كان هولاكو وجيشه من المغول على مقربة من بلاد الاسلام لغزوها ، وكانت الدولة تمر بأزمة اقتصادية حادة ،فاستفتى الحاكم قطز مفتيه العزبنعبدالسلام في فرض الضرائب على الشعب لتجهيزالجيش لمحاربة التتار ، فكان رد الشيخ المفتي : أن يبيع الحكام والأمراء والوزراء ما يمتلكون ، ويقتصر كل منكم - المفتي مخاطبا الحاكم - على فرسه وسلاحه، و تتساووا في ذلك مع العامة، وأما أخذ أموال العامة مع بقاء ما في أيديكمانتم الحكاموالوزراء و قادةالجندمن أموال وآلات و مقتنيات فاخرة ، فلا !
وفورا قام الحاكم قطز (رحمه الله) بتنفيذ الفتوى ، وبدأ بنفسه و ممتلكاته ، و بمن حوله من حاشيته من أمراء و وزراء ،ولم يضطر بعدها لفرض أية ضريبة على شعبه , لأن ما كان في حوزة الأمراء و الوزراء و أصحاب المناصب العليا في الدولة كان كافياً لسد العجز الحاصل .... " فهل من مدكر " , رحم الله العالم الفقيه ، و ما أحوج الأمة اليوم لفقهاء أمثاله , وهل من حكامنا اليوم من يحذو حذو الحاكم قطز ؟ الذي هزم التتاربفضل الله مستعينا برأي العالم الفقيه و مضحيا بممتلكاته في سبيل تعزيزدولته .
أين حكامنا وأمراؤنا ورؤساؤنا اليوم منذلك ؟ومتى يتخلوا عن سياسة " الصندوق الاسود " والميزانية المفتوحة والراتب غير المصنف , صندوق أسود مبهم غامض ذريعة لنهب المال العام و سرقة "رسمية " من خزينة الدولة ، فبأي حق استحللتم أموال الشعوب ؟ أهو مفهوم الحاكمية و الاستغلال الخاطئ للدين والحجج الواهية وثقافة النفاق والخداع " أطويل العمر " و" طاعة ولي الأمر " وغيرها من الذرائع والحيل وكلها لنهب أموال الشعوب , فكيف تفعلون ؟ وتشغلون الناس بالبرلمان و مجالس الشورى و الحريات فيخوضون و يلعبون في تلك المتاهات وفي آخرالمطاف تقولونلهم : عبروا, صوتوا, انتخبوا اعملوا ما شئتم لكن كونوا علي يقين أن :" الدولة هي انا " ولن أسلمها لغيري و المال " مال قيصر لقيصر" , أتصرف فيه كيف أشاء وقت ما أشاء فيصعد "علماء السلطان" علي المنابر ويباركونالمقام و المقال ويأتي المعجبون ويقولون انه لولاهذا الحاكم لما كان مطر ولا شجر, ولا ليل و لا نهار و لا نمو و لا ازدهار , و هكذا , ... أفيعقل هذا ؟ و نحن أمة الاسلام , خيرأمة أخرجت للناس, فأية ثقافة و أية سنة تتبعون يا حكام ؟ ثقافة " الراعي والقطيع"أم سنة الحاكم صاحب المرقعة الذي حكم دول مجلس التعاون واليمن و سوريا و العراق و ايران و تركيا ومات وهو لا يمتلك قصراولا أموالا لكنه ترك دولة وبيت مال وعدة قوية وجاهزية قتال .
أما الغرب فحكامهم زاهدون في الدنيا ، حاكم بسيارة واحدة عادية و منزل بسيط ، يجوب الأسواق و يأكل الطعام و يمشي في الطرقات ويلتقي بالعامة , سنة الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه تطبقها ميركل حاكمة ألمانيا و يطبقها حكام الغرب اليوم, وحكامنا غارقون معظمهم في الولائم و الأفراح و الحفلات , يتنافسون لا علي امتلاك السلاح " للدفاع عن النفس علي الأقل " انما لحوزة أكبر عدد من الشركات و المحلات , يتنافسون علي تشييد أكبرقاعة أفراح لا علي صناعة أكبر راجمة صواريخ , أضخم وليمة لا علي امتلاك أضخم دبابة , يتنافسون علي أسرع ناقةلا على أسرع طائرة مقاتلة ,أشهى خروف لا على انتاج انجع أدوية .... فسبحان الله وصدق رسول الله صلى الله عليه و سلم , توجه غريب , مفارقة كبرى و نحن مسلمون " المالو لا شيء سوى المال " والقافلة تسير والقطيعة بين الاسلام " نصوص " و الاسلام " معاملات " تزداد ويزداد التدهور والانهيار, ويستمر الحكام في الخداع و في نهب المال العام.
في الغرب أيضا تلاعب بالمال لكن ثمة قوانين ردع والحاكم عندهم موظف يتقاضي راتب محدد و معروف فلا صندوق أسود عندهم و لا ميزانية مفتوحة و لا ذريعة لنهب المال العام ,عندهم كذلك حكام أغنياء , الرئيس اترامب أحد هؤلاء , لكنه لما يعملمقارنة معأقل حكامنا أموالا فسيجد نفسه مسكينا يتيما فقيرا.
* البشير بن سليمان