إن الدين الإسلام الحنيف يمقـت التعصب المذهبي ويعتبره مغالاة في يسرة الدين ومخالفا لنهج رسالة المصطفي عليه الصلاة والسلام ولن يزيد الأمة الإسلامية إلا تشرذما وتفرقة وتنافرا وانكسارا أمام الحملات الصليبية والصهيونية العدائية التي أصبحت تغزوا الإسلام والمسلمين في عقر دارهم وتزرع التفرقة والشقاق بين أصحاب الملة الواحدة بل وأصحاب المذهب وبث الشماتة بين أصحاب المنهج التصوفي ونعت كل منهما للأخرى بالزندقة والزيغ والضلال وتسفيه الأحلام في كيفية التعبد وطريقة التوحيد والعبادة إثارة للنعـرات المذهبية.
فضيلة الإمام ومفتي الديار كان أجدر بخطبة العيد أن تكون ذات معزي ديني توحيدي يجمع بين المسلمين بغض النظر عن الاختلاف المذهبية والحث علي توحيد الصفوف وألفة الاجتماعية وإشعار المسلمين بخطر العدو الذي أصبح مشترك بسبب الحملات الصليبية والصهيونية التي هي اخطر علي كيان الأمة الإسلامية من المد صفوي الشيعي كما تقولت فضيلتكم والمد الشيعي لا يخلو من أمرين أن يكون أصحابه يعتنقون الدين الإسلامي وقد يرجي منهم ما لا يرجي من أعداء الملة والأمة واختلافنا مبدئي وجزئيا من حيث تطبيق الأوامر الشرعية وهي مسالة إشكال فقهي متجاوز إذا ما تم النقاش بين الحكماء المذاهب.
فضيلة الإمام ومفتي الديار إن القسوة في اللفظ وفض القول ليست من شيم الإيمان فالباري عز وجل الذي بيده الملك وهو علي كل شيء قدير وصف نفسه بالرحمة والرفق بالبشر ووصف نبيه بكمال الأخلاق ونحن علي سنته ونهجه وقد أدب نبينا موسي عليه السلام علي أسلوب الخطاب ورزانة التفوه وعلمه الرفق في القول ولينة في الخطاب وهو يخاطب اعت الصناديد البشر كفـرا وفسادا في الأرض فرعون وقومه إذ جاء الخطاب في سياق قراني إلهي في أبهي حلل اللفظ في الدين ولباقة التفوه في قوله تعالي: ( فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ) الآية. وانتم ادري بالقول اللين المشار إليه في تفسير الآيات، فكيف يخاطب أصحاب ملة الكفر والطيش بالخطاب الرزين الفظ ونخاطب نحن أصحاب الدين الإسلامي بخطاب العنفوية والقدح والشتم والتطير وان اختلافنا في التمذهيب.
فضيلة الإمام ومفتي الديار فقد كان لنا بقية أخلاق وهيثم سنة من سبل الهدي عند المصطفي عليه افضل الصلاة والتسليم حينما علمه الباري فضل الخطاب وشهامة الأخلاق والترفع عن المدنسات من الكلم وسفاسف التقول مخاطبا إياه بعدم سب المشركين حتى لا يسبوا الله عز وجل ظلما وعدونا في قوله تعالي: ( وَلاَ تَسُبُّواْ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَسُبُّواْ ٱللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ) الآية. وقد اجمع المفسرون علي أن عدم سب المشركين من باب سد الذريعة ألا تري يا إمام أن جناب حضرتكم قد فتحت نار السب علي مذهبنا وصحابتنا الإجلاء حينما شتمتم وسببتم أصحاب التمذهب الشيعي ونعتم معتنقيه بالسفهاء من الناس ووصفهم بالآحاد والزيغ والزندقة ليهاجموا مذهبيا المالكي ونعته بنفس الأوصاف التي وصفتم بها أتباع المذهب الشيعي.
فضيلة الإمام ومفتي الديار إن الدين سمح ويسر إذ يري بفسحة الاختلافات المذهبية وقد ذهب معظم جهور الفقهاء والمفسرين إلي إن قوله تعالي: (أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى) ففي معني الآيات الظاهري يعني النهي عن سب نهج التعبد والعبادة عند أصحاب الممل والأديان ويتجلي دور الخطيب والإمام لما يفعل إذا ما كلف به وإلا خرج من عهدة التكليف ، وأما إصراركم على كفركم ، فذلك مما لا يرجح عند أيمة المذاهب ،أما باطني الآية فهو اختلاف التديني في ما يري أصحاب الفقه المقارن انه يعني الاختلاف المذهبي ولم يظهر هذا الاختلاف إلا بعد خلاف الأيمة الأربعة علي حكم فمن افطر أو تأتي أهله في شهر رمضان سهوا أو نسيا فقد اختلفت الأحكام والتفاسير حسب اختلاف تمذهب أصحاب المذاهب وكذا تأويل وتفسير حديث حكم سؤال عن الدابة في المسجد الذي أفتي فيه الفقهاء مستدلين بنص الآية وتفاسير الحديث ومن هنا اجمع الفقهاء علي أن اختلاف المذهبي فسحة من الله لعباده بعد منامه عليه السلام.
