لطالما سمعنا مقولة "الاتحاد قوة" ، وظننا أنها تعني أن كل متحدين سوف يصبحون أقوياء وفاعلين، ولكن بمراقبة بسيطة للواقع تتكشف اشتراطات هذا المثل السائر ، وتتضح معانيه ، إذ لا مجال للقوة ولا الفاعلية دون تحقق الأهداف الذاتية والموضوعية في المتحدين ، كالجدية وسلامة المنطلق وسمو الهدف والصدق مع الذات ومع الناس.
ولعل المعارضة الموريتانية هذه الأيام تنغمس في التفسير البسيط لهذا المثل الآنف ، حين ظنت أن أي اتحاد بين حزبين من أحزابها أو بين ثلاثة أو عشرة أو عشرين أو... ، سوف يجعلها تصل شأو الاتحاد من أجل الجمهورية أو حتى مرتبة حزب جاد يستطيع تحريك الجماهير ، يرتبط بالقوى السياسية والاجتماعية الموريتانية !! ، فكان ما آل إليه أمرها من تشرذم وخفة في نفوس المواطنين والعالم ، لأن كل صاحب حزب من هذه الأحزاب المشكلة لهذه المعارضة ينظر إلى قلب صاحبه ويعرف ما يدور في خلده ، بسبب التجارب السوداء ، فكلهم له ماض مع صاحبه ومع الشأن العام قد لا تكون بعيدة ، وهي إشكالية يبدو أن الشعب الموريتاني يتابعها بعناية وحذر مشوب بماضي الرجال وأملاكهم وسمعتهم و"نضالهم" الحقيقي الذي تبين خيطه الأبيض من الأسود عبر مسيرتهم الحافلة بجلب المنافع لهم ولأسرتهم ولعشيرتهم الأقربين..، هي إذا مفارقة عجيبة سببت ضعف هؤلاء وهوانهم على الناس ، ومنعتهم من الدخول إلى قلوب الشعب الذي كذبوا عليه كثيرا ، وسفهوا مشاريعه التنموية بمنكر القول وزوره الذي أبدعوا في ترداده في مناسباتهم الحافلة بالتيه والضياع في مزالق الضعف والتباكي على عصور المنافع والحظوة والجاه ...!! لا يعرف الكثيرون السر وراء تكتلات المعارضة الموريتانية اليوم إلا حين يبحثون عن الفرق بين قوة واحد من أحزابها في السنوات الماضية وقوتها مجتمعة في هذه الأيام ؟!! . بون واسع وفارق كبير ، لا يترك مجالا للحديث عن مهرجان يحشده واحد من هذه الأحزاب لوحده ، وإن كان مع غيره لا تلحظ الفارق! ، هنا لابد من استحضار مثلنا الدارج "إسناد الضعيف على الضعيف" الذي يجعلك تدرك أن الأمثال –مثلها مثل كل النصوص التراثية- يشرح بعضها بعضا ويفسر ما تعنيه ألفاظها ، فإسناد بعض هذه الأحزاب المتهالكة على بعضها الآخر أدى إلى ضعفها وبعدها عن الشعب وخبت أصواتها التي لم تعد تمثل أحدا ولا أحد معني بهذيان أصحابها ، إذ هي ضد التنمية ، وضد كهربة المدن ، وضد ترميم الشوارع ، وضد مطار أم التونسي الكبير ، وضد تغلغل موريتانيا في الدبلوماسية العالمية ، وضد طرد الإرهاب من البلاد الموريتانية ، وضد الإستراتيجية الأمنية الموريتانية التي بهرت العالم ، وضد دكاكين أمل ، وضد الاكتفاء الذاتي في مجال الأرز ، وضد مشروع آفطوط الساحلي والشرقي ، وضد تعديل الدستور باقتراحاته الحضارية الموغلة في الوجاهة ، وضد ولوج الشباب إلى مراكز القرار وقيادة أحزابهم ...، فهم إذا ضد التغيير وضد الشعب الذي فهم ذلك بسرعة فقرر أن يكون ضدهم ويتشبث بمشروع التغيير البناء !..
لذلك لا مجال للحديث عن معارضة ترفض الدستور لأنها لا تؤمن به أصلا ، فأقطابها رضعوا من ثدي العهود الاستثنائية ونبتت لحومهم وشحومهم من ثروة الشعب وعرقه وحتى دمه ، فمتى أشركوا الشعب في القرارات المصيرية حين كانوا سادة ووزراء ومدراء وولاة وحكام وسماسرة و...؟!!!، لا مجال للحديث عن الاستئناس بتخريفات ينساها صاحبها قبل أن ينطقها وحتى ينسى من لقنه إياها ! ، ومهما كان تحالف هؤلاء لن يستطيعوا شيئا لأنهم ضعفاء من بعد قوة واستأساد على المواطنين والحق والأمة والأخلاق.
سيداتي ولد سيد الخير