«حين يختنق صوت المدرّس تحت عباءة الإدارة»

جمعة, 31/10/2025 - 19:00

تستعد الساحة التربوية في موريتانيا ليوم السبت فاتح نوفمبر 2025 لإجراء انتخابات نقابية يفترض أن تكون مناسبة لترسيخ الديمقراطية النقابية داخل قطاع التهذيب الوطني. غير أن الواقع الذي يلاحظه النقابيون والمراقبون في الميدان يشي بخطر جدي على نزاهة العملية وحرية الاختيار النقابي. تشير تقارير عدة إلى أن الوزارة سخّرت جميع طواقمها الإدارية، من المديرين الجهويين والمفتشين إلى مديري المؤسسات التعليمية، لممارسة ضغط غير مباشر على المدرسين لتوجيه أصواتهم لصالح اتحاد UTM، النقابة التي يُنظر إليها على نطاق واسع كالحليف النقابي للدولة. هذه الممارسة لا تمثل مجرد تجاوز إداري، بل انتهاك صارخ للقوانين المنظمة للعمل النقابي وميثاق الوظيفة العمومية، إذ تتعلق بحرية المدرّس في اختيار التمثيل النقابي دون أي تدخل خارجي.

خطر هذا التدخل يتجاوز مسألة الانتخابات نفسها، إذ يضعف ثقة المدرسين في مؤسساتهم ونقاباتهم، ويؤسس لبيئة مرتبطة فيها الترقيات والتكليفات بالولاء الإداري والنقابي، ما يقوّض استقلالية المهنة التربوية ويؤخر أي إصلاح حقيقي للنظام التعليمي. وعليه، فإن الحقل التربوي بأسره معرض لخطر تقويض دوره كمجال للمعرفة والحفاظ على مهنية المدرّس، وهو ما قد يؤثر على أجيال كاملة من الطلاب ويؤخر مسيرة التعليم لعقود.

في مواجهة هذا المشهد، تقع على النقابيين والمدرسين مسؤولية تاريخية، ليس بالتصعيد الفوضوي، بل بالحراك المدروس والواعي الذي يضمن حماية حق المدرّس في الاختيار الحر. يتطلب الأمر توثيق التجاوزات وإطلاق حملات توعية داخل المؤسسات التعليمية وإصدار بيانات واضحة ترفض أي تدخل إداري في العملية النقابية، كما يجب التنسيق بين النقابات المستقلة لمراقبة سير الانتخابات ميدانيًا. وفي عصر الذاكرة الرقمية، يصبح إطلاق هاشتاغات قوية مثل #لا_لتسخير_الإدارة و#صوت_المدرس_حر و#أنقذوا_التعليم_الموريتاني خطوة أساسية لتوثيق هذا التدخل كحدث تاريخي ورقم رقمي يظل شاهداً على هذه المرحلة المفصلية.

الانتخابات النقابية القادمة ليست مجرد استحقاق إداري عابر، بل اختبار حقيقي لمدى احترام الدولة لقواعد الديمقراطية وحماية حقوق العاملين في التعليم. إن ترك الأمور على هذا النحو يعني السماح بتسييس العملية النقابية وتحويلها إلى أداة لتوجيه الإرادة، ما يخلق فجوة خطيرة بين المدرّس ومؤسسته، ويضعف استقلالية الحقل التربوي. أما إذا تحركت النقابات والمدرسون بحزم ومسؤولية، فقد تستعيد العملية مصداقيتها، ويعود للمدرس دوره الطبيعي كفاعل حر داخل منظومة تعليمية مستقلة، لتظل الديمقراطية النقابية حاضنة للحق والكرامة في القطاع.

أحمد محمد جدو - 2025