فضيلة الإمام ومفتي الديار أن المد الصفو الشيعي أفضل بكثير من المد الصليبي الإلحادي الذي أصبح ينتشر انتشار النار في فالهشيم لدي صحوة شبابنا اليوم من شك في الحشر والبعث وعدالة الله عز وجل والتكذيب بالرسل وسب المصطفي عليه الصلاة والسلام ووصفه بما نزهه الباري عز وجل عنه علي مسمع ومرآي من علمائنا وفقهائنا ومجالس الإفتاء ورفع المظالم والعجز القادح عن إصدار فتوى شرعية في موقف المسلمين وأهالي هؤلاء الطغاة الكفرة الذين اتخذوا من الدول الغربية حصانة من تطبيق الشريعة ومنبر لتمرير أفكارهم الأحادية التي أصبحت تغزوا عقيدة الكثير من شبابنا المسلم بفضل حداثة صيحات التكنولوجيا وسائل التواصل الاجتماعي بشتى أنواعها فقد ظلت السلطات عاجزة عن حجب هذا النوع من المواقع ذات الأفكار العقائدية السامة التي تجد أذانا صاغية من لدن شبابنا المسلم فقد كان أحري بفضيلة الإمام ومفتي الديار أن يكون هذا هو ديدن خطبة العيد التي حضرها الكثير من أولياء هذا الشباب الكادح ومنعه من فساد العقيدة بسبب الثورة التكنولوجية وأخطارها الفكرية.
فضيلة الإمام ومفتي الديار قد حضرت عدة ندوات دينية في العاصمة السنغالية دكار محضرة من طرف شبيبة عباد الرحمن تحت عنوان: " التلاحق المذهبي بين أصحاب الطرق والديانات" وقد أجاد المحاضرين عن كل المذاهب وأصحاب الملل وأتباع الطرق الصوفية ولم أري ما يعاب علي أي مذهب سوي قدرة الإقناع من لدن معتنقيه ومريده في احترام متبادل بين كل أصحاب ملة وفتح الباب أمام المناقشين والردود علي الأسئلة والتساؤلات التي أثيرت من طرف المشاركين والتي تشكل حاجز اليقين عند مناصري مذهب معين اتجاه ملة أو ديانة وبفضل من الله ثم نجاعة الأدلة الدامغة والحجج المقنعة من لدن شبيبة الصفوة من عباد الرحمن قد انخرط الكثير من الحاضرين في صفوف هذه الشبيبة وأعلنوا الولاء لها ولم أتذكر أن منهجا ساب منهج أو ديانة قدحت في حق أخري أو طريقة سفهت أحلام أختها من حيث الأداء الوظيفي التديني.
فضيلة الإمام ومفتي الديار إن العجز الذي تشكون منه وتنعتون التمذهب الشيعي بأنه أفـته فهو عكس ما جدت به مخيلتكم الفكرية بل هو عجز وقصور لدي فقهائنا وعلمائنا في عدم القدرة علي مسايرة الثورة الفقهية المعاصرة بأدوات الإقناع (الأسلموية فقهية) وعدم التسلح بالقدرة الجانحة علي مقايضة إفتئات الفقيه المرحلي بمقابلاتها من الفقه المقارن من حيث نوازل الفقه المعاصرة من سلاسة في الأسلوب ونطاحة اللفظ وفصاحة التقول مما جعلنا نرمي في أحضان سلالات مهملات المناورة عند خطباء المذاهب الأخرى ونكون عرضة لتلاشي والانعدام .
فضيلة الإمام ومفتي الديار سيلدغ الإسلام ويتلاشي إذا ما ظلت أساليب الإقناع لدينا نحن أصحاب المذهب المالكي فقهوية نخاسية عندما نطـر إلي الدفاع عن مذهبنا وطلب الاستعانة بتدخل الرئيس والجيش تلك أمور مفروغ من نجاعتها وجدوائيتها لان معتنقي التمذهب الشيعي لن يردعونا بقوة الشتم والقدح وإنما بقوة المقابلة والمدابرة والمحاججة التي يجب أن تتسلح بها نخبتنا الشبابية المتدينة التي لها القدرة علي الإقناع والجدال المسلح بأفكار دينية وفلسفية كما قال الشيخ القرطاوي أطال الله عمره وكشف كربته " من لا يفهم الفلسفة لا يفهم الدين ولا يتمعن في مضامين القران الكريم".
فضيلة الإمام ومفتي الديار هذه أنجع وسيلة حتى لا نقحم الدولة في حرب بالوكالة بين الشيعة والوهابية في صراع ذي ثلاث شعب ولا ناصر فيه ولا منتصر ولا يغني من لهيب الفرقة بين شعوب الأمة الإسلامية فعلي مجمع الإفتاء ورابطة العلماء والنخوة من الشباب التصدي لمد الصفوي الشيعي من خلال مقايضة الحجة بالحججة ومكايلة القول بالقوالة قرانا وحديثا وفكرا وتراثا دونا لإساءة إلي الدولة الإيرانية أخت الإسلام والدين.
الأستاذ: محمد ورزك محمود الرازكه