إن المتتبع للشأن الثقافي الموريتاني والمسرح بصفة خاصة يجد أن الساحة الثقافية فيها من هم أشخاص يحلمون بوطن يلملمه ضوء الوحدة , يجد شبابا قليلا منهم لا يزالون يؤمنون برسالة المسرح التوعوية والتثقيفية، وهم يحاولون بكل ما أوتوا من قوة كي يصنعوا مجدا جديدا يعيد للمسرح هويته ليكون قادرا على مجاراة المسارح العربية والعالمية,و إظهار الصورة الحقيقة لهذا الوطن العربي الإفريقي . لكن كلما دقق النظر وحاول معرفة من هم على الساحة ومن يحلمون بالوطن الواحد ...و أن لا يكون المسرح الموريتاني عبارة عن تجارب فاشلة تموت ما إن يفكر أصحابها في الخروج إلى الحياة, فهل سيكون المسرح الموريتاني قادرا على إقناع المشاهد الموريتاني وإخراجه من جدران المنزل الأربعة إلى دور المسرح ذات الخيالات الواسعة ؟ متى سيعلم القائمون على الثقافة أن المسرح من شأنه أن يحل ويفك ويحلل كل القضايا المسكوت عنها ويساعد في دفع عجلة التنمية ؟ للخوض عمليا في محاولات الرد على كل هذه التساؤلات يجب أن نعيد شريط الذاكرة للوراء والدخول في الما ضي القريب .حيث بدأت محاولات التجديد وولوج الأفكار جديدة للمسرح، كانت لتكون عصرا ذهبيا للمسرح الموريتاني لو أنه تم تبني أصحابها وهم فتيان شبان وشابات يؤمنون بالمسرح ويقدمون له كل ما هو جديد ومفيد، وهنا أعود بكم خمس سنوات للوراء, 2011 حيث كانت أول نسخة للمهرجان الوطني للمسرح المدرسي المدعوم من طرف الهيئة العربية للمسرح ...خلال ثلاثة أعوام كانت الهيئة العربية للمسرح و_مقرها الشارقة_ هي الداعم الرسمي للمهرجان الوطني للمسرح المدرسي حيث شهدت كل تلك النسخ الثلاث أعمال أبداعية ساعدت في ميلاد جيل جديد من الهواة والمشتغلين بالشأن المسرحي لتكون بعد ذلك وزارة الثقافة هي المسؤول الأول عن المهرجان الذي تتم إدارته من طرف جمعية المسرحيين الموريتانين لتشكل بعد ذلك عصر التكاسل والتهاون من الوزارة الوصية، لكن تلك المجهودات الشابة والأفكار الإبداعية والطاقة الشبابية التي-لو أنها حصلت حتى على دعم بسيط يتمثل فقط في إيجاد دور للعرض أو أماكن لممارسة العمل المسرحي- لكانت الآن موجودة في كل المحافل العربية والدولية لكنها قوبلت بالرفض والتكتم والتجاهل من قبل القائمين على الثقافة . ثلاثة أعوام بعد أن رفعت الهيئة العربية للمسرح يدها عن تمويل المهرجان بدء القائمون على المهرجان يعانون الأمرين في سبيل إستمراره وهو عهد كانوا قد قطعوه على أنفسهم "أن يستمر المهرجان بعد السنوات الثلاث بدعم من الهيئة " جاءت النسخة الرابعة والخامسة ناجحة بمجهودات الشباب الذين يعملون لفترة ثلاثة أشهر قبل المهرجان للتحضير و تأطير المدارس التي ستشارك في المهرجان بالإضافة الى دعم رمزي من الوزارة الوصية لم يكن حتى كفيل بتغطية مستلزمات المهرجان من أجهزة وتأجير دار العرض وتكاليف اللوجستيات، لتختتم ايام المهرجان بفرح وسرور شديدين تتمثل للقائمين على التظاهرة في نجاح الدورة وانتهاء عام أخر يؤكد استمراريتها واكتساب جيل أخر من الشباب شارك في في مسيرة التعريف بالمسرح وقبل ثلاثة أيام أسدل الستار على النسخة السادسة من المهرجان بنفس قوة وجمالية مضمون العروض برغم قلة الدعم لكن مرة أخرى يثبت الشباب أن للمسرح الموريتاني رجال يحمونه، ويعملون جاهدين لإستمرار هذه التظاهرة السنوية المجيدة .لم يؤدي غياب جماليات العرض خلال كل أيام التظاهرة إلى أي تشويه للوجه العام للمهرجان ولم تكن قلة العروض المقدمة وهي خمسة عروض فقط بالإضافة إلى عرض يتيم للصم وهو بادرة تذكر وتشكر وتشكل إضافة جديدة للساحة المسرحية الموريتانية وجود أشخاص كهؤلاء على الخشبة يعطي معنى آخر للمسرح ويظهر جماليته وقدرته على تلاقي الأرواح والقلوب والمشاركة الفاعلة في بناء وطن واحد يسوده العدل والمساواة هذا بالإضافة إلى التجديد ونقل تجربة المهرجان إلى المباني التعليمية والساحات وتقريب المسرح من الجمهور والأهالي . كل هذه خطوات يشاد بها وتشكر لكل الساعيين لايجاد بوارق نجاحات تتمثل في وصول المسرح الوطني إلى أعلى مستوياته ومازلنا نسعى وحتى ولو بجهود ضئيلة وباجتهادات فردية او من مجموعات بسيطة إلى إيصال تلك الرسالة السامية التي نقودها إلى قلب كل موريتاني وعربي أينما كان وإعطاء صورة مشرفة يحتذى بها.
بقلمي : عالي ديدة