عاشت موريتانيا خلال الأسابيع الماضية علي وقع الحوار الشامل الذي احتضنته قاعات قصر المؤامرات وسط حضور العديد من المتملقين و خونة الوطن وبائعي الضمائر ممن ارتموا في أحضان نظام مفلس علي كل الأصعدة و قبلوا معه و في ظلام دامس المؤامرة البشعة التي أحاكتها أيادي خفية ضد مجتمع مسالم آن له الأوان أن يخرج من دوامة الانقلابات العسكرية التي تحاك ضده كل ما حاول النهوض و التطور، لقد أثبتت المعطيات الواردة من قصر المؤامرات أن الطريقة الروسية بلمسات موريتانية كانت هي الأقرب للمتحاورين و أنجع وسيلة لإنقاذ حكمهم وحاكمهم، فقد ضمن الجنرال عزيز و حاشيته الولوج نحو الجمهورية الثالثة من خلال الانقلاب البين علي إرادة الشعب و التلاعب به في مسرحية مفضوحة و مكشوفة وهي البقاء علي مادتين في الدستور تحددان سن الترشح و المأمورية الرئاسية، حيث أكد الجنرال خلال مداخلته وتحت خيمته التي امتلأت صخبا و ضجيجا و كأنك تحضر حفل زفاف تقليدي تعلوا فيه أصوات التمجيد و المدح الأعمى و تسيطر فيه لغة النفاق و التملق من طرف أشخاص مرضي نفسيا، أن ثلاثين ألف موريتاني معنيين بتحديد سن الترشح لرئاسة الجمهورية و أن وجود حالة مدنية بومترية دقيقة قد يحول دون تزوير البعض لتواريخ ميلاد تسمح لههم فيما بعد بالترشح لمنصب رئيس الجمهورية، و أن المادة المحددة لعدد المأموريات إن كانت تخدم شخصا فإنه أنا و أنه لا ينوي الترشح لمأمورية ثالثة، هكذا قال وعادة يقول ما لا يفعل لكن الإشكالية الأكبر و السيناريوا الذي يفرض نفسه أن الجنرال و حزبه ومخططيه ومن هم حوله في الدائرة الضيقة قد خططوا قبل الحوار لما ستكون عليه موريتانيا بعد مغادرته للحكم وهو أن أحد رجالاته المقربين و أركان حكمه الأوفياء سيقوم بضخه و تقديمه علي أنه مرشح باسم الحزب الحاكم وسوف توظف الدولة و الأعيان و المنافقين كل ما لديهم من قوة من أجل فوزه وتوليه مقاليد الحكم شريطة الإبقاء علي رجالات الرجل الذين يقودون الجيش،الدرك، الحرس و الأمن الوطني وكل المؤسسات الحيوية من أجل أن يبقي الرجل مقيدا ومحاصرا كما وقع لرئيس المطاح به سيدي ولد الشيخ ولد عبد الله ويحافظ الحاكم الجديد علي صفقات الجنرال و رجال أعماله و بعض الأوجه المحسوبة عليه، خصوصا أن الجنرال الخارج من قصره طواعية محترما بذلك إرادة شعبه قد ضمن قبل خروجه ورقتين رابحتين الأولي تولي رئيس البرلمان للحكم في حالة عجز مؤقت و في حالة عجز دائم يتولي رئيس المجلس الدستوري تسيير الأمور حتى تنظيم انتخابات رئاسية، وبهذا فإن قيادة هاتين المؤسستين المحوريتين سيكون لأشخاص أوفياء يعلنون البيعة كل صباح و لا يتصرفون إلا بتوجيهات محكمة و لا يعصون الأوامر و يقومون بمهامهم حسب أتفاق مسبق، و بحل مجلس الشيوخ يكون الجنرال قد ضمن إبعاد ابن عمه و أحد رجالاته وهو الشيخ محسن ولد الحاج الذي يبدوا أن خلافات بينه وبين الجنرال بدأت تطفوا علي السطح خصوصا بعد الانتخابات التشريعية و المحلية التي شهدها البلد وتعرض فيها الحزب الحاكم لضربة قوية من طرف حزب الوئام في مدينة روصو وفي عقر دار الشيخ محسن ولد الحاج الذي كان الجنرال يراهن عليه في روصو و في حل الشيوخ أيضا معجزة أخري وهي التخلص من السيناتور ولد غدة المشاكس و المعارض الحقيقي لنظام و المحسوب علي جناح رجل الأعمال محمد ولد بوعماتو الموجود في المغرب لتزداد لائحة أبناء عمومته المناوئين لحكمه بعد الرئيس أعل ولد محمد فال مع احتمال دخول الرئيس و القيادي في حزب التكتل أحمد ولد حمزة علي خط المواجهة مع مرشح الإتحاد من أجل الجمهورية في انتخابات 2019 حيث يعتبر الرجل الشخص الثاني الأكثر أهلية لدي التكتل لقيادة سفينة الترشح بعد الرئيس أحمد ولد داداه الذي يبدوا أن الحالة المدنية و الوثائق المؤمنة الورقة الرابحة للجنرال و أمربيه رب قد منعته من الترشح لمنافسة مرشح الجنرال ويعتبر أيضا الرجل من رجالات التنمية الأقوياء و يتوفر علي رصيد شبابي معتبر و قاد مجموعة أنوا كشوط الحضرية بكل مهنية و تجرد معروف بصراحته و ديمقراطيته و يرتبط بالعديد من العلاقات مع العديد من أصحاب النفوذ السياسي عبر العالم وله علاقات قوية مع أين عمه و صديق دربه محمد ولد بوعماتو وقد تجلي ذلك من خلال إعطائه مقرا دائما للجمعية لفراكوفنية الموريتانية التي يرأسها الرجل و الذي تعود ملكيته لرجل الأعمال محمد ولد بوعماتو مما يقوي فرضية تحالف الرجلين و قدرتهم علي بعثرت أوراق الجنرال في استحقاقات 2019 وحتى في الاستحقاقات النيابية و الجهوية التي ينوي الرجل تنظيمها مباشرة بعد الاستفتاء علي الدستور مع احتمال أن يشد الشيخ محسن ولد الحاج الرحال نحو مراكش بالمملكة المغربية مع احتمال دخول الرئيس السابق أعل محمد فال في تحالف علني مع الرجل ستفسح عنه الأيام القادمة، احتمالات و سيناريوهات كثيرة قد تخبرنا عنها الأيام القادمة وقد تقبل المعارضة الرافضة للحوار في أي وقت الدخول في الحوار شريطة النظر في سن الترشح مقابل فتح النقاش حول المادة المتعلقة بالمأموريات الرئاسية وهو احتمال وارد في أي لحظة وقد يكون هو الهدف و الورقة الأخيرة التي يلعب عليها الجنرال من أجل رمي وثيقة الحوار الشامل في سلة المهملات و فتح حوار جديد قد يكون هذه المرة تحت عنوان الحوار الكافي، في الصورة المقابلة كان التحالف الشعبي التقدمي و قائده الرئيس مسعود ولد بلخير أحد الأحزاب المعارضة الأكثر نشاطا ضمن ما بات يعرف بالحوار إلا أن رفض الجنرال لمنصب نائب الرئيس المقترح المحوري للحزب و غلق النقاش حول سن الترشح جعل الحزب وزعيمه يخرجون من الحوار غير مأسوف عليهم خصوصا أن التحالف الشعبي التقدمي تعرض للعديد من الضربات الموجعة في السنوات الأخيرة و كان أولها عندما استطاعت الدولة