كشفت وثائق سرية أن بريطانيا استغلت اسم جماعة الإخوان المسلمين في شن حروب دعائة سرية على أعدائها، بما فيهم جمال عبد الناصر في مصر، وسوكارنو في إندونيسيا، وماو تسي تونغ في الصين.
وبحسب ما تظهر “بي بي سي”، فقد كشفت الوثائق أن بريطانيا روجت منشورات تحمل اسم الجماعة زورا تهاجم الجيش المصري ووجوده في اليمن في سبعينات القرن الماضي.
وكان اليمن حينها ساحة للصراع بين مصر عبد الناصر من جانب، وبريطانيا الاستعمارية والسعودية من الجانب الآخر.
واطلعت “بي بي سي” على الوثائق “السرية للغاية”، بعد طلب للإفراج عنها بموجب قانون حرية المعلومات.
وكانت بريطانيا قد حاولت الانتقام من عبد الناصر بعد أزمة السويس وتدخل مصر في اليمن عسكريا، وهما الأمران اللذان عرضا المصالح البريطانية النفطية للخطر.
وجاءت مشاركة الجيش المصري (بين عام 1962 و1967) في حرب اليمن في سياق الصراع بين مصر والسعودية التي كان عبد الناصر يؤمن بأنها ضد ثورة عام 1952، التي قادها الجيش وأيدها الشعب في مصر، وتسعى لتدمير الوحدة بين مصر وسوريا.
وخلال الشهور الأخيرة من وجودها في اليمن، تردد أن القوات المصرية استخدمت الغازات السامة، ما أدى لقتل عدد كبير من اليمنيين.
ونفت مصر هذا الاتهام، وقالت إنه جزء من “حملة نفسية بريطانية أمريكية” عليها. وفي شهر فبراير/شباط عام 1967، أعلنت القاهرة ترحيبها بتحقيق أممي. غير أنه في الأول من الشهر التالي قالت الأمم المتحدة إنها “غير قادرة” على التعامل مع هذه القضية.
وانتهزت بريطانيا الفرصة، واستغلت اسم وتأثير الإخوان المسلمين، في إطار حربها السرية، لتأليب المسلمين في مختلف الدول على عبد الناصر ونظامه، بحسب “بي بي سي”.
وجاءت تلك الحرب السرية في عقد شهد صراعا مريرا بين نظام عبد الناصر وجماعة الإخوان المسلمين.
ففي شهر أغسطس/آب عام 1965، اتهم النظام الإخوان بتدبير مؤامرة للانقلاب عليه، ثم اعتقل الآلاف، وقتل عشرات منهم أثناء الاعتقال. وبعد عام، أُعدم عدد من الإخوان بينهم سيد قطب، أحد أبرز منظري الجماعة.
في هذا السياق، كانت الأجواء مواتية لتمرير المنشورات البريطانية المزورة على أنها فعلا صادرة عن الإخوان.
وقال أحد المنشورات، نقلا عن الإخوان، إن القوات المصرية في اليمن ليست مسلمة لأنها تقتل المسلمين بالغاز.
وتساءل: “من يستطيع أن يقاوم الصعقة عندما يصف شهود العيان العرب كيف قُتل مئة وعشرون من الرجال والنساء الأطفال دفعة واحدة بعد أن أمر القادة المصريون الأشرار طياري الجمهورية العربية المتحدة في قاذفات القنابل التي صنعها الشيوعيون السوفييت الملحدون بإلقاء 25 قنبلة غاز، التي هي كذلك من صنع الشيوعيين، على قرية كتاف الواقعة شمال شرقي صنعاء؟”، بحسب ما تذكر “بي بي سي”.
وروج المنشور، الذي أُصْدِر باسم “جمعية الإخوان المسلمين الدولية”، للانتقادات والحجج داخل مصر وخارجها ضد التدخل العسكري المصري في اليمن، والذي كان له دور في هزيمة مصر في حرب عام 1967 أمام إسرائيل.
وقال إنه “إذا كان لا بد للمصريين أن يخوضوا غمار الحروب، فلماذا لا يوجهون جيوشهم ضد اليهود؟”.
ولوحظ أن المنشور كُتب، أولا، بلغة عربية عالية المستوى، ثم تُرجم إلى الإنكليزية لأصحاب القرار المسؤولين عن الحرب السرية قبل الموافقة على توزيعه.
وأضاف المنشور أن “القنابل التي ألقيت على اليمن خلال الحرب التي تستعر نيرانها في هذا البلد المسكين لأربع سنوات، كانت تكفي لتدمير إسرائيل تدميرا تاما”.
وكان لجوء عبد الناصر إلى الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية للتسلح قد أثار غضب البريطانيين.
وركز المنشور على أن الجيش المصري “استخدم أسلحة السوفييت الشيوعيين في قتل اليمنيين المسلمين”. ووصف المصريين بأنهم “كفرة وأبشع من النازيين”.
وقال: “أيها الإخوان المؤمنون إن هذه الجرائم الفظيعة المخيفة التي تقشعر لها الأبدان واستعمال هذا السلاح البغيض المحرم استعماله دوليا في الحروب.. هذا السلاح الذي لم يستعمله حتى هتلر المجنون ضد أعدائه في الحرب العالمية الثانية… هذه الجرائم لم يرتكبها الملحدون أو الاستعماريون أو اليهود الصهيونيون، بل ارتكبها المصريون الذين من المفروض أنهم مؤمنون”.
وقد استخدم فريق الحرب الدعائية البريطاني مفردات مشابهة لتلك التي استخدمها الإخوان المسلمون كي يبدو المنشور وكأنه بالفعل صادر عن الجماعة.
وقال: “إن الحرب لها ما يبررها إذا كان العدو غير مؤمن أو من عبدة الأوثان… لكن أبناء اليمن إخواننا في الدين الحنيف. وحيث أنه لا يوجد أي مبرر لقتل إخواننا، فإن الجريمة بكل تأكيد تصبح أبشع وأفظع إذا هم قُتلوا بأقذر وأحقر سلاح دون ريب، ألا وهو الغاز السام”.
ووصف المصريين بأنهم “مستعمرون يتمادون في ارتكاب جرائم مروعة دون عقاب”.
وطالب المنشور المسلمين بأن “يدينوا المصريين الكفرة ويرفضوا التعاون معهم في جميع الأمور لكي تظهروا تضامنكم مع شعب اليمن المستعبد في مصيبته الكبرى”.
وتكشف الوثائق أن فكرة إصدار منشورات توهم قراءها بأنها صادرة عن الإخوان جاءت بعد زيارة مسؤول بالخارجية البريطانية إلى واشنطن.
وفي أحد الوثائق، يقول المسؤول، بعد عودته: “تشاورت مع الآنسة ستيفنسون ووافقت على أنه من المرجح والطبيعي أن مثل هذا التنظيم (تقصد الإخوان) يرسل هذا المنشور”.
وكانت أجهزة الحرب السرية البريطانية تنشر المنشورات من نقاط توزيع مختلفة شملت دولا عربية ومسلمة وغير مسلمة في إفريقيا وآسيا.
وأرسلت المنشورات إلى صحافيين وكتاب ومراكز بحثية وتعليمية ومنظمات دينية مسلمة وجمعيات أهلية ومؤسسات حكومية ووزراء في هذه الدول.
وتشمل الوثائق معلومات عن قيام بريطانيا بمهاجمة نظامي سوكارنو في إندونيسيا وماو تسي تونغ في الصين باستغلال اسم جماعة الإخوان المسلمين، بشكل مشابه لما حدث في حربها ضد جمال عبد الناصر.