قال القيادي في تنظيم القاعدة عبد الرحمن ولد محمد الحسين المشهور بـ"يونس الموريتاني" إن القضية الوحيدة التي ناقشتها قيادة القاعدة الأم، وكانت تتعلق بموريتانيا، كانت نقاش الرد على طلب مشورة من تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي حول "الصلح مع موريتانيا".
وقال يونس الموريتاني – وهو مهندس التحاق الجماعة السلفية للدعوة والقتال بتنظيم القاعدة وتحولها إلى فرع له في المغرب الإسلامي – في معلومات كشفها عنها للأمن الموريتاني بعيد تسلمه من الولايات المتحدة الأمريكية في العام 2012، إن تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي أبلغ تنظيم القاعدة الأم بوجود "مفاوضات تجري بينهم مع الجانب الموريتاني حول صلح ينهي الحرب بين الطرفين".
وأشار يونس – وهو أحد أبرز قادة تنظيم القاعدة واعتقل من طرف الجيش الباكستاني في سبتمبر 2011، حيث سلمته باكستان للولايات المتحدة الأمريكية، قبل أن تسلمه الأخيرة لموريتانيا – إن القاعدة الأم أرسلت ردا إلى قاعدة المغرب الإسلامي، طلبت فيه قبول الصلح مقابل شرطين، هما "إطلاق سراح السجناء، وإتاحة التعليم المحظري للأجانب".
وقال يونس – حسب معطيات حصلت عليها وكالة الأخبار - إن القاعدة الأم طلبت هذين الشرطين بناء على رأي من القيادي أبو يحي الليبي، والذي سبق له أن أقام بموريتانيا ودرس في محاظرها، وتزوج فيها.
وأردف يونس أن قيادة تنظيم القاعدة أرسلت هذا الرد بهذين الشرطين إلى تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، مشيرا إلى أنهم لم يحصلوا على رد منهم، أو على الأقل "لم يحصل لي به علم إن كان وقع". يقول القيادي في تنظيم القاعدة.
وتأتي تأكيدات يونس الموريتاني بوجود مساع للصلح بين تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، لتنضاف لمضامين الوثيقة التي رفعت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية السرية عنها، ضمن وثائق أخرى عثر عليها في المخبأ الذي كان فيه أسامة بن لادن، وتوثق نقاش قادة تنظيم القاعدة في أفغانستان لمضامين خطة لإعداد اتفاق مع الحكومة الموريتانية يلزم جناح القاعدة في المغرب الإسلامي بعدم استهداف موريتانيا لمدة عام قابلة للتجديد، وهو ما أعاد الجدل السياسي والإعلامي حول طبيعة العلاقة المتقلبة التي ربطت موريتانيا والقاعدة طيلة العقد ونصف العقد الماضيين.
فقد امتازت علاقات الطرفين طيلة السنوات الخمس الأولى لوجود هذا التنظيم غير بعيد من الحدود الموريتانية في الشمال المالي بمهادنة عرفية تامة (أيام كان التنظيم يسمى الجماعة السلفية للدعوة والقتال، ويركز عملياته ضد الجزائر)، قبل أن تنتهي هذه المرحلة بتنفيذ التنظيم لعملية لمغيطي في شهر يونيو 2005،والتي قتل فيها 15 جنديا موريتانيا، لتبدأ مرحلة صراع مفتوح بين موريتانيا والتنظيم امتدت حتى العام 2012، مع فترات مد وجزر.
ويؤكد قيادي في تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي في حديث لوكالة الأخبار أن التنظيم حرص خلال سنواته الأولى في الصحراء على إرسال رسائل تهدئة لأنظمة المنطقة، وخصوصا مالي، وموريتانيا، والنيجر، مشيرا إلى أنهم تلقوا ردا صريحا بالمهادنة من الحكومة المالية، فيما كانت ردود الحكومتين الموريتانية والنيجرية عملية، بالتهدئة معهم، دون أن يصل الأمر درجة الاتفاق.
خرق للهدنة
ويشير القيادي في القاعدة إلى أن تنظيم "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" قرر في العام 2005 مهاجمة الجنود الموريتانيين في حامية لمغيطي قرب الحدود الشمالية للبلاد، بناء على معلومات كان يتلقاها عن الأوضاع داخل البلاد، معتبرا أنه اكتشف لاحقا أن بعضها لم يكن دقيقا.
وأضاف القيادي أن قيادة التنظيم عادت لاعتبارها في هدنة مع موريتانيا بعيد سقوط ولد الطايع، خصوصا وأن أولويات الطرفين لم تكن تجعل أيا منهما في مواجهة الآخر.
تصعيد قبل الهدنة
نهاية 2007 بدأ تنظيم القاعدة – وذلك بعد وقت وجيز من إعلان التحاقه بالقاعدة الأم – في تنفيذ عمليات ضد موريتانيا، كانت أولاها بمقتل ثلاثة سياح فرنسيين، نهاية 2007، ثم قتل القاعدة لـ12 عسكريا موريتانيا في تورين سبتمبر 2008، قبل اختطاف ثلاثة سياح أسبان على طريق انواكشوط انواذيبو 29 – 11 - 2009.
