يحتفل الإريتريون، بـ”اليوبيل الفضي” لعيد الاستقلال عن إثيوبيا، الذي ناله الشعب الإريتري في 24 من مايو/أيار 1991؛ إثر كفاح طويل استمر لنحو ثلاثة عقود.
وبقدر ما كانت البندقية مهمة للشعب الإريتري في حسم كفاحه من أجل الاستقلال عن إثيوبيا الذي امتد بين عامي 1961و1991، كانت، في الوقت ذاته، الأداة التي دمرت علاقات هذه الدولة الأفريقية، التي تُعتبر حديثه نسبيا، مع دول الجوار، حسب اثنين من الدبلوماسيين الأفارقة السابقين.
وبينما انتقد الدبلوماسيان، أيضاً، الأوضاع الداخلية في إريتريا، وعدم بناء مؤسسات الدولة رغم مرور نحو ربع قرن على الاستقلال، اختلفا بشأن رؤيتهما لمستقبل هذا البلد؛ فبينما بدأ أحدهما متشائما بشأن إقدام النظام في أسمرا على اتخاذ إجراءات لإصلاح الأوضاع الداخلية، ولتحسين العلاقات مع دول الجوار، كان الأخر أكثر تفاؤلا، ولكل منهما مبرراته.
وبدأ الإريتريون كفاحا مسلحا ضد إثيوبيا في أيلول/سبتمبر 1961 بقيادة حامد إدريس عواتي، مؤسس “جيش التحرير الإريتري”؛ حتى تحقق الاستقلال في 24 أيار/مايو عام 1991، وأجرى الإريتريون استفتاءً في نيسان/ابريل عام 1993 تحت إشراف الأمم المتحدة أقروا فيه الاستقلال عن إثيوبيا.
السفير الإريتري السابق لدى السودان، عبدالله آدم، قال إن الاستقلال تحقق بتضحيات وجهود المواطنين الإريتريين، لكنه انتقد ما فعلته السلطات بالبلاد بعد مرور 25 عاما على هذا الاستقلال.
وموضحا سبب انتقاده، قال “كان من المفروض أن تُعطي السلطات الأولوية لبناء مؤسسات الدولة، ووضع خطط تنموية تلبي متطلبات المرحلة، لكن كل هذا لم يحدث”.
فالرئيس أسياس أفورقي، (70 عاماً)، هو الرئيس الوحيد لإريتريا؛ حيث يتولى المنصب منذ 24 مايو/أيار 1993، وهو، أيضا، رئيس الحكومة، ويهيمن على مؤسسة الجيش؛ إذ أن تبعية قادة المناطق العسكرية هي للرئيس مباشرة.
كما أن الدستور في إريتريا مجمد منذ إقراره في عام 1997، والمجلس الوطني (بمثابة برلمان) لم تُجرى انتخابات له منذ شباط/فبراير 1992، ويضم 104 أعضاء كلهم من الحزب الحاكم؛ “الجبهة الشعبية للديموقراطية والعدالة”.
ومواصلا انتقاداته، قال آدم إن الحكومة الإريترية بعد الاستقلال وظفت كل إمكانيتها للحروب؛ فبعد فترة قصيرة من الاستقلال دخلت في أزمة حادة مع السودان، وكانت هذه الأزمة (التي وصلت إلى حد قيام نظام أفورقي بقطع علاقاته مع السودان عام 1994 وإعلان العداء الصارخ، وفتح أراضيه لكل معارض لحكومة الإنقاذ، بحجة دعم السودان لحركة الجهاد الإسلامي الإريتري) واحدة من الإخفاقات الكبرى؛ حيث عطلت جهود التنمية”.
وأضاف “كما كانت الحرب مع إثيوبيا (بين عامي 1998 و2000) الأكثر دمارا رغم أنها غير مبررة، لا سيما أنها كانت بسبب خلافات حدودية (على مثلت بادمي) كان يمكن حلها عن طريق الحوار اعتمادا على العلاقة التي كانت تجمع بين الرئيس الإريتري (أفورقي) ورئيس الوزراء الإثيوبي (آنذاك) ملس زيناوي”.
وأودت الحرب الإرتيرية الإثيوبية بحياة الآلاف من المدنيين من الجانبين، وفي نهاية المطاف كسبت أسمرة المثلث بقرار التحكيم الدولي في عام 2002.
