
أكد مصطفى سلمى ولد سيدي مولود، قائد شرطة سابق لجبهة البوليساريو، أن المعطيات الميدانية الراهنة على مستوى المثلث الحدودي بين الجزائر وموريتانيا والصحراء المغربية، تبرز حالة اختناق تام تعيشها تحركات الجبهة المسلحة، في ظل القرار الذي اتخذته السلطات الموريتانية والقاضي بمنع أي تحرك عسكري انطلاقا من أراضيها.
وأوضح ولد سيدي مولود، في حوار له مع مجموعة "تيليكل" أجراه كل من أحمد مدياني وياسين مجدي، أن "القرار النهائي" في ما تبقى من هامش تحرك للجبهة بات بيد الجزائر وحدها، حيث قال "هناك طريقان: طريق من تندوف نحو مركز المراقبة، وآخر من الرابوني نحو نفس النقطة"، وأن "كلا الطريقين يلتقيان في نفس النقطة، التي تُعد نقطة الدخول والخروج من الأراضي الجزائرية"، مشيرا إلى أنه انطلاقا من هذه النقطة "ينفصل الطريقان مجددا، أحدهما يتجه نحو "قمشه"، والآخر نحو "دار الله".
وتابع موضحا: "الصحراويون يسلكون طريق الرابوني نحو نقطة المراقبة، ثم يخرجون إلى شريط حدودي لا يحتوي على مركز حدودي موريتاني. أما الجزائريون، فيسلكون طريق تندوف إلى نفس النقطة، ثم يعبرون إلى المركز الحدودي الموريتاني".
وردا على سؤال بشأن موقع الحزام الدفاعي المغربي في هذه المعادلة، أوضح أن "الحزام الدفاعي المغربي قريب جدا من الحدود الجزائرية والموريتانية، وفي بعض المواقع لا تفصله سوى خمسة كيلومترات عن الحدود الموريتانية"، ليخلص إلى أن البوليساريو باتت "فعليا محاصرة".
وأكد قائد الشرطة السابق لجبهة البوليساريو في هذا الصدد أن "أقوى موقف داعم للمغرب لم يكن من الولايات المتحدة أو فرنسا أو بريطانيا، بل من موريتانيا حين منعت عناصر البوليساريو من التحرك عسكريا عبر حدودها".
وفي توضيح للمتغيرات الجغرافية، أشار إلى أن الصورة الجديدة "تظهر الوضع قبل عام 2020"، حيث "كان هناك طريقان، من تندوف ومن الرابوني، يلتقيان عند مركز جزائري، ثم يعبران نحو 30 كيلومترا داخل موريتانيا، قبل العودة إلى الصحراء"، بينما "الآن الطريق يبقى داخل الصحراء إلى أن يصل إلى منطقة تُدعى 'تريانغيت'، قرب بلدة 'بير موغرين' داخل موريتانيا، ومنها يُكملون نحو التاريتي، والمهيريز، والجنوب".
وتابع ولد سيدي مولود مبرزا أنه "مع القرار الموريتاني الواضح الذي أُبلغت به الجزائر: لن يُسمح بعد الآن بأي تحرك عسكري عبر أراضيها"، وهذا يعني أن البوليساريو فقدت آخر منفذ ممكن، ولم يتبقّ لها سوى "مسافة ضيقة تتراوح بين 50 و55 كيلومترا بين الجزائر والحزام الدفاعي"، وهي المسافة الوحيدة المتاحة نظريا ولكنها خاضعة لمراقبة صارمة.
وحين سئل عن توقف المعارك في الجنوب المغربي رغم غياب الحزام الدفاعي في بداية الثمانينات، أجاب ضاحكا "دعني أرسل لك خريطة أخرى لتتضح الصورة أكثر". ثم شرح أن "الجزء الأول من الحزام، الملوّن بالبني، شُيّد في بداية عام 1982. الجزء البنفسجي بُني في ماي 1984. أما الجزء الأخضر، فتم إنشاؤه في يناير 1985"، ليؤكد أن "حتى عام 1984، لم يكن هناك سوى الجزء البني، ورغم ذلك، توقفت البوليساريو عن شنّ الهجمات في الجنوب المغربي".
