بيـــــــــان
في تغريدة باهتة و فاقدة للتوفيق، بمناسبة عيد الفطر المبارك ، و على عتبة إكمال سنته الثانية في سدة الحكم، يظهر الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، بكل حسرة، مخيبا لآمال الموريتانيين في إحداث التغيير و متغافلا عن آلامهم في الواقع المعيش ؛ و بدا ، كما في كل مرة، يراوح مكانه في مشهد سياسي بائس و وضع اقتصادي و اجتماعي تعيس : فعلى المستوى الاجتماعي تفاقم الوضع الأمني حتى كاد يكون حالة انفلات و تسيب ، و على المستوى الاقتصادي يعيش المواطنون غلاء جنونيا في المواد الأساسية و تصاعدت وتيرة البطالة بين الشباب الذي فقد كل أمل بقدرة الرئيس و مصداقية تعهده بخلق مائة ألف فرصة عمل خلال مأموريته في ضوء الحصيلة شبه الصفرية بعد مضي سنتين منها ؛ بينما يتخبط النظام سياسيا في وحل الأنظمة السابقة ، فدوّر عوادمها و نفاياتها البشرية الفاسدة المفسدة ؛ و مكّن أفسدها و أتفها من رقاب الشعب لتقود القطاعات الحكومية بأفشل منهج و لتدير الشأن السياسي بأفلس أسلوب ، ليس بالاتجاه الخاطئ فحسب ؛ بل باتجاه التفاهة ... فقد انتقى الرئيس لإدارة الدولة أضعف العناصر تأهيلا و أقلهم خبرة بأمور الدولة و أضيقهم أفقا ؛ و اختار لذراعه السياسي أن يكون بيت إسكافي فيه من كل جلد رقعة و من كل بال خرقة ؛ و حرص على قيادته بجماعة هي الأدنى نضجا سياسيا، بين ذلك الخليط، تتخذ القرب من السلطة غنيمة ، تتعاطى المنافع و الامتيازات بعقلية اللوبي عبر توزع عناصرها في مواقع النفوذ بالسلطة و إقصاء غيرها . كما نجح الرئيس ، بالتوازي ، في تخدير المعارضة التقليدية فأبطل مفعولها بجاذبية أخلاقه الشخصية و نعومة حديثه و نفوره من الصراحة في مواقفه ؛ فانطبق على واقع هذه المعارضة المثل المروي في المحكيات الشعبية عن الدب الذي رأى صورة القمر في الماء بقعر بئر سحيقة فظنها قطعة من الزبدة فقفز إليها ، فاحتبس بقعر البئر !
لقد أدى واقع الرداءة السياسية و التردي في ظروف الناس إلى خلق مشهد بائس تتصدره طبقة سياسية عاجزة من جانب النظام و جانب المعارضة تشترك في تصدير القنوط و توزيع اليأس بين الموريتانيين ؛ و كأنها تواطأت لتديم دوامة الفشل و الأسى...
أيها الموريتانيون.. أيتها الموريتايات.
إن أخطر ما في هذا الواقع، الذي يمر به بلدنا ، ليس تفريط الرئيس ولد الغزواني بشبه الإجماع الذي حظي به و كان كفيلا بإنجاحه في إنجاز تعهداته الانتخابية المفضية إلى تحقيق التغيير الناجز المنشود شعبيا بصورة ملحة لو أنه حرص على ذلك، و إنما الأخطر هو أن الدولة الموريتانية اليوم تسير و تسيّر على طريقة بيوع " الشيخ الرضى "؛ و هي طريقة إذا تواصلت ستؤدي حتما إلى أحد أمرين كارثيين : أولهما أن تنبري طغمة من المغامرين العسكريين، من الخط الثاني أو الثالث في الرتب، مستفيدة من تفاقم السخط و الإحباط ، فتستولي على السلطة بالقوة ؛ و ذلك أمر بالغ الخطورة ؛ و قد ينجحون و قد يفشلون ، و بكلا الحالين، فقد يتسببون في فوضى بالمؤسسة العسكرية ، التي هي خط الدفاع الأخير عن كيان الدولة و استقرارها ، و هي التي تضررت سمعتها جدا جراء دوامة الانقلابات على السلطة التي باتت ماركة موريتانية مسجلة لها، ثم فشلها المتتالي في إدارة الدولة و معركة التنمية على مدى أربعة عقود من احتكار السلطة على كبار الضباط . أما الأمر الثاني فهو انفجار شعبي عفوي يقود لفوضى عارمة في عموم البلاد بسبب ظروف الناس القاسية و معاناتهم المعيشية الصعبة دون مبالاة من الحكومة أو بفعل سوء أدائها .
أيها الموريتانيون.. أيتها الموريتانيات.
إن انعدام الوزن لقوى الأغلبية ، و غياب رئيس الجمهورية نفسه من المشهد ، و هي سابقة معه، و انتظار الناس لشيء يصدر عنه لينقذ الوضع القاتم قد طال على نحو ما طال انتظار المؤمنين بالمهدي المنتظر لتخليصهم ؛ و هو ما ترك الموريتايين في حيرة و ضيق ما وراءه ضيق ، تتقاذفهم اتجاهات الفراغ و الضياع المعنوي ، برغم أن قطاعا واسعا من الشعب، نخبة و عوام، ما زالوا يعلقون هذا الفشل الذريع على أداء الحكومة و قصور قيادة الحزب ، و ما زالوا يراهنون على أن الرئيس عاكف على تحضير ( شيء مّا ) ؛ و هذا الرهان ما هو على الحقيقة إلّا تمديد لفرصة استثنائية، جاد بها الموريتايون على ولد الغزواني، دون سواه، خروجا على عادتهم مع الرؤساء السابقين ، لعله يصحو و يحضر فعليا في المشهد و يستشعر المخاطر التي تحدق به و بنظامه داخليا، و لعله يحس بحجم و خطورة المسؤولية التي تحملها بإرادته إزاء ما يحيط بالبلد من أخطار إقليمية و دولية متفجرة على حدود البلاد جميعا.
فهل يغتنم الرئيس ولد الغزراني تمديد الشعب لفسحة الأمل في نظامه ؛ فيكف عن هذا الحنو الأخرق على أدوات الفساد في ظل أنظمة بائدة المثبطة معنويا لتطلعات الناس ؛ و كأنها قدر مقدور على الموريتانيين ، و متى يتمرد الرئيس على ضعفه الداخلي و يستعيد زمام الأمور بيده، فيمد جسر التواصل مع الموريتانيين، غير المتسخين بالفساد و النفاق السياسي، الذين دعموه على تحقيق تعهداته للشعب الموريتاني بالتغيير و ليبنوا معه تجربة سياسية تعيد للشعب الموريتاني ثقته بنفسه و بحكام بلده ... و متى يقطع ولد الغزواني مع تدوير أوجه الفساد و مداراة عناوين الرداءة قبل أن يتحول فشل نظامه المشوه إلى مأزق للبلاد برمتها !
موريتانيا، بتاريخ 12/5/2021
حزب البعث العربي الاشتراكي- القطر الموريتاني