نظم مفدي زكريا النشيد الوطني الجزائري في زنزانته، و هو صاحب إلياذة الجزائر، التي شكلت نظيرة ملحمة هوميروس، على الأقل بالنسبة لنا نحن العرب. لكن نص "قسما بالنازلات..." هو الذي خلد اسمه، فكان سبب حيازته لقب "شاعر الثورة" و اعتمدته جبهة التحرير نشيدا لها، و حذت الدولة بعد ذلك حذوها. هل من العبث أن يتطلع الشعب الموريتاني و هو قاطن "بلد المليون شاعر" لأبيات تحفر تاريخه الجهادي المجيد في ذاكرة الأجيال، أبيات ملهمة ملهبة لمشاعره و أحاسيسه، تشعره بالانتماء لماضيه البطولي، و تأخذ منه الولاء لحاضره و مستقبله.
يتساءل تائه عن أهمية ألوان العلم؟ فبالنسبة له لا يجد فرقا "أخضر..أبيض" لا يكترث لاحتوائه نجما أو مذنبا فالعلم "مجرد قطعة قماش و ستظل كذلك مهما طرزت" تجده يقول و ببرودة "لماذا كل هذا الضجيج" عندما تأملت في الموضوع وجدت من بين الأسباب وراء تلك السطحية: مخلفات البداوة التي تجعل صاحبها لا يلتفت للألوان، نظرا لانحصارها في لونين أو ثلاثة. رغم الانتقال نحو المجال الحضري و ارتياد المدارس و تعدد الأشياء و تنوعها بألوانها الزاهية، ظل هذا البدوي يتعامل معها كنوع من الخذاريف، رسخ ذلك كون أقل الفنون انتشارا فينا الأول و الثاني و الثالث (النحت و الرسم و التلوين)، في حين تزدهر فنون أخرى كالرابع و السادس (الموسيقى و الأدب) المتعلقة بالسماع. ما الضير عندما يقرر الشعب تحسين علمه متى ما تطلب الأمر و تسنت الفرصة، كما رأينا في بلدان مسايرة لحركة الأجيال و اختلاف تعاطيها مع الألوان، و ما تمثل لها من رمزية و دلالات.
التحسين المتمثل في: إضافة اللون الأحمر الذي تحقق الإجماع على إحالته للمقاومة، و تخليد الشهداء و إشارة لدمائهم التي سالت دفاعا عن أوطانهم و كرامتهم و حفظا لأعراضهم و تمسكا بهوياتهم و ثقافاتهم. كيف تكون موريتانيا بدعا في هذا الصدد، و هي التي جاهد فيها الأبطال أيما جهاد، فكبدوا المستعمر الخسائر بعد الخسائر و جرعوه دنان الهزائم، و غصت صفحات كتب الفرنسيين بذكر أسماء القادة و المعارك، و سار على دربهم رجال الجيش الموريتاني الذي بذل أرواح عناصره و ضباطه، مواصلة لمسيرة بسالة و إقدام رسم أجدادنا مسارها و حرص المحتل على طمس معالمه التي لم و لن تندرس. شكرا لأولئك الأشاوس لأن "من لا يشكر الناس لا يشكر الله"، سنذكر ولد بو هدة (الذي لا يزال على قيد الحياة) أكثر من ذكر الفرنسي لجاندارك، و سيعي كل موريتاني أي تاريخ ينقش في ذاكرة الشعب، عندما يحمل روحه على كفه ذودا عن الحوزة.
يأتي التخلص من مؤسسة أثقلت كاهل الدولة (مجلس الشيوخ)، و استنزفت أموالا طائلة الشعب في أمس حاجتها دليلا على نبل القصد من وراء التعديل الدستوري، ترشيدا للمال العمومي و تعبيرا صريحا عن الاستمرار في الحكم الرشيد: المذهب الشهير الذي يردده الناس كتعبير دارج و نادت به البشرية جمعاء. موريتانيا التي عرفت العقد الثاني من هذا القرن تفعيلا لوكالات (النفاذ الشامل) و خلق أخرى (التضامن) هي من آليات الوصول إلى حكم رشيد،تدمج اليوم ثلاث بنيات في واحدة و تضيف البيئة للمجلس الاقتصادي و الاجتماعي.
كغيرها من الدول عرفت بلادنا تدرجا من المركزية الإدارية (تحديدا الإقليمية أو المحلية)، مرورا بعدم التركيز و المصالح الخارجية، نحو اللامركزية التي تجسدت باهتة مع ظهور البلديات. و لأن السير في طريق اللامركزية يتطلب وقتا و جهدا و رؤية، كان من الصعب التجاوز إلى المحطة الموالية و هي خلق أكثر من وحدة لامركزية إدارية، تمتلك الشخصية المعنوية و الذمة المالية و تتنازل لها السلطة التنفيذية عن بعض اختصاصاتها. و بعد أن قطعت بلادنا أشواطا في لامركزية المرفق، آن الأوان لاستفتاء الشعب عن: خلق وحدة لامركزية إدارية ثانية؟ المجالس الجهوية انتهاجا لتعدد الوحدات الإيجابي، و علاجا للاعتلال الناجم عن التقطيع الإداري الخاضع لإملاء الجغرافيا و الديموغرافيا، و سبيلا إلى التوزيع العادل للثروة من خلال تقاسم الاختصاصات أو نقلها حتى. تبديدا للبس الذي يتمتم به البعض "المجالس الجهوية بداية الفيدرالية" نورد: التعديل الدستوري محل الاستفتاء، كان صريحا في نقل اختصاص مجلس الشيوخ إلى الجمعية الوطنية، إذا لا يوجد دور تشريعي للمجالس الجهوية، التي ستعنى بالتنمية و رسم السياسات، و الفدرالية تتطلب تقاسم السلطات الثلاث مع أشخاص معنوية محلية أي إدارة قضاء و برلمان.
المهندس: خالد الداه اخطور