
تشهد الساحة السياسية الموريتانية سجالاً متصاعداً حول ترشيحات مبكرة لخلافة الرئيس محمد ولد الغزواني، رغم أن الاستحقاق الرئاسي لا يزال بعيداً بأربع سنوات.
هذا الجدل دفع مدير الديوان الرئاسي، الوزير الناني ولد اشروقة، إلى الخروج عن صمته محذّراً مما وصفها بمحاولات التشويش وإرباك المشهد السياسي.
ففي تدوينة نشرها على حسابه في «فيسبوك»، وأثارت استغراباً واسعاً، اعتبر ولد اشروقة أن من يروّجون أسماء وزراء ومسؤولين كمرشحين محتملين، يسعون «إلى إرباك الرأي العام وشغله بنقاشات سابقة لأوانها». وأضاف «أن الهدف من ذلك هو صرف الانتباه عن الأمور الجوهرية وإضرار بما يتطلبه التنفيذ الناجع للبرنامج الرئاسي من سكينة وهدوء». وأكد الوزير مدير الديوان «أن هذه «الاستراتيجية محكوم عليها بالفشل»، مشدداً «على أن الوزراء لن ينشغلوا عن مهامهم الأساسية، وأن الحكومة باقية متماسكة ومتضامنة خلف الرئيس»، وماضية في تنفيذ برنامجه الانتخابي (طموحي للوطن)».
ودعا ولد اشروقة من وصفهم بـ»مؤلفي هذه المنشورات» إلى تحويل طاقاتهم نحو النقد البناء بدلاً من «زرع الفتنة والصيد في المياه العكرة».
ووصف ولد اشروقة «الرئيس الغزواني بأنه ضمان قوي للوحدة الوطنية وللتماسك الاجتماعي وتسارع وتيرة التقدم»، معتبراً «أن التزامه بخدمة الوطن «صارم وشامل، يوظّف فيه كل طاقاته ورؤيته الاستشرافية».
وفي السياق ذاته، اعتبر وزير الشؤون الخارجية، محمد سالم ولد مرزوك، أن «الحديث عن انتخابات تبعد أربع سنوات تشويش على العمل الجاد الذي يقوم به الرئيس».
وأوضح في تدوينة له ضمن هذا الجدل «أن المدة الفاصلة عن الانتخابات تعادل مأمورية كاملة في أكبر الديمقراطيات، ما يجعل النقاش حولها خارج السياق الزمني للمرحلة».
وأشار الوزير «إلى أن الرئيس حقق معظم التزاماته الانتخابية رغم التحديات العالمية، مثل جائحة كورونا وأزمة الغذاء الناتجة عن حرب أوكرانيا».
وشدد الوزيرة «على أن وتيرة الإنجازات تتسارع في البنى التحتية والقطاعات الخدمية كالصحة والتعليم، داعياً إلى تركيز النقاش على الأولويات التنموية».
وفي قراءة إعلامية لهذا الجدل الذي شارك فيه مسؤولون كبار في الدولة، اعتبر الإعلامي والمحلل السياسي محمد محمود بكار «أن تدوينة ولد اشروقة تمثل في جوهرها «رسالة مباشرة من الرئيس إلى الرأي العام»، يؤكد فيها «أنه لا يقف وراء أي ترشيح مبكر، حتى لو كان بعض المروّج لهم من المقربين».
ويرى ولد بكار «أن الغزواني اختار تمرير الرسالة علناً عبر مدير ديوانه، لتكون بمثابة تحذير واضح لمن يحاول استغلال الوضع لصالحه». وأشار ولد بكار «إلى أن الكتابة حملت مظهراً من الغضب المبطّن لدى الرئيس»، وأنها «قد تمهّد لإجراءات صارمة إذا استمر الجدل، خصوصاً أن الترويج لترشيحات من داخل الحكومة يوحي بضعف سيطرة الرئيس على فريقه ويضرّ بهيبته». وعن البعد الاجتماعي، أكد الكاتب الباحث إسلمو ولد أحمد سالم «أن تداول أسماء من شريحة الحراطين كمرشحين محتملين يحمل أبعاداً رمزية تتجاوز الحسابات السياسية: فترشيح شخصية من هذه الشريحة، التي عانت تاريخياً من التهميش، قد يُشكل خطوة لتعزيز العدالة والمساواة وتوسيع المشاركة السياسية».
هذا وتتداول بعض الأوساط اسم وزير الخارجية محمد سالم ولد مرزوك، باعتباره شخصية سياسية ودبلوماسية بارزة تولت مناصب وزارية وإدارية متعددة، لكن هذا الطرح قد يواجه تحديات مرتبطة بالتركيبة القبلية والاجتماعية المعقدة للبلاد، رغم ما يحمله من فرصة لتعزيز الوحدة الوطنية واحتواء التوترات الداخلية». والحاصل أن الجدل الدائر حول الترشيحات المبكرة لخلافة الرئيس الغزواني يثير أسئلة حساسة عن توازنات السلطة داخل النظام الموريتاني ومستقبل الانتقال السياسي للبلاد في انتخابات عام 2029 البعيدة زمنياً والقريبة من حيث الانشغال السياسي بها لعدم وضوح من سيتولى الرئاسة بعد الغزواني. ففي حين يؤكد المقربون من الرئيس أن الوقت للعمل لا للحسابات الانتخابية، تكشف بعض التسريبات عن طموحات مبكرة تهدد بانقسام داخلي. وبين رسائل التحذير من الرئاسة، وقراءات المحللين، ومطالب العدالة الاجتماعية، يبقى المشهد مفتوحاً على احتمالات عديدة قد تحدد ملامح السنوات الأربع المقبلة.