غداً الخميس ستتنفس موريتانيا الصعداء بعد العنف الذي تلا الانتخابات الرئاسية، لتدخل في ولاية رئاسية جديدة من خمس سنوات؛ حيث من المقرر أن ينصب الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني رئيساً لولاية ثانية تعهد هو نفسه خلال حملة الانتخابات الرئاسية الأخيرة، بأنها ستكون «ولاية الشباب».
ورغم ما أثاره حراك رفض نتائج الانتخابات الأخيرة من لغط حولها، فقد ابتلعها بأشواكها كما يقال، خمسة من أصل سبعة نافسوا الرئيس الغزواني الذي فاز فيها بـ 56.12 من أصوات الناخبين؛ وتدافعت حكومات الخارج لتقبلها، وأظهر الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة وفرنسا، أنه لا يريد إلا «شخص الرئيس الغزواني» فهو، حسب إجماعهم، «رجل المرحلة» بتجربته واعتداله، وهو الذي يجب أن يحكم موريتانيا نقطة الاستقرار الوحيدة المتحالفة مع الغرب في منطقة الساحل التي تمر باضطرابات وحروب، بعد أن طُرد الفرنسيون والأمريكيون منها، وأصبح الحضور الروسي فيها أمراً مشهوداً.
وفي هذه الأثناء، ينشغل ساسة موريتانيا ومدونوها مع اقتراب حفلة التنصيب التي سيحضرها صباح الخميس، عدد من الرؤساء وممثلون شخصيون لعدد آخر، بأداء الرئيس الغزواني خلال الولاية البادئة فاتح آب/ أغسطس المقبل، والتي يعتبرها المعارضون ولاية حساسة لمجيئها «بعد ولاية ضعيفة» حسب تقييمهم؛ ولأنها ستفضي عام 2029، لحكم رئيس آخر لم تتحدد بعد ملامحه.
وقد وجه العديد من كبار الساسة الموريتانيين رسائل صوتية ومكتوبة للرئيس الغزواني شحنوها بالنصائح والتحذيرات، وأكدوا فيها للرئيس الغزواني «أن أمامه خلال مأموريتيه الجديدة خيارين: إما الإصلاح والنجاة ودخول التاريخ من بابه الكبير، وإما الغرق إن استمر الوضع»؛ كما ركزوا على تحذيره من الاحتفاظ بما يسمونه «أباطرة الفساد ونهب المال العام الذين حكم بهم سلفه الرئيس الأسبق محمد ولد عبد العزيز، قبل أن يحتفظ هو بهم طيلة ولايته الماضية».
يقول المدون الشهير الذي يتابع الجميع تحليلاته والمتخفي وراء اسم «لَخْبَارْ تبقى في الدار» في تدوينة مطولة «يجب على الرئيس غزواني أن يطرح على نفسه سؤالاً في اللحظة التي يستعد فيها لأداء اليمين لولاية ثانية، والتي أُطلق عليها «ولاية الشباب»؛ وهذا السؤال هو: أي حكومة يجب أن يشكلها للوفاء بهذا الالتزام؟ هل سيُنشئ خدمة وطنية للشباب فقط، والتي ستكون في النهاية مثل المؤسسات العامة التي سبقتها؟ أم إنه سيُنشئ مندوبية مكلفة بالشباب وسياسة الحكومة في هذا المجال، مثل وكالة «تآزر» التي دائماً ما كانت تُدار من قبل كبار السن غير النزيهين المتخصصين في اختلاس ممتلكات الأمة؟ وهل سيكون هناك على الأقل شيء جديد؟ هل يجب على غزواني إقالة جميع كبار السن لإرضاء وجذب الشباب؟ هل يجب على رئيس الوزراء القديم بلال أن يتنحى لأنه يتحمل مسؤولية جميع السياسات السيئة التي أدت إلى بؤس ونزوح الشباب بشكل كبير بحثاً عن الرفاهية؟».
وقال: «في مقر حزب الإنصاف الحاكم، لا يُتحدث إلا عن كبار السن لرئاسة الحكومة مثل سيدي محمد ولد بوبكر، مولاي الأغظف، كما لو أن الجمهورية لا تضم سوى الحرس القديم أو أولئك الذين خدموا بشكل سيئ».