تفكيك الحزب و زرع الفتنة بداخله حين خرج النقابي الساموري ولد بي و الوزير و العمدة السابق لبلدية الميناء محمد ولد بربص عن صمتهم و أعلنوا جناح الأزمة في الحزب و أسسوا حزبا جديدا أطلقوا عليه حزب المستقبل بسبب ديكتاتورية مسعود ولد بلخير حسب المنشقين و تخليه عن حركة الحر و ارتمائه في أحضان النظام، علي أن يختلفوا فيما بعد و ينقسم المستقبل لمستقبلين مستقبل الساموري ولد بي المحسوب علي المعارضة الراديكالية الرافضة للحوار و مستقبل محمد ولد بربص الذي يوجد ضمن الداعمين الحقيقيين للحوار و المستميتين فيه ومن أجله، لينتهي المطاف بالرجلين في أروقة المحاكم بحثا عن قيادة مستقبل قد لا يكون في الأفق القريب، أما التكتل فحدث ولا حرج فمنذ تأسيسه يشهد وابل من الانشقاقات المدوية و التي يرافقها العديد من الصخب الإعلامي لكنها في النهاية لا تشكل خطرا كبيرا علي تماسك الحزب و تعاطيه مع الملفات الوطنية و إزعاجه لسلطة من خلال المناورات السياسية التي يقوم بها، اتحاد قوي التقدم حزب يساري لم تستطع المخابرات و الأحكام المتعاقبة علي البلد شق صفوفه ويعزوا البعض هذا إلي كونه حزبا فكريا و ليس حزبا مؤسس لأهداف آنية و توجهات شخصية، الإصلاحيين أو ما بات يعرف بالتجمع الوطني للإصلاح و التنمية حزب متذبذب ولا عهد له وقد أستطاع نقض العهد في العديد من الالتزامات التي أبرمها معه شركائه السياسيين و كثيرا ما شرع انتخابات و شارك في أخري ليضمن بقائه ضمن المشهد السياسي الوطني حتى أنه يعتبر أحد أكبر المناهضين للكيان الصهيوني وقبل الدخول في حكومة مطبعة مع دولة إسرائيل في عهد الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله.
و للتصدي لكل هذه الظروف و المعطيات و الخريطة السياسية المعقدة قد عمل الجنرال عزيز ومخططيه وخلال كل المراحل علي استحداث كلمة جديدة وهي تجديد الطبقة السياسية ومن هنا بدأ العديد من الشباب الناشطين ضمن هذه الأحزاب التفكير إما في تأسيس أحزاب جديدة أو الانخراط في الإتحاد من الجمهورية وهو ما وقع بالفعل وبدأت عملية الترحال السياسي تشهد فترة ازدهارها ومع ظهور الربيع العربي فرضت المعطيات الترخيص للعديد من الأحزاب السياسية الشبابية من أجل التصدي لموجة الغضب الشبابي مما نتج عنه فيما بعد العديد من الحركات السياسية في موريتانيا مثل لا للحصر حزب الحراك الشبابي، حزب الوحدة و التنمية.....الخ لتكون هذه الأحزاب فيما بعد الضامن الحقيقي لبقاء الجنرال و حكمه في مقاليد السلطة ليظهر فيما بعد حزب الكرامة ذو التوجه الغير معروف حزب الوئام الديمقراطي الاجتماعي الذي ينحدر من بقايا الحزب الجمهوري الديمقراطي و العديد من الأحزاب الأخرى التي لا تشكل ثقلا سياسيا معتبرا مثل تمام و الإتحاد من أجل التنمية و الوحدة ...الخ بالإضافة لأحزاب صغيرة تتحرك كلما كانت هناك ضرورة ملحة.
