كان العرق يتصبب من جبين عرفات أبكر وهي تتفادى اللكمات في ملعب مفتوح في درجة حرارة مرتفعة في صيف الخرطوم القائظ.
كانت الشابة البالغة من العمر 22 عاما ترتدي سروالا قصيرا يصل حتى الركبة وقميصا بكمين قصيرين في مشهد نادر في بلد يُحكم بقوانين الشريعة الإسلامية.
وقالت عرفات لرويترز وهي فخورة بنفسها من داخل ملعب مخصص للملاكمة بنادي النيل بجنوب الخرطوم “عندما أشارك في التدريبات يأتي مزيد من الجمهور للمشاهدة لأن ممارسة النساء للملاكمة شيء جديد وغير مألوف في السودان.”
وخارج الملعب ترتدي عرفات خمارا وملابس فضفاضة تغطي كل جسدها.
وداخل حلبة الملاكمة يعرضها شعرها المكشوف وعضلاتها المفتولة للانتقادات وأحيانا للسخرية. لكن عرفات مستعدة لدفع هذا الثمن.
وقالت “معظم الناس يسخرون من ممارسة البنات للملاكمة ويعتبرونها تتنافى مع الأنوثة. هذا خطأ. الأنوثة في القلب ولا أظن أن هذه الرياضة ستمنعني من الزواج.”
وأضافت “حتى الآن لم نجد أي اعتراض من أي جهة حكومية أو غيرها.”
ولا تؤيد أغلب العائلات ممارسة بناتهن للملاكمة وقالت فتاة أخرى بالنادي إنه تمارس الملاكمة بدون علم أسرتها لأنهم يعترضون ويعتبرونها رياضة خاصة بالرجال.
ولم يكن أحد يسمع عن الملاكمة النسائية في السودان حتى أربع سنوات مضت عندما بدأت سحر محمد ممارسة اللعبة. ومثلت سحر بلادها في دورة الألعاب الأفريقية التي استضافتها الكونجو العام الماضي وهزمتها الكاميرونية يانيك أزانج بالنقاط في فئة الوزن المتوسط.
ومنذ ذلك الحين يشجع الاتحاد السوداني للملاكمة للهواة النساء على ممارسة اللعبة برغم التحديات الاجتماعية.
وقالت سحر لرويترز أثناء أداءها للتدريب بمركز شباب حكومي في الخرطوم “قبل أربع سنوات كنت أول فتاة سودانية أمارس الملاكمة وواجهت ضغوطا كبيرة من الأسرة والناس ولكنني سأواصل لأنها حلم حياتي.”
وبالقرب منها كانت تؤدي فتاتان تدريبات عنيفة مع رجال. ورغم أنهما كانتا ترتديان قفازات ملاكمة مهترئة لكن كانتا تلعبان بحماس كبير وتصدران الصرخات أثناء تبادل اللكمات.
وكانت الأجواء في المركز الرياضي صاخبة في وجود شبان يمارسون رياضات مختلفة بدءا من رياضات الدفاع عن النفس وحتى كرة القدم.
وقال محمد يوسف مدرب الفريق الوطني السوداني للملاكمة لرويترز “مشاركة المرأة ظاهرة جديدة وسببها انتشار مشاهدة القنوات الفضائية والإنترنت (مما) أبرز ثقافة جديدة وجرأة دفعت الفتيات لأول مرة في السنوات القليلة الماضية لارتياد حلبات الملاكمة.”
وأضاف “هناك إقبال من البنات صغيرات السن لممارسة الرياضة لاكتساب مهارات حماية النفس أو للرشاقة ولكن معظمهن يهربن بعد فترة قصيرة لأنها رياضة شاقة. اتحاد الملاكمة السوداني طلب منى إعطاء اهتمام إضافي للفتيات لتشجيعهن للاستمرار في الرياضة.”
ويقول علي الأقرع (78 عاما) وهو رائد رياضة الملاكمة في السودان وأول من فتح الباب لمشاركة المرأة إن عدم توفر الإمكانيات المالية أكبر معوق أمام استمرار الفتيات في الملاكمة.
وقال “البنات عندهن رغبة في لعبة الملاكمة ولكن لا توجد أي جهة تقدم العون. نجد صعوبة بالغة حتى في توفير معدات التدريب. استمرار هذه الأوضاع ستنهى الملاكمة النسوية في السودان.”
وكانت عرفات أبكر بطلة رياضة حمل الأثقال النسائية في السودان ومثلت بلدها في عدة بطولات أفريقية قبل أن تهجر تلك الرياضة وتبدأ ممارسة الملاكمة العام الماضي.
وهي واحدة من أربع فتيات يشكلن فريق الملاكمة النسائية في نادي النيل حيث تتدرب ثلاثة مرات في الأسبوع.
وقالت عرفات “ما دفعني لممارسة الملاكمة هو مشاهدتي للبطلة الأمريكية ليلى محمد على كلاي. هي قدوتي.” وكانت تشير إلى ابنة أسطورة الملاكمة محمد علي كلاي.
وأضافت “أنا أتدرب ليلا ونهارا وصورتها في ذهني. أتمنى أن أصبح بطلة عالمية مثلها.” (رويترز)