في طريقنا للمجهول
في صبيحة الثامن والعشرين من سبتمبر، وقبل آذان الفجر بدقائق في سجن دار النعيم، ونحن في زنزانتنا، إذ قدم عاينا رقيب من الحرس الوطني الموريتاني، وخاطبنا قائلا: "قد حانت لحظة مغادرتكم"، وكنا قبلها قد أبلغنا من طرف مسير السجن، أن المحكمة العليا قررت نقلنا الي ولاية تيرس الزمور، دون أن يحدد لنا بالضبط أي من سجونها ستكون مستقرنا الجديد، وكنت أنا ورفاقي متأكدين من أن نقلنا سيتم الي سجن بير امكرين.
وبعد الخبر اليقين بمغادرتنا سجن دار النعيم، بدأنا في توضيب أمتعتنا، والخروج من تلك الزنزانة القذرة، لكن هذه المرة سننطلق الي المجهول.
وما ان وصلنا الي البوابة الثانية قبل الخروج من ذالك السجن الذي لا أرجو أن يدخله أي إنسان، إذا بكتيبة من الحرس مقنعة، وتحمل أصفادا وبنادق ورشاشات علي هبة الاستعداد لاستلامنا، وكنا نخرج واحد واحدا، وكل من خرج يتم تفتيشه تفتيشا دقيق حتى كادوا يضغطون علي مثانتنا البولية من شدة لمس المناطق الحساسة.
بعد ذالك توضع في يد كل واحد منا الأصفاد ويقتادوه عنصران من الحرس، وثالث وراءهم حاملا سلاحه، كأنهم الي اكويتنامو بنا ذاهبون.
أخذونا في ست سيارات رباعية الدفع، أربع سيارات منها مدنية، واثنتان عسكريتان، وفي كل سيارة من السيارات المدنية ثلاث أفراد من الحرس مدججين بالسلاح، اما السيارتان العسكريتان، فإحداهما في الأمام ممتلئة بالجنود، والثانية في خلفنا كسابقتها.
أذكر جيدا حين قدم إلينا الرقيب وأعطي كل واحد منا نصف خبزة وعلبة حليب من فئة ١/٤، وطلب من الحرسي الذي معنا أن يسمح لنا بالتبول إذا أردنا ذالك، فرد عليه ، "أنا لم أبول جدتي ولذاك لن أبولهم".
وانطلقنا، وما إن أطلقنا حتى بدأت السماء تمطر، وظلت تمطر حتى خروجنا من حدود العاصمة نواكشوط، وكانت أولي وقفاتنا بعد تخطينا مدينة أكجوجة بعدة كيلومترات، وذالك من أجل صلاة الصبح.
ولكن قائد الكتيبة المرافق لنا أمتنع أن ينزع عنا الأصفاد، لكي نتبول ونصلي، وكان إذا أراد أحدنا التبول يذهب معه حرسيين، أحدهما يحل رباط سرواله ويخرج له ذكره لكي يتبول والثاني يراقب.
وواصلنا الطريق دون الصلاة حتى وصلنا الي مركز شوم الإداري، وكانت الساعة تشير الي الواحدة ظهرا، وكان الكل مرهقا، فأنزلونا في مدرسة شوم الابتدائية، وكانت الحراسة مشددة، فادخلونا في احد الأقسام مكبلين بالأصفاد -وكعادته قائدة الكتيبة رفض أن يزيلها عنا-، فبدؤا في إعداد وجبة الغداء علي جناح السرعة، وكانت وجبة من المكرونة والدجاج درجة حرارتها لا تطاق، وطلب منا أكلها علي جناح السرعة فطلبنا من جديد إزالة الأصفاد عنا فرفض.
حينها كانت ردت فعلنا، "إن لم تفعل فخذ هذا الطعام من هنا" فبدأ يصرخ "اوكلو ولا توكلو ذاك شي يعنيكم".
وعد مغادرته عاد ونزع الأصفاد، فقمنا الي الحمام وتهيئنا لصلاة الصبح والظهر معا وشربنا وأكلنا بعض تلك المكرونة وكانت سيئة جدا.
بعدها قال لنا "من قال لكم أنكم ذاهبون الي البير" -يعني بير امكرين- فواصل حديثه: "أنا بعد عندي أوامر بإيصالكم الي السجن المدني بازويرات فقط.
بعدها انطلقنا الي ازويرات، وكان قائد الكتيبة المرافق لنا قد حدد ساعة وصولنا الى ازويرات على تمام الخامسة عصرا، ولكن بعد دخولنا حدود المدينة، أنعطف الموكب جهة الجبال، وتوقف، وكانت طريق نواكشوط ازويرات من أصعب الطرق التي شهدتها في حياتي.
وبعد برهة من توقفنا إذا ببعض السائقين يستفسرون عن سبب توقفهم، فكان الجواب أن أنصار حركة ايرا يتظاهرون أمام سجن ازويرات، وبأن التعليمات الجديدة تقضي أن لا يدخل موكبنا المدينة الا بعد حلول الظلام، ويتم تفريق المتظاهرين، فلم ندخل الا بعد صلاة المغرب، وكان قائد المنطقة العسكرية في انتظارنا رفقة بعض من عناصره.
الآن وبعد مرور شهر علي عزلنا عن ذوينا أكتب إليكم بأن كل هذه المحن لن تزيدنا الا إصرار وثبات علي مبادئنا وكفاحنا ضد الظلم والاضطهاد بالطرق السلمية.
السجين 0558
عبدالله أبوجوب
من السجن المدني في زويرات