وأضاف: «الساعة الآن للمفاوضات، وفي هذه المناورات، لا يُذكر أبداً اسم شاب تكنوقراطي لرئاسة الحكومة، ببساطة لأن الشباب ليسوا جزءاً من الزبائن السياسيين للنظام العسكري الحاكم، لكن لحسن الحظ أن قلوب الجنرالات تميل نحو الشباب، لأن كل جنرال يسعى حالياً لتأمين مستقبل ابنه بشكل جيد، لإدارة فيلاهاته بعد التقاعد الحتمي.. لننتظر ونرى».
أما الإعلامي والمدون المعارض الداه يعقوب فقد كتب يقول: «لا معنى إطلاقاً أن يقرر الرئيس الغزواني تسليم رئاسة الحكومة أو حقائبها المحورية أو إدارة الديوان لأحد الجناحين المتصارعين حالياً في السلطة، لأن ذلك سيعني استمرار حرب أهلية بين المخازنية لا علاقة لها بهموم المواطن ولا مصالح البلد، فالجناح الذي سيعين، سيقع تحت نيران الجناح الآخر وهكذا..».
وتساءل الداه يعقوب عما إذا كان الغزواني سيعين سيدة لقيادة الحكومة مثل وزيرة التشغيل الحالية ومديرة حملة النساء زينب احمدناه التي ستكون، إذا هي تولت رئاسة الحكومة، ثاني تجربة في المغرب العربي بعد نجلاء بودن في تونس».
وانشغل الكاتب والباحث الأكاديمي البارز أبو العباس أبرهام بالحديث عن مكامن ضعف الرئيس؛ وقدم سلسلة معايير لتحديد «الرئيس الضعيف» بينها أن الرئيس الضعيف لا يمتلك قوّة الإنجاز التي هي القوّة الأساسية في السياسة؛ وأنه لا يُسيطِر على المشهد السياسي، وأنه لا يحكم بالحوار مع الجمهور؛ وأن الرئيس الضعيف يكون معزولاً، لأن الرئاسة ليست وظيفة مكتبية أو دبلوماسية، بل هي علاقات ديناميكية وميدانية وممارسة خطابية وتنفيذية؛ ومنها أن الرئيس الضعيف لا يفهم أو يتفاعل مع الرهانات والتحديات، ولا يبدو أنّ في سياساته استجابةً للتحديات إلاّ ما كان منها أمنياً أو غير قابل للتجاهل؛ ومنها أن الرئيس الضعيف لا يقدِر على لجم الفساد لأنّ الفساد هو طريقته الوحيدة في المكافأة السياسية والحفاظ على الشعبية، ومنها أن الرئيس الضعيف مقيّد بالخيمة الكبيرة والمجتمع التقليدي والنزوات وكثرة العلاقات».
وقال: «ليس الضعف في الساسة حالة معيارية؛ فالرؤساء يقوون ويضعفون خلال مسيراتهم، فاردوغان كان قوياً، واليوم هو مقصوص الريش، وقل نفس الشيء عن الأسد، الذي هو الآن من ملوك الطوائف؛ فعندما يضعف الرئيس في فرنسا فإنّ ذلك يكون «تعايشاً»؛ وفي أميركا يُصبِح «بطة عرجاء».
أما السياسي الموريتاني محمد المنير، فقد أظهر الكثير من التشاؤم واليأس من حدوث التغيير المنشود في موريتانيا.
فقد علق على ولاية الرئيس الغزواني الثانية، قائلاً: «التناوب ولسوء الحظ، لم يحِنْ بعد: فتَدَخُّلُ الوجهاء واستغلال المال السياسي، إلى جانب تأثير «الدولة العميقة» فضلاً عن شبهات التزوير، وتدني مستوى الوعي لدى المواطنين، خاصة في المناطق الريفية، كلها عوامل أجهضت آمال التغيير عن طريق صناديق الاقتراع».
وقال «إن انتصار المعسكر المتشبث باستمرار الوضع القائم مخيب للآمال، خاصة لكل من كان يتوهم بأن موريتانيا في طريقها للتغيير».
وتساءل قائلاً: «هل ستنجح إعادة انتخاب المرشح محمد ولد الشيخ الغزواني في دحض التنبؤات السلبية، بقدرته على مواجهة التحديات المتعددة، خاصة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والمتعلقة بالحكامة؟؛ مضيفاً قوله: «إن أي إصلاح، في ظل الاستقطاب الحالي، يجب أن يبدأ من خلال استكشاف إمكانية إطلاق حوار شامل، وإيجاد حل لانسداد الأفق الذي تعرفة الحياة السياسية، نظراً لغياب التوافق على قواعد اللعبة الديمقراطية، الذي هو سبب حدوث الأزمة الراهنة».
«القدس العربي»: