
اتخذ الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون مؤخرًا قرارًا تاريخيًا بإعلان التعبئة العامة في البلاد، مستندًا إلى التهديدات الإقليمية المتزايدة وعدم الاستقرار الجيوسياسي المقلق. تمثل هذه الخطوة تحولًا استراتيجيًا بالنسبة للجزائر، التي اعتادت على خطاب الصرامة في قضايا السيادة، لكنها تتبنى الآن موقفًا أكثر فعالية على الصعيدين العسكري والأمني.
يأتي هذا القرار في سياق متوتر في المغرب العربي ومنطقة الساحل. فالجزائر محاطة بعدة بؤر توتر: في الشرق، الحرب الكامنة في ليبيا؛ في الجنوب، الانهيار الأمني في مالي والنيجر؛ وفي الغرب، التوترات المستمرة مع المغرب، والتي زادتها تعقيدًا قضية الصحراء الغربية. وأمام هذه الأوضاع، يبدو أن الجزائر قررت تعزيز قدرتها على الرد والدفاع من خلال تعبئة كافة قواها الحية.
بالنسبة لموريتانيا، يجب أن يُفهم هذا القرار الجزائري على أنه جرس إنذار. فبلدنا، المجاور لمالي والواقع عند تقاطع الديناميكيات الساحلية والمغاربية، لم يعد بمقدوره أن يظن نفسه في منأى عن الأخطار. فالوهم باستقرار دائم دون جهد مستمر في سبيل السيادة الوطنية أمر خطير. ويجب أن تستخلص موريتانيا من هذه التعبئة العامة ثلاث دروس أساسية:
1. تعزيز قدراتنا في الدفاع والاستخبارات: أمام التهديدات الهجينة الجديدة، يجب أن يتطور جهازنا الأمني. هناك حاجة إلى استراتيجية أمن وطني تشمل الجيش، والقوى المدنية، والدبلوماسية.
2. إعادة التفكير في سياستنا الخارجية الإقليمية: لقد حان الوقت لتخرج موريتانيا من حيادها الحذر وتلعب دورًا دبلوماسيًا أكثر فعالية بين الجزائر والمغرب ومالي والسنغال. فدبلوماسية الوساطة النشطة يمكن أن تحمينا بقدر ما تحمينا الأسلحة.
3. تعبئة الأمة حول القضايا الاستراتيجية: على غرار الجزائر، يجب إعداد الرأي العام الوطني لمرحلة جيوسياسية جديدة. ويتطلب ذلك تربية مدنية حول قضايا الأمن، والسيادة الغذائية، والأمن السيبراني، والوحدة الوطنية.
إن قرار الرئيس تبون ليس مجرد مناورة إعلامية، بل يعكس شعورًا بالإلحاح في ظل عالم يشهد تغيرات جذرية. وعلى موريتانيا، أكثر من أي وقت مضى، أن تدرك أن أمنها لن يتحقق من دون رؤية وطنية قوية، وتماسك اجتماعي معزز، وإرادة سياسية واضحة.
إذا كانت الجزائر تعبئ أمتها، فعلى موريتانيا أن تعبئ وعيها.
إسلمو حنفي