وقد ردت موريتانيا على هذه العمليات باعتقال عدد من المنتمين للقاعدة داخل البلاد، ومحاكمتهم، والدفع بقوات من الجيش إلى عمق الشمال المالي للدخول في مواجهات مفتوحة مع كتائب القاعدة.
وكان من أبرز محطات المواجهة بين الطرفين خلال سنوات التصعيد هذه، مقتل ستة من أفراد القاعدة في عملية مشتركة بين الجيشين الموريتاني والفرنسي 21 – 07 – 2010، ثم محاولة القاعدة إدخال سيارة مفخخة إلى انواكشوط في فبراير 2011.
وفي منتصف شهر سبتمبر 2010 جرت مواجهة بين كتيبة من الجيش الموريتاني، وسرية الفرقان التابعة لتنظيم القاعدة في منطقة تعرف بـ"حاسي سيدي" حوالي 70 كلم شمال مدينة تمبكتو.
كما هاجم الجيش الموريتاني تجمعا لتنظيم القاعدة في غابة وقادو في يونيو 2011، قبل أن يقوم بهجوم على مدينة باسكنو شرقي البلاد في شهر يوليو 2011.
وفي شهر ديسمبر من 2011 أعلن التنظيم عن اختطاف الدركي اعل ولد المختار من مدينة عدل بكرو غير بعيد من الحدود المالية قبل أن يتم الإفراج في صفقة مع التنظيم أطلق أحد أفراده ويسمى عبد الرحمن ولد ميدو.
هدنة الأمر الواقع
وفي الأشهر الأولى من العام 2012، بدأت القاعدة في التحضير لبسط سيطرتها على منطقة أزواد شمالي مالي، ودخلت في سباق مع حركات محلية، فيما استفاد الجيش من مخزون السلاح الليبي المتدفق على المنطقة.
وقد أكملت القاعدة والحركات المرتبطة بها سيطرتها على أهم المدن في منطقة أزواد مع بداية شهر إبريل من العام 2012، وهي ذات الفترة التي بدأت تصاعدت فيها المفاوضات بين موريتانيا والقاعدة للتوصل إلى هدنة.
وتؤكد مصادر الأخبار أن وسطاء بين الطرفين عقدوا عدة لقاءات للتوصل إلى تهدئة بين الطرفين، والتقوا قادة التنظيم، كما التقوا مدير الأمن السياسي بموريتانيا سيدي ولد باب حسن، ومدير الديوان الرئاسي السابق ووزير الخارجية الحالي إسلك ولد إزيد بيه.
وقدمت موريتانيا خلال مفاوضاتها – عبر وسطاء مع تنظيم القاعدة – ثلاثة مطالب رئيسية، كان أولها أن يدخل التنظيم مسافة 100 كلم من الحدود الموريتانية المالية، وأن يوقف الاكتتاب داخل موريتانيا، وأن يوقف إرسال الأموال إلى ذوي السجناء المعتقلين في موريتانيا.
وأضافت المصادر التي كشفت هذه التفاصيل لوكالة الأخبار أن تنظيم القاعدة أبلغ الوسطاء بموافقته على الشرط الأول المتعلق بالحدود، فيما نفى قيامه بالقضايا المتعلقة بالطلبين الآخرين.
وقد عرضت موريتانيا مقابل هذه الشروط عدم مشاركتها في أي عملية عسكرية تستهدف القاعدة والحركات المرتبطة بها في مالي، وهو ما وفت به في التدخل الفرنسي الذي بدأ بعد هذه المفاوضات بثمانية أشهر.
فقد امتنعت موريتانيا عن إرسال جنودها للمشاركة في التدخل الفرنسي الإفريقي في الشمال المالي، والذي بدأ يوم 07 يناير 2013، وهي الرسالة التي جاء الرد عليها من أمير إمارة الصحراء التابعة لتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي يحي أبو الهمام، والذي قال في مقابلة مع وكالة الأخبار نشرت إن تنظيمه سيعامل الدول التي تعاملت معهم بالحياد، ولم تشارك بجنودها فيما وصفه "بالحرب الصليبية"، ستعاملها بالمثل.
ومنذ العام 2012 لم تنفذ القاعدة أي عملية ضد موريتانيا، كما أوقفت موريتانيا عملياتها ضد القاعدة في الشمال المالي، واكتفت خلال سيطرة القاعدة والحركات المرتبطة بها على الشمال المالي بتأمين حدودها، فيما اقتصرت مشاركتها في عملية "سيرفال"، وكذا "برخان"، بالتعاون الأمني والاستخباراتي، إضافة للسماح لهذه القوات باستخدام مطارات وقواعد موريتانية، دون مشاركة جنود موريتانية في العمليات الجارية شمال مالي.