لم يتصور الجنرال ومخابراته أنه يوما سيكون في مواجهة مد حقوقي كبير وهو حركة انبعاث الحركة الإنعتاقية التي استطاعت في وقت وجيز إزعاج النظام و أجهزته الإستخباراتية و قد تمكنت هذه الحركة رغم تجربتها القصيرة و إمكانياتها المتواضعة و ظروف المصادرة و الملاحقة الموضوعة فيها أن تبعثر أوراق العبيد السابقين العاملين و المتعاملين مع النظام لتستر علي التجاوزات الحقوقية الخطيرة التي تعيشها طبقة المستعبدين علي يد الترسانة الإقطاعية التي تحكم البلد و تسيطر علي مفاصل السلطة، من هنا دخلت السلطات في المواجهة مع حركة إيرا ولم تكن أيضا الحركة تخاف من المواجهة فقد عاش قادتها ومناضليها وقع السجون و قضوا جل وقتهم في مخافر التحقيق و تعطروا بروائح مسيلات الدموع، دون أن يثنى ذلك الحركة عن فضح ممارسات النظام وقمعه في وقت تحصد فيه الحركة الجوائز و الأوسمة من أكبر الهيئات و المؤسسات الحقوقية العالمية، حيث ثارت حفيظة النظام ضد الحركة بعد حصول زعيمها علي الرتبة الثانية في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، مما بدأ يضع العديد من نقاط الاستفهام حول إمكانية كون الحركة قوة سياسية قد تغير من التعاطي مع العديد من القضايا المهمة في البلد، وهو ما وضع حدا لقادة لحراطين أو من يدعون أنهم قادة خصوصا بعد حصولهم علي مراتب متأخرة في الترتيب العام للانتخابات الرئاسية.
هذه المعطيات جعلت المخابرات الموريتانية بتعليمات دقيقة من القصر الرمادي تعمل علي ضخ أوجه شبابية و قياديين كبار في ما يعرف بحراك لحراطين ضمن مفاصل حركة انبعاث الحركة الإنعتاقية من أجل ضربها في العمق ومعرفة العديد من أسرارها ومحاولة التصدي لخططها و إستراتيجياتها وقد بدأ هذا المسلسل بسلسلة من الاستقالات الفردية و الجماعية لشباب محسوبين علي التيار الإنعتاقي و تعيين بعضهم في مناصب حكومية و دعم بعضهم ماديا و إسكات البعض الآخر، لينقشع الظلام فيما بعد عن انشقاق من العيار الثقيل في الحركة مقابل مزايا مادية و فرص اتضحت فيما بعد لتقوم المخابرات و بالتعاون مع بعض رجالات إيرا بالأمس بإعداد ملف محكم الفبركة من أجل الإيقاع بالجناح الزنجي في ما بات يعرف بملف كزرة ولد بوعماتو و إصدار أحكام قاسية علي المشمولين في هذا الملف، علي أن تتوجه هذه المرة بوصلة المؤامرة نحو حركة أفلام المشاكسة من أجل فتح الحوار معها عوضا عن حركة إيرا و قبول قراءة أحد زعمائها لوثيقة الزنجي المضطهد في جزئها المتعلق برؤية الحل خلال حفل انطلاقة الحوار الشامل بقصر المؤامرات بنواكشوط، وقد اتضح فيما بعد أن تلك المداخلة لم تشفع لزعماء الحركة بالتقرب من النظام خصوصا وسط مخاوف مطالبة الأخيرة بالانفصال و هو النقاش الحاد الذي شهدته بعض قاعات قصر المؤامرات ليكون الرابح الأخير في هذه المهزلة هو الجنرال عزيز و أركان حكمه وقد تستيقظون بعد انتخابات 2019 الرئاسية علي خبر يأتيكم من تلفزيون منت شيخن و إذاعة ولد حرمة الله ووكالة ولد بونه مفاده أن رئيس الجمهورية قدم استقالته من منصبه من أجل موريتانيا وشعبها أو آخر عاجز عن مواصلة مهامه ليعود الجنرال عزيز لحكمه وتعود أعويش لعادتها الأولي وتعيش موريتانيا المختطفة علي وقع الانقلابات الصامتة و المؤامرات المكشوفة لنخسر حقنا في النمو و الازدهار و العيش الكريم.
بقلم : حمين سيدي أمعيبس
كاتب صحفي_موريتاني