الدبلوماسية الموريتانية ونسيان قيمنا الخاصة

أحد, 16/02/2025 - 22:17

الدبلوماسية الموريتانية ونسيان قيمنا الخاصة

في 15 فبراير 2025، خلال قمة الاتحاد الإفريقي في أديس أبابا، أعربت سفيرة موريتانيا في إثيوبيا، سعادة السيدة خديجة امبارك فال، عن فرحتها بالزغاريد في نهاية خطاب رئيس الجمهورية، الرئيس المنتهية ولايته للاتحاد الإفريقي، محمد الشيخ الغزواني، وهي تقليد متجذر في الثقافات الإفريقية والشرق أوسطية. ومع ذلك، فإن هذه اللفتة الطبيعية، التي تحمل في طياتها الحماس والعفوية، أثارت جدلًا في موريتانيا، حيث رأى البعض أنها تتعارض مع الأعراف الدبلوماسية. إن ردة الفعل هذه، التي تكاد تكون عبثية، تستحق أن تُحلَّل في ضوء التحديات الحقيقية التي تواجهها مجتمعاتنا.

الزغاريد هي تعبير عن الفرح موجود في العديد من الثقافات الإفريقية والعربية. فهي ليست خروجًا عن البروتوكول ولا إساءة إلى الدبلوماسية، بل هي تعبير صادق عن الحماس والفخر والوحدة. وفي هذه الحالة، جاءت في سياق تحتفي فيه إفريقيا بمستقبلها ووحدتها، وفي محفل يعزز أصالة الشعوب واحترام الثقافات.
 
استياء بعض الموريتانيين يُظهر مدى بقائنا أسرى لرؤية دبلوماسية مستنسخة من المعايير الغربية، والتي غالبًا ما تكون بعيدة عن واقعنا. ومع ذلك، لا ينبغي أن تكون الدبلوماسية مجرد تقليد للأعراف الغربية، بل يجب أن تكون تعبيرًا عن قيمنا الخاصة، متكيفة مع السياق الذي نعيش فيه. لا ينبغي لإفريقيا أن تعتذر عن كونها على طبيعتها، ناهيك عن التعبير عن فرحها في محافلها الخاصة. إن السفيرة، من خلال هذه اللفتة، لم تفعل سوى التعبير عن تمسكها بتقاليد قارتها، دون أن تخل بجديّة القمة أو أهميتها.

ما يثير الصدمة أكثر ليس ردود الفعل في وسائل التواصل الاجتماعي أو لدى بعض فئات الرأي العام تجاه هذا الحدث العابر، بل صمتهم المتواطئ أمام وقائع أكثر خطورة. فمجتمعنا، الذي يسرع إلى الاستنكار بسبب زغردة، يبقى متفرجًا أمام مظالم صارخة ومستمرة: الفساد، اختلاس الأموال العامة، إساءة استخدام السلطة، الجرائم الاقتصادية، وغيرها من الآفات التي تنخر بلدنا وتهدد مستقبله بسبب لا مبالاة نخبته، وإطاراته، بل وحتى مواطنيه المتشبثين بشكل أعمى بالدولة الريعية.

لماذا نرفع الصوت بهذه الحدة ضد تعبير ثقافي عابر، بينما تمر فضائح كبرى بصمت، أو الأسوأ، يتم التقليل من شأنها أو حتى تبريرها؟ لماذا لا تتحول هذه الغيرة إلى مطالبة حقيقية بمحاسبة نخبنا السياسية، ومؤسساتنا، ونظامنا القضائي؟

هذه الجدل يكشف عن داء أعمق: ميلنا إلى تفضيل المظهر على الجوهر. فالدبلوماسية القوية لا تُقاس بالتطبيق الصارم للأعراف الغربية، بل بقدرة الدولة على الدفاع عن مصالحها، والاعتزاز بهويتها، والظهور بموقف ثابت على الساحة الدولية. يتعين على موريتانيا، من خلال ممثليها، أن تجسد صوتًا فريدًا، وفيًا لجذورها الإفريقية والعربية، وليس نسخة باهتة مما ينتظره الغرب منا.

إن صيحة الفرح، التي اعتُبرت "حادثًا" عند البعض خلال قمة الاتحاد الإفريقي، ينبغي وضعها في سياقها الحقيقي. فالأمر ليس زلة دبلوماسية، بل تذكير بأن إفريقيا قارة متعددة الثقافات، وأن لكل دولة الحق في التعبير عن ثقافتها دون الخضوع لإملاءات بروتوكول صارم وغير ملائم لواقعنا.

بدلًا من تأجيج جدل عقيم، سيكون من الأجدى فتح نقاش حقيقي حول التحديات الحقيقية لدبلوماسيتنا، وحول كيفية تعزيز موقعنا على الساحة الدولية. الوقت ليس للتأنيب الذاتي بسبب زغردة، بل لتأكيد سيادة موريتانيا، المتجذرة في هويتها، والمتطلعة بثقة نحو المستقبل. يجب أن تُوجَّه مشاعر الغضب حيث تستحق: إلى محاربة الآفات الحقيقية التي تنخر مجتمعنا، وليس إلى أحداث تافهة لا تكشف في النهاية سوى عن عقدة نقص أمام نماذج مفروضة من الخارج.

 أبو مريم