كلنا يذكر شعار التلفزة الموريتانية الرسمية القديم، والذي لم يكن شيئا آخر غير الشعار الوطني للدولة الموريتانية..ولطالما نظر اليه المشاهد الموريتاني وملؤه شعور ليس ملؤه الرضى.
لكن الموريتاني كان قد اعتاد على أن يرى حوله ما لا يرضيه، حتى صارت درجة الرضى ليست بمطلب قريب المنال. بل حتى أنه اضطر أحيانا الى تعديل سلمه المعياري لتحتل تلك الدرجة مرتبة أدنى من موقعها الأصلي.
اعتاد المواطن هذه الطريقة لأسباب متعددة، لست بصدد بسطها هنا، لكن المسئولين كانوا أكثر من لجأ اليها، ويمكن القول إن أساليب التفنن في تبرير أسباب المشاكل لإقناع بالمواطن للرضى للموجود هي من أهم ما يدفعهم إلى ذلك.
كان ذلك بداية فترة العطلة الصيفية، وبعد الجهود الدراسية المضنية..جلست اقلب النظر بين القنوات الوطنية الجديدة في حينها، شكلا ومضمونا، ولا أخفيكم شعوري بالشفقة في ذلك الوقت على حال التلفزة الرسمية الأولى والثانية، شكلا ومضمونا.
لم أقف طويلا عند محاولة الإجابة على التساؤل الطبيعي هنا، عن أسباب عدم التغيير الى “الأفضل”، فقمت بتصميم شعار على إحدى برمجيات الكمبيوتر، بحكم التخصص في الهندسة المعلوماتية، واستخرجت منه عدة نسخ، ثم أرسلته الى التلفزة الوطنية .
تأكد لي أن النسخة الورقية التي ضمنتها عدة صور لأشكال مختلفة من الشعار، مع استحداث اسم جديد هو “الموريتانية”، قد وصلت إلى داخل مبنى التلفزيون، وكتبت في أسفلها إسمي ورقم الهاتف. بعد شهرين تقريبا تفاجأت بإعلان يتكرر على شاشة التلفزيون أن شعارا جديدا سيحل محل القديم للتلفزة.
توقعت قبل ذلك أن يتم الإتصال بي لتزويدهم بالنسخة الإلكترونية للشعار، في أقل صورة من صورالاعتراف لصاحب العمل. لكن ذلك هو ما لم يحدث البتة. وبعد أن تم اعتماد الشعار الجديد، طلبت مقابلة مديرة التلفزة، وتمت إحالتي إلى المدير المساعد للتلفزيون المختار ولد عبد الله.
هل هي من غرائب الصُّدف حقا؟
قابلته لأطلعه على النسخ الإلكترنية في جهاز الكمبيوتر لدي، لأبين له أن فكرة هذا الشعار بشكله الحالي كانت من عندي وأظهرت له تاريخ إنشائي لذلك الشعار بصوره المختلفة، لكنني تفاجأت بموقفه الرافض إجمالا لما قدمته، ورد علي بما مفاده أنني لم أتملك لنفسي الملكية الفكرية لما أنتجته، وأنهم في الإدارة ناقشوا قبل ذلك ضرورة تغيير الشعار، وأن فريقا من المهندسين قد أوكلت إليهم تلك المهمة، لتم اختيار هذا الشعار الحالي. وأن الأمر كونه مجرد صدفة. وأنني إن أدرتُ رفعتُ دعوة مقاضاة، أو كتبت في الإعلام بهذا الشأن.
هل بعد كل هذا التشابه بين ما قمت بتصميمه، وبعد إظهار تاريخ نشأته (14/11/2013) وتاريخ إرساله، يمكن حقا أن يكون الأمر مجرد مصادفة. كان هذا هو السؤال المناسب أمام موقف الرجل، وهو يؤكد لي أن ما حدث هنا هو فعلا مجرد صدفة عمياء. لكن إجابته جاءت في الوقت واللحظة، ففي مجال الملاحظة لا تنحاز الصدفة إلا إلى الذهن المستعد. عين المتحيز قد تبدي المصادفات العجيبة.
لن أقف كثيرا في هذه مسألة الصدفة المزعومة هنا، إلا لأقول مذكرا بما ندب إليه أحدهم قائلا: ” دائما، امتلك الخطة وكن مستعداً فلا شيء يحدث صدفة “. لعله ينفع في قادم المشاريع المرتقبة.. ولأذكر أن قول القائل قديما: رب صدفة خير من ألف ميعاد. ليس يصح التعويل عليه، ولو كان شيئ منه ربما هو ما حدث فعلا.. ولكن الجرة لا تسلم كل مرة، والتكرار ينفي احتمالية الصدفة و ينسفه نسفا.
لم يكن للأمر كبير أهمية لدي أريد منه عوضا، أو أسعى لتحصيل ملكية فكرية له، حيث لم يكن وراءه سوى ذلك الشعور بالغيرة المشوب بالشفقة على حال واجهة وطنية أمام العالم، و تنبيها للمسئول على إمكانية التغيير إلى “الأفضل”..، فتناسيته وما أنسيته، رغم مشاغل الحياة، وارتأيت أن أدونه لمحفظة للتاريخ.
أعل الشيخ ولد بَلالْ
[email protected]