" اذا لم تعد تقبل العيش معنا حياة العبودية كأسلافك، فاخرج انت ومن معك".
بداية البداية
تلك هي العبارة الموحدة التي ينطق بها الاسياد في مجتمع السوننكي اتجاه عبيدهم في دافور، حتى اجبروهم على العيش منفيين في وطنهم، ولتبدأ معها معاناتهم من جديد، كغيرهم من آلاف العبيد بولاية "كيدي ماغا"، الذين اخرجوا من مزارعهم، وبقوا تائهين بين أروقة المحاكم ومكاتب السلطات الإدارية ينشدون العدال.
فبعد ان رفض العبيد السابقون الاستمرار في العيش تحت نير العبودية بعد موجة الانعتاق التي اجتاحت موريتانيا خلال العشرية الماضية، وتأسيسهم لـ"جانباناكو" كاطار موحد يدافع عن حقوقهم، و"يسعى الى الرفع من مستوى الوعي حول الطبيعة المهينة للنظام السوننكي العرقي والإقطاعي الذي يمارس التمييز والتسلسل الهرمي"، قرر الاسياد طردهم من حرثهم، ومصادرة اراضيهم الزراعية، التي استمروا في حرثها لأكثر من قرن من الزمن.
ولأنهم مسالمون بالفطرة، ومؤمنون بدولة القانون، لجأوا للقضاء من اجل انصافهم، فاصطدموا بأن القانون لا يطبق الا على العبيد، وأن الدولة بأجهزتها حامي حمى الاسياد.
اصل له جذور
بدأ النزاع في بلدة دافور التي تأسست 1905 من مجموعة من السوننكي"، والتي بها اسياد وعبيد، وحاز كل من الطرفين بعض الأراضي، وبقوا يستغلونها دون وثائق رسمية (ملكية تقليدية)، وتزرع كل مجموعة ارضها جد عن جد حتى سنة 2018، عندما نشأت حركة مناهضة للعبودية في المجتمع السوننكي، حينها ذهب الاسياد الى العبيد، واخبروهم صراحة ان أي شخص يرفض العيش في ظل العلاقة التقليدية بين الطرفين يخرج عن الأرض وان لا يعود لزراعتها مجددا، لأنها كانت اعارة لأوائلهم من أسيادهم، فكان كل سيد يتصل بعبيده ويأمرهم بالرحيل.
عندها قرر العبيد التوجه بشكاية امام وكيل الجمهورية بالولاية، ولسبب ما، احالها الى قاضي مدني في ولد ينجه باعتبار دافور تابعة لها.
وكان تصرف وكيل الجمهورية هذا ينطوي على ابعاد خطيرة وغير مفهومة، حيث ان العبيد السابقين يستغلون الأرض من 1905، وجعلت احالته للملف امام قاضي مدني مدعين، بدل من كونهم مدعى عليهم.
اما قاضي ولد ينج فقد حكم في القضية بعدم الاختصاص، على اعتبار ان الأرض ملك للدولة، لكون أي من الطرفين لا يملك وثيقة رسمية على ملكية الأرض (العبيد والاسياد)، حيث ان الملك ملك تقليدي، كما هو معروف في موريتانيا، وتم الاعتراض على ذلك الحكم من قبل دفاع العبيد السابقين، ولم يعترض عليه دفاع الاسياد، لأنه يفضل ان تكون الأرض للدولة على ان تؤول ملكيتها للعبيد السابقين مدفوعين برغبة الاسياد.
وبعد ان وصل الملف للمحكمة العليا الغت الحكم، واقرت ان القضاء مختص في النزاع، واحالته لتشكيلة مغايرة في ولد ينج، حيث نظر قاضي جديد في القضية، وعلى جناح السرعة اصدر فيه احكام بملكية الاسياد للأرض، بالرغم انهم لا يمتلكون دليل على ملكيتهم للأرض، وانهم مدعين ومقرين بإعارتهم للأرض لعبيدهم.
تم التعقيب على الحكم للمرة الثانية من قبل دفاع العبيد السابقين، وحكمت المحكمة العليا بإلغاء ذلك الحكم، واحالته لمحكمة "قابو" للبت في القضية من جديد مع توجيهات واضحة وصريحة على ان الاسياد هم المدعين والعبيد مدعى عليهم، لانهم حائزين للأرض، وقد استغلوها من 1905 والاسياد مدعين على انها اعارة.
أمل يتجدد
في يوم الاثنين الموافق 04 مارس 2024، عقدت محكمة "قابو" جلسة تحضيرية استمع فيها القاضي للأطراف، واطلب فيها من الاسياد ان يأتوا بأدلتهم لملكية الأرض، وعلى ما يثبت اعارتها للعبيد السابقين.
وبلغ عدد هذه الملفات التي نظرت فيها المحكمة تسعة، ويشمل بعضها سيد واحد مع اكثر من "عبد."
يقول احد محامي العبيد السابقين: "القضية واضحة جدا، منشأها هي ان العبيد يرفضون ما كان يمارس على اسلافهم، والاسياد يحاولون حرمانهم من ارضهم وننتظر المحاكمة في أي وقت".
تحقيق: المهدي ولد لمرابط