آدم رأى أن الكثير من التحديات تنتظر إريتريا في الفترة المقبلة، ومن بينها: تحسين علاقتها مع دول الجوار، إضافة إلى اتخاذ خطوات نحو الإصلاح الداخلي من خلال تفعيل المؤسسات التشريعية، وإعادة العمل بالدستور.
لكن الدبلوماسي الإريتري السابق بدا متشائما، واستبعد تنازل النظام عن سياساته التي اتبعها على مدار نحو ربع قرن سواء تجاه الداخل أو الخارج.
وقد تبدو أسباب تشاؤمه مقنعة؛ فلا توجد في إريتريا، وفق ما يقول، “معارضة منظمة، ولا مؤسسة تشريعية مستقلة؛ ومن ثم ليس هناك قوة تستطيع إجبار الحكومة على التغيير؛ ومما يزيد الطين بله تجاهل المجتمع الدولي والإقليمي للأوضاع في هذا البلد الأفريقي، وعدم تشكيل ضغوط على حكومتها من أجل دفعها نحو التغيير”.
الدبلوماسي الصومالي الأسبق، وأحد منسقي العلاقات الإريترية الصومالية في فترة ما قبل استقلال إريتريا، عبدالله طاهر يوسف، بدأ متفائلا على خلاف سابقه.
إذ يرى يوسف أن إريتريا دولة مهمة في منطقة القرن الأفريقي، ودولة مؤثرة في أزماته؛ و”من ثم لابد أن تٌعطى فرصة أخرى لإصلاح ما أفسدته بدخولها في حروب ونزاعات”.
الدبلوماسي الصومالي الأسبق بنى تفاؤله على “تحولات طرأت في سياسة إريتريا مؤخرا؛ حيث ساندت أسمرا التحالف العربي، الذي تقوده السعودية، ومن خلفه المجتمع الدولي في الحرب على الانقلابيين في اليمن، كما أقامت اتفاقا جيدا مع الاتحاد الأوروبي بخصوص تمويل توفير فرص العمل لمنع نزوح اللاجئين منها باتجاه أوروبا”، في إشارة إلى تعهد الاتحاد الأوروبي، في أيلول/سبتمبر الماضي بتقديم 200 مليون يورو لإريتريا لمساعدتها على معالجة أسباب نزوح المهاجرين.
وقال يوسف “كل هذه مؤشرات على أن الدولة في إريتريا بدأت تستفيد من تجاربها السابقة، وأن الافق القادم قد يبدو إيجابيا؛ وبالتالي على دول الجوار دعم هذا الجانب الايجابي؛ فالمنطقة في حاجة إلى فتح صفحة بيضاء، وتناسي الماضي بكل مراراته”.
وأواخر آذار/مارس 2015، بدأ “التحالف العربي” ضربات جوية ضد الميليشيات الموالية لجماعة “أنصار الله” (الحوثي)، والرئيس اليمني السابق، على عبد الله صالح؛ في مسعى لإنهاء تمرد بدأته هذه الميليشيات منذ الثلث الأخير من العام 2014، وتمكنت عبره من السيطرة على مساحات واسعة من اليمن، بينها العاصمة صنعاء.
وكانت إريتريا مهمة لـ”التحالف العربي” في عملياته في اليمن؛ خاصة أنها تملك سواحل هامة مواجهة للساحل اليمني، ويمكن الاستفادة منها في عمليات عسكرية ضد ميليشيات الحوثيين وصالح، أو في مراقبة الشواطئ اليمنية، ومنع تهريب أي سلاح لهذه الميليشيات.
وفي سياق هذا الاهتمام بإريتريا، على ما يبدو، جاءت الزيارتين اللتين أجراهما رئيسها، “أسياس أفورقي”، إلى السعودية، وفصلت بينهما نحو 8 أشهر فقط، والتقى خلالهما العاهل السعودي، الملك “سلمان بن عبدالعزيز″؛ حيث كانت الزيارة الأولى في 28 نيسان/ابريل 2015 والثانية في 20 ديسمبر/كانون الأول من العام ذاته.
كذلك، استقبلت أسمرا، خلال العام الماضي، العديد من المسؤولين الخليجيين رفيعي المستوى، وبعضهم أعضاء في “التحالف العربي”.(الأناضول)