
أسدل الستار مساء اليوم الأربعاء 18 اكتوبر 2017 على الملتقى الدولي حول التشريع و العبودية الذي انطلق في باماكو عاصمة دولة مالي. و كان المشاركون المنحدرين من أوساط البحث العلمي المرتبط بالإستعباد أو المنظمات الحقوقية الناشطة في مجال مناهضة الإسترقاق حول العالم، قد تداعوا من جميع القارات، وهو الثاني بعد ملتقى نيروبي أكتوبر 2014 . وقد حل رئيس شبكة إيرا في العالم بيرام الداه أعبيد، ضيف شرف على الملتقى الذي أشرفت على تنظيمه عدة جهات من ضمنها جامعة العلوم القانونية و السياسية في باماكو و جامعة سواس اللندنية و المعهد الفرنسي و هيئة المحامين في الولايات المتحدة الأمريكية. و تخللته عدة مداخلات و محاضرات و نقاشات، وكان موضوع مداخلة رئيس إيرا هو ( النضال السياسي لحركة ايرا ضد العبودية و التمييز في موريتانيا) يوم الثلاثاء 17 أكتوبر، حيث إفتتحت بها أشغال الندوة الصباحية، اللتي أستهلت بتقديم المحاضر للجمهور من طرف المشرفتين على الجلسة : جارا فاتوماتا توري من جامعة باماكو و الدكتورة ماري رودي من جامعة سواس البريطانية. فقدمتا نبذة عن حركة إيرا و نضالها و زعيمها و تأثير نضال الرجل و الحركة بالدفع بالعالم و هيئاته السياسية و الحقوقية و الجامعية إلى مزيد من الوعي بإستمرارالوجود المؤثر للعبودية في العالم و ضرورة دراستها و كفاحها، كما عرفتا عدة مفاهيم و مصطلحات و مفردات منسوبة في الأصل لمبادرة انبعاث الحركة الإنعتاقية رئيسها خلال الخطابات و البيانات و التشخيص الصادر من ااحركة و رئيسها والتي أصبحت الآن متداولة في القاموس البحوث العلمية و المفاهيم الحقوقية المتداولة عالميا. و ذكرتا - في سياق تمهيدهما - أن التجربة النضالية الإيراوية ضد العبودية و التمييز في موريتانيا رائدة و فريدة من نوعها. و أ ستهل بيرام الداه أعبيد محاضرته بالتذكير أن المحيط الإفريقي بمجتمعاته و نخبه و حكامه يتعايش بصفة عضوية مع عقلية الاستعباد المترسخة ، ورغم عنفها المادي و المعنوي و مروقها عن تعاليم الديانتين السماويتين الأكثر اعتناقا في القارة السمراء، فإن السائد هو تكريس العبودية بصفة متفاوتة بأشكال من التمييز ترقى في بعض الأ حيان إلى شكل الإستعباد في القرون الغابرة( حالة موريتانيا و النيجر و مالي...) وإلى إسغلال ذراري الأقارب الفقراء( ساحل العاج، التوغو، بوركينافاسو...) أو أشكال الإزدراء و التمييز المبطن رغم انه ملموس و يتجلى في الإقصاء من الوظائف و الأدوار المحلية المجتمعية العامة كشغل منصب وجيه الحي أو إمامة المسجد أو منتخب الدائرة ( غينيا، نيجيريا ، الكامرون...) كما أورد تصنيفات أخرى لرواسب الإستعباد لازالت تخيم على مجالات عدة من العلاقات الإجتماعية في الوسط الإفريقي. و عن تجربة نضال حركة إيرا قال بيرام الداه اعبيد إنه يرتكز على مبادئ عدة ذكر منها أولا : شمولية الانتساب فالانتساب لحركة إيرا لا يشترط فيه لون بشرة أو أصل عرقي أو إنحدار إجتماعي أو إعتناق ديني، فالشرط الوحيد هو الإنخراط و الإنسجام في المنظمة. ثانيا : الوقوف مع كل مظلوم و صاحب حق بغض النظر عن لونه أو عرقه أو مجتمعه و دينه بدون أي مقابل. ثالثا : مراعاة السلمية التامة و رفض العنف في كل ظرف. رابعا: التشبث والإ متثال التام بالشرعتين الدولية و الوطنية ،إذ أنه لامجال لإحتمال أو تبرير أنتهاك القانون الوطني و الدولي بذريعة مناهضة الإسترقاق والدفاع عن حقوق البشر. خامسا : الإستعداد للتضحية بالتمسك بالقانون و الحقوق المكتسبة و المكفولة رغم الابتلاءات و التنكيل و احتساب النصر عند الله جل وعلى. وفي ما يخص نهج النضال فقد أكد المحاضر إن خطاب أيرا التشخيصي للنوازل الحقوقية و الظواهر العامة المرتبطة بالحقوق ينتهج الوضوح و البعد عن المجاملة و الحسابات الضيقة، وبلغة وتصرفات هي في متناول عامة الناس؛ و من المنهجية المتبعة من طرف الحركة حتى الآن مثلا : تكليف الجماهير العريضة بالتحرك في سبيل القضية بدءا بالمنازلة ميدانيا فالمسيرات و الاحتجاجات و الوقفات و الإعتصامات لمناصرة أو معاضدة تلك القضية ّأو ذاك الضحية ، تعتبر نموذجا أصيلا من المدرسة الإيراوية ومن خلالها ولج المستضعفون إلى صناعة الخطاب و حشروا في زاوية ضئيلة هامش قدرة النخب الإنتهازية على ضرب القضية و بيعها . كما أن منهج اتخاذ المحاكم و السجون التي يقتاد إليها بصفة متكررة و مزمنة - أعضاء إيرا - منابرا ذات صوت عال ووقع مؤثر على الرأي العام الإنساني وتحقيق أكبر نجاحات للمنظمة وقلب الطاولة على النظام الموريتاني المعادي للتيار الإنعتاقي. وزيادة على ما سبق فان توجه إيرا إلى فتح المواجهة مع النخب المحتكرة للدين و تفسيره و تأويله لصالح مآربهم الخبيثة ومن أجل تكريس الظلم و الإستعباد كان موفقا، لما نتج عن ما مضى من تلك المواجهات الخطيرة و المكلفة حول قداسة و أسلمة الظلم و الرق والإزدراء من تدمير تلك المعتقدات الكاذبة الخاطئة عند الجماهير المسترقة و المضطهدة ،ووعي عند النخبة المستنيرة من مجتمع المتغلبين بضرورة تنقية الفقه و تجديد الاجتهاد و التأويل. و إن من منهجية إيرا تدويل قضية الاستعباد و التمييز بدون تردد أو توقف،إضافة إلى جعلها من ضمن أولويات المجتمع الحقوقي الإقليمي والدولي، وإعطائها زخما كبيرا في الإعلام العالمي و هذا هو أنجع و أفضل رد على النظام الموريتاني الراعي للإستعباد ضد لحراطين و التمييز العنصري ضد الموريتانيين السود. ذالك النظام الذي سارع إلى حظر حركة إيرا و منعها من الإطار القانوني للعمل في البلاد، و من خلال هذا التدويل الذي هو في بدايته مناورة من الإلتفاف على الحظر الداخلي، تمكنت إيرا من الإشراف على تشكيل عدة منظمات نشطة في دول العالم كا الولايات المتحدة الأمريكية و فرنسا و إيطاليا وهولندا و بلجيكا و اسبانيا و غيرها ،ومن خلال هذه الهيئات ينشط عبر العالم ولصالح إيرا كفاءات من هذه الدول نساء و رجال جامعيين و أطباء و منتخبين و فنانين...من ما اوصل نفوذ إيرا إلى أعلى أهرام المنظمات و الهيئات الحقوقية الدولية الحكومية منها وغير الحكومية ، فجعل ذالك من إيرا أكثر المنظمات تكريما وأوسمة في غرب و شمال إفريقيا. وعدد المحاضر بيرام النضالات الخالدة و الفاصلة لحركة إيرا ومنها أول مسيرة جماهيرية ضد العبودية في موريتانيا نظمتها حركة إيرا يوم 13 دجمبر 2010 وأنتهت بقمع المتظاهرين وأعتقال بعضهم و تعذيبه و محاكمتهم والحكم عليهم بالسجن، لكنهم إتخذوا المحاكمة منبرا لنشر الفكر الإنعتاقي وإعطاء دفع جديد للنضال بالتضحية و منذ ذالك اليوم لم تتوقف المسيرات و الإحتجاجات ضد العبودية في موريتانيا. وتلى تلك الجولة المسيرة إلى مقبرة إينال المنظمة من طرف إيرا خلال شهر نوفمبر 2011 إينال حيث يرقد شهداء كثر من البولار و السونكي الموريتانيين تعرضوا لقتل جماعي قامت به الدولة الموريتانية ما بين 1986 و 1991 ضد نخبة الموريتانيين السود. ففتح طريق إينال الوعر للثكالى و الأرامل و الأيتام كان من مناهج و انجازات إيرا الخالدة. ثم ، الحرق الإختياري والعلني الرمزي سنة 2012 لنسخ من الكتب المعتمد عليها في موريتانيا من طرف مجرمي العبودية من اجل أسلمة و تقديس و شرعنة الممارسات الوحشية الاجرامية و الأثمة ضد المستضعفين المسلمين من عامري أرض موريتانيا و هم لحراطين؛ وكان هذا العمل بالنسبة لي كمسلم عمل برأتوسل به إلى ربي كي يتجاوز عني، إنه عمل يخدم الد ين الإسلامي الذي تدنسه هذه الممارسات الجاهلية المسطورة في الكتب المحروقة، كون هذه الممارسات المنسوبة زورا للإمام مالك بن أنس رضي الله عنه تضفي الشرعية على الفواحش و السفاح و ترخص للمسلم إحتقار أخيه المسلم و الدوس على كرامته و ماله وعرضه وإنها لتفرغ الإسلام من مضمونه الإنساني و المساواتي و التحرري ،كما تتجنى هذه الكتب على الرسالة المحمدية الطاهرة العطرة العالمية السمحة. وصولا إلى الترشح للإ نتخابات الرئاسية الموريتانية سنة 2014 وهو بداية لتكريس شرعية و فعلية ولوج التيار الإنعتاقي الموريتاني إلى أعلى هرم في سلطة البلاد عن طريق فرض مبدء أساسي في النظم الديمقراطية و في دولة القانون ،هوأن لكل مواطن صوت و من ذالك الوقت بدأ بفضل جهود إيرا العد التنازلي للديموقراطية الأريستوقراطية الفئوية أو بالوكالة، اللتي اأتهجتها موريتانيا حتى الآن بفرض الأبوية في الخيار السياسي و الانتماء الحزبي و التصويت على القومية الأكثر عددا و أطرا و - قومية لحراطين - بواسطة تمكين أريستوقراطيي الإقطاع السياسي ورموزمافيا الفساد من رقاب الناس حين تنصب الدولة هؤلاء كوسطاء يمثلون عقبة صلبة بين المواطنين من الدرجة الثالثة وأبسط حق لهم في المواطنة.