في جميع أطيافينا تقريبا، يفقد تعبير (الوحدة الوطنية) بريقه وجاذبيته بمجرد أن يتردد على ألسنة المسؤولين وفي أروقة الندوات والمحاضرات، وعلى شاشات الإعلام، بل ويغدو أثره في نفس المتلقي النبيه باعثاً على النفور والملل واستشعار الرتابة المقيتة! من يشغلون مواقع السلطة في الوطن يكاد التشابه في خطابهم الجماهيري يتطابق في أدقّ مفرداته، مثلما أنه يخلّف وقعاً مشابهاً لدى المستمع الذي يعي أن الكذب يغلّف كل ما يصله من شعارات ومطالبات. غير أن الزيف يبلغ مداه حين تكون إجراءات تلك السلطات تؤدي فقط إلى تمزيق المجتمع وطعنه في كرامته ومحاولة إبادة وعيه وإلزامه بتبني روايات الرسميين ومنظومتهم في الرؤية والحكم على الأمور، ومن جهة أخرى حين يكون مطلوباً من ضحايا القمع أن يُسقطوا حقوقهم وأن يقرّوا (بعدالة) كل انتهاك صدر بحقّهم، وأن يكفوا عن الشكوى والاعتراض والغضب، وأن يُفسّر نضالهم لأجل حقوقهم أو غضبهم من انتهاكها بأنه جالب للفتنة ومهدد للوحدة الوطنية! يتساوق كثيرون مع هذه النمطية المجحفة، ومنهم أكاديميون وكتاب وإعلاميون يُفترض أن يكون التزامهم بدورهم التنويري حاثّاً على رفض الانصياع لمنطق السلطة الحاكمة وما فيه من زيف وإجحاف واستغباء للناس. لكن مصالحهم أو خصوماتهم مع أصحاب المظلومية تأبى عليهم إلا التجنّد خلف الطرف القوي، ومباركة خطابه والنفخ فيه، والمساهمة في تعزيز حالة الضياع وميوعة الفهم، ومراكمة الأعداد التي تستسلم لمفردات التضليل البالية، وتغضّ الطرف عن مسببات الفتن وتهتك الوحدة، لتتفرغ لمحاكمة النتيجة والقدح في عناصرها، بتجريم ردّة فعلهم، أو على الأقل مساواتهم بأصحاب الفعل، والبقاء في دوامة النداءات المطلقة المطالبة بتجاوز الخلافات ورأب الصدع، دونما التفات لمسببات الأزمة أو عوامل إدامتها. في كل التجارب الإنسانية، سَهُل التعامل مع الفتن الحقيقية المفتعلة من عناصر أو مجموعات غير مرتبطة بالسلطة الحاكمة، لكن الفتن الأصعب التي تحدث شرخاً عميق الغور في المجتمعات يصعب ردمه هي تلك التي تفتعلها الأنظمة أو السلطات، وتُغذيها وتزيّن لها، أو تحاول طمس آثارها مركّزة على ما هو مطلوب من الضحية وحسب، لأنها بهذا تريد للضحية أن تكون أنموذجاً يعلّم بقية الجمهور المذلّة والصَّغار والتنازل إكراماً لمفردات (كبرى) يتم حشدها والتلاعب بمدلولاتها كالاستقرار والأمان والتوافق والمصالحة المجتمعية ونحو ذلك، وهي مفردات تبدو خلّابة لجمهور المشتغلين بالإعلام وموجّهيه الذين يعيدون صياغتها في قوالب شتّى تعزّز فقط من مواقف الأنظمة، وتُصلّب قوام خطابها، وتسوّغ أيضاً كل ممارساتها القمعية. بل قد يصبح القمع وانتهاك الحقوق والحرمات، والحجر على الضحايا من مقوّمات ذلك الاستقرار الموهوم الذي ينادي به ممتهنو النفاق السياسي والفكري. تراهن الأنظمة دائماً على عاطفية الجمهور واغتراره بالشعارات من جهة، وعلى قابلية الضحية للتسامح من جهة ثانية، خصوصاً حين تكون الضحية مستندة إلى بناء أخلاقي يُلزمها بنهج معارضة غير دموي. ولذلك نجد الأنظمة غير عابئة بتبعات ما تُقدم عليه من فعل ابتداءً مهما كانت وطأة إجرامه ثقيلة، لأنها ضمنت مسبقاً أن ردود الفعل لن تشابه إجراءاتها، وبالتالي لن تحمل تهديداً حقيقياً لها، ولأنها تعي أن استثمارها لاحقاً في خطاب استجلاب الأمن والاستقرار سيرغم شريحة مؤثرة من النخب الضالة على مساعدتها في إسكات الضحايا، بل وعدّ صراخها أو تألمها وتعبيرها عنه مدخلاً للفتنة ونافياً للاستقرار. لقد كانت مسيرة المنتدي اليوم وحزب التكتل وحزب إيناد وحركة ايرا رسالة معبرة وخالصة بضرورة الوحدة الوطنية فهي السبيل الوحيد لحماية الوطن ولمواجهة النظام الظالم " عاشت موريتانيا بكل طيفها وألوانها حرة أمنة تتمتع بالعدل والموساوات والنمو والإزدهار حفظ الله بلادنا الغالية "
أحمد الحضرامي نواكشوط29/10/2016