رمضان بدأ يوم السبت في موريتانيا، فاليوم الثلاثاء هو يومه الرابع لكنه يستهل بشكل مختلف كثيراً هذا العام: فليست هناك إكراهات بالحجر المنزلي المفروض على الجميع كما وقع في رمضان الماضي: فحرية التجوال الليلي التي اعتادها الصائمون متاحة، وكذا السهرات الليلية الممتعة وتبادل للزيارات، وصلاة التراويح التي تعود الصيّام أداءها، فالمساجد والمصليات مفتوحة بالكامل.
لكن شهر رمضان هذه السنة حل في ظروف مختلفة عن الماضي، فبالإضافة لبقايا تأثيرات كورونا جاءت الحرب الروسية ضد أوكرانيا لتزيد الطين بلة؛ فقد أدت إلى أزمة في واردات القمح وأزمة تزداد شدة في أسعار الوقود، تربك الأسواق الموريتانية التي تأثرت بهذه الحرب المتطاولة، مما انعكس على موائد الصائمين.
وتركت الحرب في أوكرانيا تداعيات اقتصادية على شتى أرجاء العالم، ومنها المنطقة المغاربية، حيث شعر سكانها بارتفاع أسعار المواد الغذائية وشحها.
وتركزت هذه الظاهرة في القمح والذرة ومشتقاتهما، التي تدخل بكثافة في إعداد السفر الرمضانية، كالخبز والمعكرونة.
ومن بين السلع الأكثر استهلاكاً في شهر رمضان التمور التي تستوردها موريتانيا من تونس والجزائر، ومنتجات الألبان، وكذلك يزداد استهلاك الخبز والدجاج والفواكه واللحوم.
وسبق لحكومة موريتانيا أن توقعت زيادة في أسعار القمح في موريتانيا، بسبب انعكاسات النزاع المسلح بين روسيا وأوكرانيا، البلدين الأكثر إنتاجاً وتصديراً لمادة القمح في العالم، لكنها أكدت اتخاذها للتدابير اللازمة لمواجهة ارتفاع مادة القمح الأساسية في المعاش اليومي للسكان الموريتانيين”.
وأكد الناطق الرسمي باسم الحكومة أنه “في حالة وصول كميات جديدة من القمح إلى الأسواق، فإن وزارة التجارة ستجتمع مع التجار لإعادة هيكلة السعر الجديد، مع تحمل الحكومة لما يمكنها تحمله من أعباء السعر الجديد دعماً للمستهلكين”. وتقسم التقاليد الموريتانية شهر رمضان إلى ثلاثة أسابيع، يسمى أولها «أسبوع الخيل» لمروره سريعاً غير منهك للصائمين، وبعد ذلك الأسبوع الثاني وهو الأسبوع المسمى “أسبوع الإبل”، وهو أكثر بطئاً وتثاقلاً، ثم يأتي آخر الشهر “أسبوع الحمير” المنهك للصائمين لطول أيامه.
وفي شهر رمضان يتحول كل شيء في موريتانيا إلى الدين والتدين، فالإذاعات والقنوات تتخلى عن برامجها الترفيهية وتستبدل بها قراءة القرآن والمواعظ وحلقات لاستضافة العلماء في برامج مباشرة مع المستمعين والمشاهدين.
وبخصوص الوجبات، فلم يكن الموريتانيون قبل عقدين من الزمن، حيث كانت حياة البداوة غالبة، يعرفون الأكلات المتنوعة المعروفة اليوم، فقد كانت المستهلكات في رمضان تقتصر على التمر والحليب الممزوج بالماء والسكر والمعروف محلياً بمسمى “الزريق”، إضافة إلى كاسات الشاي الأخضر الذي يدمنه الجميع؛ وكانت الوجبة الرئيسية في رمضان هي وجبة العيش، وهي عصيدة تصنع من دقيق الدخن ويخلط عليها الحليب والملح والسكر، أما اليوم فقد تأثرت الموائد الموريتانية بالموائد المغربية وبما تعرضه القنوات التلفزية من وجبات وفنون طبخ.
وتتصدر الحريرة المغربية بمذاقها اللذيذ وجبات رمضان في غالبية الموائد الرمضانية على مستوى المدن، ويوفر مصدرو الخضراوات المغاربة للأسواق الموريتانية، رغم إكراهات الوباء، مستلزمات طبخ الحريرة من خضراوات وتوابل. وتستلهم النساء الموريتانيات إعداد الوجبات مما تعرضه القنوات التلفزيونية، ومنهن من تأخذ مقادير الوجبات وطرق إعدادها من تطبيق “يوتيوب”.
وساهمت شبكات التواصل يتقدمها تطبيق “واتساب”، في تبادل المعلومات حول الوجبات، حيث تنشط المجموعات الواتسابية في تبادل المقادير والصور عن الوجبات وعن أدوات المطبخ وفوائدها وأسعارها، وهو ما يسهل على كثيرات منهن مشاوير التسوق في ليالي رمضان.
وسيكون لتطبيق “سناب” دوره الكبير، حيث تتبادل ربات الأسر والفتيات، على السريع، صور وجبات الإفطار افتخاراً أحياناً وتقديماً لمعلومات عن المأكولات أحياناً أخرى.
ورغم ارتفاع معدل الفقر في موريتانيا (٪40)، فالوجبات الرمضانية مكلفة يبذل فيها المال بسخاء، فالأغنياء يبذخون والفقراء يتحملون الديون ليجدوا وجبات غالية مناسبة لطموحاتهم لا لجيوبهم.