بادئ ذي بدْءٍ، أكرّرُ موقفي المطالب بإعادة التصويت بشأن انتخابات 13 مايو، وأهنئ كافة منتسبي تيارات المعارضة -وبعض تيارات الأغلبية- على اصطفافهم في خط إلغاء هذا الاقتراع بالنظر إلى الحجم، غير المسبوق، للتزوير والخروقات. كما أشكرهم على مساندتهم لي، في العلن وبحزم، خلال اعتقالي. فبخطوة مشتركة، أدركوا مدى اتساع نطاق تزييف حكم صناديق الاقتراع، وشخّصوا العرقلة العنيفة للطموح إلى منافسة تدور رحاها في الشفافية والسلم. إن اتجاه نظام ولد غزواني الي تحامل من هذا القبيل يشكل تحريضا على "العنف المخلِّص". وعليه، فإن التزامنا لا يتغير ضد فرض النتائج المغشوشة.
لقد رنّت ساعة الاستبطان النقدي بُعَيْدَ التلاعب بالاقتراع العام ليوميْ 13 و27 مايو 2023، وهو الحدث الذي انْجَلَى، بالنسبة لنا، عما يحاول النظام الغاش تسويقه ك "هزيمة مريرة" رغم تعبئة الموريتانيين لصالح التغيير باعتباره المحطة الأولى نحو القطيعة المنقِذة.
وفضلا عن إفلاس اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، وبالرغم من عرج وسائل الحملة المائل إلى جانب حزب-الدولة (المجسَّم الرمزي للحزب الجمهوري الديمقراطي والاجتماعي وتوابعه في المنظومة المحافظة)، فإن المعارضة، رغم شرعية أداء دورها في الشجب، لم يعد بإمكانها إعفاء نفسها من النقد الذاتي إذا كانت تنوي إعلاء مهمتها والقيام بها. ففي تنوع مكوناتها، وبتخلصها من الأنا العَرَضي، ومن الفرقة القائمة على المشاحنات الإعلامية والشجار من أجل الأسبقية العامل، دهرًا، على تقويض مسارها، لا يمكنها، حاليا، أن تفلت من حتمية إعادة التأسيس على دعامة من الثقة، والتضامن، والتجديد، والاستعداد الثابت الخالي من العُقَد، ومن ثم إعادة تقييم مستقبلها.
إن عادة الاستنكار بالكلمات، والبيانات الصحفية، وسطوة البلاغة المسموعة-والمرئية، والكسل المتراكم، والصحوة الموسمية بمناسبة الاقتراع العام، أمور تكرّس فشل الأساليب التي أصبحت، من الآن فصاعدا، في نفور، زمني، مع حجم المهمة. وفي وجه الوثبة القبلية، وأمام غطرسة أوليغارشيا الأوقاف النفعية والافتراس والافلات الخشن من العقوبة، لابد أن نلتئم، معًا، في لحظة يطبعها التفكير وإعادة النظر. لم يعد الأمر يتعلق بمجرد خيار عقلاني، لكنه يتعلق بردة فعل نسعى من خلالها للبقاء. فمَنوط بنا أن نعيد ربط الصلة بالمجتمع المدني، ونعترف بمجتمع المدوّنين، ونتفق على توزيع المهام، ونجسد الأمل، ونهتدي إلى طريق الإقناع، وأخيرا نحجم عن العودة الدائمة إلى التلاعن الخطابي الذي تضيع فيه الأفعال في متاهة أنابيب العفوية والعالم الافتراضي.
في غياب الخطوة القوية الساعية إلى الاجتماع وتغذية اليقين بأننا قادرون على الانتصار من خلال أعدادنا، أو حتى أننا قادرون على إعادة التوازن الأساسي في موريتانيا، يتواصل تِيهُنا. وهكذا، واحدا تلو الآخر، وبفعل الحرمان والضجر والجوع والضعف، نصبح أبطالا في مسرحية حقيرة للدمى، لا تملُّ الطغمة العسكرية وسماسرتها من الضحك، ساخرين منها.
إن شِقاقنا يجعل الطغمة شحيمة، ويطيل حماسها على الاحتفاظ بالسلطة، ويزيد حجم الهوة بيننا مع الشعب، رغم أننا نمثل طليعته الأريبة. بيد أن العبقري الموريتاني يضم في جوانحه مصادر هائلة من القدرة على المقاومة والابتكار والتفاؤل.
إنني أدعو مواطنيّ إلى إعادة النظر والاستثمار في العديد من المُقَدّرات المثمرة وتملّكها وتجميعها والعثور مجددا على درب النجاح من خلال الجدارة التي تعدّ إفادة على ما ينشده العُدول من مساواة.
وبعد "عدم النجاح في صناديق الاقتراع"، وقبل مراكمة تقلباته المحتملة، أطلب من مواطنيّ دعم مشروع جلسات إعادة تأسيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية التي أدعو إليها أصحاب النوايا الطيبة الذين ما تزال كرامتهم وعزيمتهم تعيشان وتزدهران بمنأى عن نظام الركاكة حيث نقطة السقوط الحتمي للزعامات الآئلة إلى الاضمحلال السلالي. وإني لألتزم بالقيام بعملية الشرح لدى الأحزاب والروابط وأصحاب المهن والمنتخبين الذين يتقاسمون واجب إلغاء الخنوع، ويطمحون إلى القضاء على سخافة انتظار الخلاص القادم من اْلمَاوَرَائيات. وبكل تواضع واستعداد، أقدم مبادرتي لمعسكري الذي أعني به المواطنين المتحررين من الميْل العرقي، والمناهضين للدولة-الحانوت، والمصرين على الحياة والموت دون الانحناء أبدا ودون قبول التضحية بهم باسم الأمر الواقع.
النائب بيرام الداه اعبيد و مرشح لرئاسيات 2024
نواكشوط بتاريخ 30 مايو 2023