"كل الناس بتعرف إنه صبري عليه كان عشان ولادي، وأنا بدي ولادي بحضني والجاني يأخذ أقصى عقوبة".. كانت هذه العبارة الأكثر تكراراً على لسان الزوجة الأردنية "فاطمة أبوعكليك"، خلال مقابلة مع صحيفة "الغد" للحديث عن جريمة هزّت الأردن في الأيام السابقة، عندما قام زوج بفقء عيني زوجته، وتسبب بفقدانها للبصر بنسبة 100 في المائة.
عاشت سلسلة من العنف الأسري
والتقت الصحيفة الأردنية الزوجة "فاطمة" في قسم جراحة النساء في المدينة الطبية، تقول "فاطمة" إنها عاشت سلسلة طويلة من العنف الأسري على يد زوجها (ابن عمها) منذ بداية حياتهما الزوجية بمحافظة "جرش"، وتحديداً منذ حملها بطفلهما الأول، لكن "عاطفة الأمومة وخوفي على أولادي هما السبب في رجوعي إليه كل مرة.. عشان ما يعيش ولادي مثل اليتامى دون أم".
وتضيف "فاطمة": "حياتنا كلها كانت زعل ورضا، ودايماً السبب واحد: قلة الاحترام، السب والضرب.. في مرة رفعت عليه قضية شقاق ونزاع، لكن وقبل الجلسة الأولى وبسبب تدخل القرايب والوجهاء وعشان ولاد العم وعشان العيب أسقطت القضية".
قبل الحادث
في يوم الجمعة الذي سبق الحادثة، افتعل الزوج مشكلة مع زوجته، وبدأ بإلقاء وابل من الشتائم والسباب، تقول "فاطمة": "قلت له ما في شي يا ابن الحلال، ورحت أقرأ القرآن، قالي: احملي أغراضك وروحي عند أهلك، أخذني بالسيارة، وبس رحنا عند أهلي قال لأبوي: هذه بنتك لا بدي إياها ولا بدها إياني، خليها عندكم، وبدي آخذ ولادي".
غادر الزوج في ذلك اليوم منزل عمه (والد زوجته)، ليعود في المساء مطالباً بإرجاعها إلى منزلها، وعندما رفضت ووالدها، غادر وبرفقته أبناؤه الثلاثة (ولدان 11، و9 أعوام ورضيعة عامان ونصف العام)، وتوسلت الزوجة له أن يبقي الطفلة، لكنه رفض.
بعد يومين أعاد الزوج الرضيعة إلى والدتها، وبقي الولدان معه، تقول الأم: "في اليوم الذي سبق الحادثة، زارني ابني الأوسط بعد المدرسة، شعرت بحزن كبير، حسيت ولادي مثل اليتامى، قلت لأخوي: خلاص بدي أرجع للبيت، وأظل مع ولادي، أخوي أخبر أبوي الذي قال: اصبري الولاد رح يرجعولك بس إذا مصرة مثل ما بدك، وأمي كمان قالت لي اصبري".
أيقظني من النوم
عادت "فاطمة" مساء ذلك اليوم إلى منزلها بعد مصالحة مع الزوج، وفي اليوم التالي قامت بإعداد طعام الغداء لعائلتها كالمعتاد، وتابعت الواجبات المدرسية لأبنائها، كما أعدّت الأرجيلة لزوجها، وبعد خلودها للنوم في الغرفة مع الأطفال، أيقظها زوجها للحديث معها.
تقول "فاطمة": "فكرت بده يحكي معي عادي، لكن صار يعاتبني، وبعدها رفع السكين بوجهي ويغزني فيها، وبدأ بالصراخ وصار يقولي: إنت ما بدك إياني، وبتقولي قدام أهلك طفح الكيل، وبدك ترفعي قضية نفقة، ورجعتك عشان الولاد.. أنا رح أقتلك".
هربت "فاطمة" إلى غرفة حيث ينام أطفالها، وتبعها إلى هناك، وهددها إما بقتلها أمام أطفالها، أو قتل أطفالها أمامها لتموت كل يوم بحسرتها، فاختارت فاطمة أن يقتلها، لكن بعيداً عن أعين الأطفال، وغادرت معه إلى غرفة الضيوف، وفي الأثناء تمكنت من إقناعه بإعطاء السكين للابن الأكبر، وسط توسلات الأطفال بألا يقتل والدتهم.
