تتجه السلطات العمومية والطبقة السياسية لامحالة نحو حوار سياسي يهدف إلى ايجاد الردود المناسبة لتحديات اليوم. هذا الإسترخاء للمشهد السياسي الذي يرغب فيه الجميع لا يمكن أن يلبيَ التوقعات إلاَّ عندما يكون هدفه هو تجنب مآزق الماضي، وعدم التعاطي مع طريقة التصرف في عصر أخر تبلورت فيه الشكليات وعبادة الشخصية وعدم المسؤولية في إدارة الشؤون العامة.
يجب على القادة السياسيين أن ينظروا إلى ما هو أبعد من الإنجازات التي تحققت بهدف بناء موريتانيا حديثة. يتطلب مثل هذا النهج تغيير مفهوم الشعب في أذهان القادة السياسييِّن، والإتفاق والإلتزام بإرساء سيادة القانون ونفي مبدأ الحكم وراء الأبواب المغلقة.
1.تغيير مفهوم الشعب في أذهان القادة السيَّاسيِّين
إن الشعب جزء نبيل من الإنسانية قادرعلى الإلتزام والرفض، وقادر على اتخاذ قرارات مستنيرة ومسؤولة. إنَّ وراء كل مواطن ما هو أكثر من مجرد تصويت يمكن احتلاله بكل الوسائل، بما في ذلك الخداع والتزوير والكذب. إنَّ هناك شحنة عاطفية كاملة تؤثر على السلوك، وهناك تطلعات وطموحات وتوقعات مشروعة يمكن إفشالها. باختصار، الشَّخصية، القوَّة لا بد من أن يحسب لها حساب ولا يمكن للمرء أن يحتقر كرامتها دون عقاب.
2.الموافقة والإلتزام الفعال بإرساء سيادة القانون
سيادة القانون هي مساحة من الحياة المشتركة حيث يصبح استخدام السلاح والعنف لإسماع صوت المرء للسطوعلي السلطة والاحتفاظ بها بلا جدوى وغير قانوني. مُجتمع يتوقف فيه القانون عن كونه جمعية خيرية. ومع ذلك، سيكون البناء على الرمال لإرساء سيادة القانون، دون تنظيف هيئة القضاء أولاً وإنشاء نظام قضائي فعال وذي مصداقية.
إن ضمان حياد أولئك الذين يجب عليهم تطبيق القوانين وإقامة العدل، واجب مقدس على عاتق أي حكومة مسؤولة. إنَّ هذا هو السبيل الوحيد لسد الطريق نحو الفوضى ونتائجها الطبيعية المتمثلة في الإفلات من العقاب والتعسُّف وسوء الإدارة والفساد واستغلال النفوذ والمحسوبية، والتي تعمل على المدى الطويل كمفجر للثورات العنيفة.
3.حظر الحكم وراء الأبواب المغلقة وتجزئة الفاعلين السياسيين
لتحقيق هذا الغرض، فإنَّه من الضروري إنشاءُ وتشغيل الآليات التي تعزز التواصل بين الحكام والمحكومين، والتي تسمح بتهدئة التوترات الاجتماعية. إنَّ استعادة السلطة للشعب، من خلال إعادة الصوت إلى القواعد الشعبية، أمر حتمي لا مفر منه لأي شخص يريد أن يحكم بالديمقراطية.
إنَّ الحوار الوطني الذي طال انتظاره ليس حلاً سحريًا بحد ذاته، حتى لو كان يمثل اليوم الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها عودة كل شيء إلى طبيعته في بلادنا. إنَّ التحديَ، وهو التحدي الرئيسي، هو التوصل إلى اتفاق توافقي يجب أن يحدد المستقبل. لكنَّ هذا الحوارَ التأسيسيَ لا يكون منطقياً إلا إذا كان يتماشى مع إرادة الفاعلين السياسيِّين للعثور على الإجابات المناسبة للموضوعات التي ينقسم الموريتانيون بشدة حولها، أَلَا وهي التماسك الاجتماعي واحترام وتعزيز حقوق الناس والحكم الرشيد.
يتطلب هذا النهج تفاني النساء والرجال ذوي العقليات الجديدة، مسترشدين بِمُثلٍ أعلى وإيمان لا يتزعزع، ويوافقون على إدارة ظهورهم للممارسات القديمة.
الدكتور: محمد معط الله
أستاذ بكلية العلوم القانونية والإقتصاد بجامعة نواكشوط العصرية
محامي لدى المحكمة