وعن سبب ذلك التوقف، قال : "السبب يعود إلى أن الجزائر تعرّضت لضغوط كبيرة بعد معارك الجنوب، خصوصا بعد حصار الزاك عام 1980"، وأن "الولايات المتحدة ضغطت على الجزائر، مؤكدة أن الأراضي المغربية خارج منطقة النزاع تُعد خطا أحمر يُمنع تجاوزه".
وأضاف أن "الجزائر منذ عام 1981 منعت البوليساريو من العبور إلى أقا، والزاك، وطانطان، وغيرها من المناطق الجنوبية المغربية"، في حين أن "موريتانيا، منذ عام 1984، كانت متساهلة، وسمحت بعبور البوليساريو عبر أراضيها".
وحول ما إذا كان الموقف الموريتاني امتدادا لنهج جزائري قديم، أجاب: "الجزائر سبقت موريتانيا بأربعة عقود تقريبا"، مؤكدا أن "البوليساريو لم تطلق رصاصة واحدة خارج منطقة النزاع منذ عام 1980".
ومع القرار الموريتاني الجديد، يؤكد أن البوليساريو أمام خيارين فقط: "إما المرور عبر الأراضي الجزائرية؛ مما يضعهم في مواجهة مباشرة مع الحزام الدفاعي المغربي، أولا شيء. هذا الواقع يضعنا أمام احتمال حرب مباشرة بين الجزائر والمغرب إذا ما تم اللجوء إلى هذا الخيار".
ويقارن ولد سيدي مولود الحزام الدفاعي المغربي بخط بارليف في حرب أكتوبر، قائلا: "بمجرد الخروج من الأراضي الجزائرية، يجد الخصم نفسه في مواجهة مباشرة مع هذا الحزام؛ ما يجعل أي تحرك يتطلب قدرات هائلة"، و"هذا أمر لا تستطيع البوليساريو إنجازه بدون تدخل مباشر من الجزائر".
وفي قراءة دقيقة للمشهد، يوضح المتحدث ذاته أن "التفكير الاستراتيجي له مستويان: الآني، وبعيد المدى"، وأنه "حاليا، لا تملك البوليساريو أي هامش مناورة"، لأن "القرار النهائي بيد الجزائر، فهي التي تمتلك القوة والتسليح". ويضيف: "البوليساريو قد تخوض حرب عصابات، لكن ذلك يحتاج إلى أرض مفتوحة، وهي غير متاحة الآن".
ومن خلال تشبيه دقيق، يشير إلى أنه "عندما تواجه خطا دفاعيا مثل بارليف، فأنت تحتاج إلى "قوة صدمة" لتخترقه وتفتح ثغرة، وهذا يتجاوز قدرة البوليساريو. إمكانياتهم لا تسمح بذلك". ولذلك، يؤكد أن "البوليساريو متوقفة حاليا، لكنها لم تنتهِ. طالما لم يستسلم الخصم، تبقى الحرب قائمة، حتى لو كان ضعيفا أو متعبا".
ويخلص إلى أنه "ما دامت الجزائر تستضيف البوليساريو، فنحن دائما أمام تهديد قائم، حتى لو كان منخفضا حاليا، لكنه قابل للانفجار بتغير المعطيات". ولهذا، يربط الأمر بسياق اللحظة السياسية بقوله: "عندما نعود إلى خطاب الملك محمد السادس أمام البرلمان، نجد أنه طلب من البرلمانيين والمكونات السياسية المبادرة؛ لأن الظرفية الآن في صالح المغرب، ويجب استغلالها. عندما يكون الخصم في حالة تراجع، عليك أن تتحرك بأقصى سرعة لفرض الأمر الواقع ودفعه نحو الحل السياسي الذي يخدمك"
تيل كيل عربي