت زيادات معتبرة في الأسعار، بما في ذلك الأعلاف المدعومة.
ويرى الباعة أن موجة الغلاء دفعت عدداً من الباعة ومربي الماشية إلى توجيه جزء كبير من مواشيهم نحو الأسواق السنغالية، حيث يجدون أسعاراً أفضل وهوامش ربح أكبر، ما أسهم في نقص المعروض في السوق المحلية وزاد من وتيرة ارتفاع الأسعار قبيل موسم الأضاحي.
وبعيداً عن الأضاحي، تأتي الملابس الجديدة كجزء أساسي من طقوس العيد في المجتمع الموريتاني.
ويتنافس الرجال على ارتداء “الدراعة” ذات الطابع التقليدي، وخاصة تلك المصنوعة من قماش “إزبي” الفاخر، والتي تصل تكلفتها الإجمالية -شاملة القماش والخياطة والتطريز- إلى نحو 450 دولاراً.
أما النساء، فيتنافسن على اقتناء “الملاحف” المصبوغة محلياً أو المستوردة من دول الخليج واليمن، وتتراوح أسعارها بين 10 آلاف أوقية قديمة (42 دولاراً) و50 ألفاً (210 دولارات)، حسب نوعية القماش ومستوى الصباغة والتطريز.
وفي ظل هذه الأسعار، يعجز الكثير من المواطنين عن مجاراة متطلبات العيد. ويقول فالي ولد محمد، موظف حكومي: “الحد الأدنى للراتب لا يتجاوز 40 ألف أوقية قديمة (120 دولاراً)، وهو بالكاد يكفي إعالة الأسرة لأيام معدودة، فكيف بالعيد ومتطلباته من خروف ولباس؟”.
ورغم كل ذلك، لا تزال الأسر الموريتانية تسعى جاهدة للحفاظ على طقوس العيد، من ذبح الأضحية إلى ارتداء الجديد، وسط محاولات للتكيّف والبحث عن حلول بديلة؛ سواء عبر تقسيط الأضاحي أو شراء الملابس المستعملة أو اللجوء إلى خيارات أرخص.
وهكذا، في ظل الارتفاع الكبير لأسعار الأضاحي والملابس، يقف كثير من الموريتانيين بين رغبة في إحياء شعائر العيد كما جرت العادة، وواقع اقتصادي يفرض أولوياته القاسية.
وبين من يكابد لتوفير الأضحية ومن يكتفي بالحد الأدنى من مظاهر الاحتفال، يبقى عيد الأضحى مناسبة روحية عظيمة، لكنها تحل هذا العام في موريتانيا محاطة بأسئلة المعيشة وقلق الغلاء، ما يجعل فرحة العيد أقرب إلى طيف باهت في أجواء يثقلها ضغط الأسعار وهموم الحياة اليومية.
وتبقى أسئلة مطروحة كما هي في كل عام: إلى متى يستمر هذا الضغط؟ وهل تتحوّل شعيرة العيد من مناسبة للفرح والتكافل إلى موسم للقلق والمفاضلات المؤلمة؟