فقأ عيني
وبعد ذلك أغلق الزوج باب الغرفة، وأخذ ملقط الفحم الخاص بالأرجيلة، فقامت "فاطمة" بانتزاع الملقط من يده ليقول لها بعد ذلك: "ما بدي أذبحك والله أعملك عاهة طول عمرك، وتموتي كل يوم بسبب عاهتك".
حاولت "فاطمة" حماية وجهها بتغطيته بيديها، لكنه أدخل إصبعه وفقأ عينها وتقول: "صرت أدافع عن نفسي بس الرضيعة الصغيرة التي أحملها كانت بيني وبينه، صرت أترجى فيه عشان بنتنا.. مش بتحب بنتك خلي لي عين وحدة أشوف الولاد فيها وأخدمهم فيها، قال لي: لأ، وبعدها أدخل إصبعه بعيني الثانية".
وتتابع "فاطمة": "حاول فتح فمي بأقصى حد. أراد قطع لساني. لكن بعدها ركض وهرب".
وتزيد: "لم أسمع صوته بعدها، دخل أبنائي عندي قلت لهم يا ماما مش شايفة مش شايفة، وكأنهم خافوا من منظري وفلوا، بعد هيك طلعت من البيت أتحسس الطريق وأنادي الجيران لحد ما فاقوا علي، وحكوا مع إخواني والدفاع المدني".
إلى المستشفى
نقلت العائلة ابنتها إلى مستشفى الأمير راشد العسكري في إربد، ومن هناك ولعدم وجود أخصائي العيون، تم نقلها إلى مستشفى الملك المؤسس عبدالله الجامعي في الرمثا، حيث تم اتخاذ إجراءات طبية لحين نقلها إلى مدينة الحسين الطبية بعمان، والتي تقيم بها منذ الخميس الماضي.
في مدينة الحسين خضعت "فاطمة" لعملية جراحية في كلتي عينيها، حيث تمكّن الأطباء من إبقاء إحدى العينين بشكل تجميلي، أما الأخرى فقد فُقِدت بشكل تام، ولتفقد "فاطمة" البصر بنسبة 100%، لكنها بدت في المستشفى قوية ومتماسكة، محاطة بوالدتها وشقيقتها وزوجة شقيقها، ورغم عرض إدارة المستشفى عليها نقلها إلى غرفة خاصة، لكن "فاطمة" رغبت في البقاء في قاعة تضمّها وست نساء أخريات؛ لأنها كما تقول: "بتونّس بالصوت وحركة الناس"، فيما تبدي المريضات والكادر الطبي والتمريضي تعاطفاً ودعماً كبيراً لـ"فاطمة"، وهو ما يسهم في دعم وضعها النفسي.
ما عمري شكيت
وفي ردِّها على سؤال عما إذا كانت تقدمت بأي شكوى سابقاً لإدارة حماية الأسرة عن زوجها تقول: "ما عمري شكيت، العيب والقرابة والعشيرة وكونه ابن عمي، كلها أسباب ما خلتني أشكي"، وتضيف: "كنت أقول شو بده يصير يعني أنا تعودت ع الضرب، معلش بتحمل عشان ولادي، بس اللي صار أكثر من ضرب، اللي صار إجرام".
أما شقيق "فاطمة"، فيؤكد موقف العائلة الداعم لشقيقته بعدم إسقاط الحق الشخصي، وضرورة عودة الأطفال إلى حضن والدتهم.
وكانت إدارة حماية الأسرة سلمت الأطفال إلى عمهم بعد الحادثة، إلا أنهم يقيمون الآن مع جدتهم لأبيهم في مدينة العقبة.
ثلاث رسائل
وفي نهاية حديثها، رغبت "فاطمة" بإيصال ثلاث رسائل، أولها أنها "لن تتنازل عن حقها بأي شكل من الأشكال؛ لإيقاع أشد العقوبات بحق الجاني، ومتمسكة بحقها باستعادة أطفالها إلى حضنها، ولن تقبل التنازل عنهم"، أما رسالة "فاطمة" الأخيرة فهي موجهة إلى النساء والمجتمع بشكل عام: "لا تقبلي العنف، ولا تتعايشي معه، ولا تقبلي الإساءة".
تغليظ العقوبة
أشارت الصحيفة إلى أن الجريمة التي عرفت بـ"جريمة جرش" سلطت الضوء على ضعف التبليغ في قضايا العنف الأسري بالأردن، مطالبة بتشديد العقوبات في الجرائم التي تقع في إطار الأسرة؛ إذ إن عقوبة جريمة التسبب بعاهة دائمة السجن لمدة تتراوح ما بين 3 و10 أعوام، بحسب قانون العقوبات الأردني.