لم أكن أريد الدخول في تفاصيل النقاش الدائر حول خطوة تواصل الأخيرة والبيان الصادر عن تجمع الأحزاب والتحالفات المعارضة الاثنين الماضي، واكتفيت بإشارات أغلبها اتجه لحديث الرئيس مسعود وبعص فقرات البيان، ولكن توسع النقاش في الموضوع ومشاركة قيادات حالية للحزب فيه، استدعت فيما كتبت التاريخ وأصدرت الأحكام وحكمت على النيات، دفعني لهذه المشاركة التي ألخصها في النقاط التالية :
1 - لا تبدو لي المقاربات الاستراتيجية في الشأن السياسي تحتاج للإطالة الزائدة والتي تصيب المقاربة بشء من السيولة يفقدها التركيز.
الأمر قريب جدا، نحن نتحدث عن موريتانيا، وعن الحالة الديمقراطية فيها، وعن العمل الحزبي فيها، ومن هنا فلا يستساغ أن نذهب في التجريد بعيدا، ومن خصائص السياسي الناجح إدراك واقعه، وقراءة ميزان القوة قراءة صحيحة، وفي حالتنا وهي حالة خاصة، استحضار مصالح التيار الإسلامي كحالة فكرية ومجتمعية دون تجاهل الظروف المحيطة دوليا وإقليميا.
2 - قيادة الحزب وخصوصا أصحاب النفوذ فيها هي التي دفعت الأمور إلى هذه الوضعية التي نحاول أن نبرر بها خطوات تكتيكية نحن أدرى الناس بمحدودية المناورة فيها سواء نظرنا إلى الموضوعات أو نظرنا إلى الشخصيات.
إن السلوك السياسي الذي حرصت عليه هذه القيادة ومنذ البداية هو ما أدى إلى الإشكال أو الورطة التي يعيشها الحزب اليوم، ألا تتذكرون سلوكنا! عندما بدأ رئيس الجمهورية لقاءاته الأولى مع رؤساء الأحزاب، ألا تتذكرون توقيعنا على بيان لا يعترف بالانتخابات الرئاسية دون علم من المكتب التنفيذي للحزب ولا تفويض منه، ألا تتذكرون الحرص المبالغ فيه على الحساسية من كل صوت "غير منسجم" بإبعاده ابتداء أو إخراجه من بعد، ألا تتذكرون الأسلوب المتشنج في بعض المقابلات والكتابات أغلب العام 2020، ألا تتذكرون سوء إدارة العلاقات السياسية والذي أسهم - مع سلوك الآخرين طبعا - في هذه الوضعية التي نعالجها بأخطاء دفع لها الاضطرار وعدم التفكير الكافي في العواقب.
3 - موقع المعارضة الذي اختارنا الشعب لقيادتها القانونية، والتي نحس بالحرج من مخصصاتها دون أن يشعر الناس بأثر ذلك الحرج على مؤسسة المعارضة فعالية وتأثيرا، لا تقتضي بالضرورة سلوكا معينا وخطابا يصل بالمتحدث باسمنا ( المشاركون في المؤتمر الصحفي ) إلى الدعوة إلى الاستقالة (وذلك رحيل مخفف) وإلى استعمال عبارات جارحة كنا عليها من المصفقين.
إن أوضاع البلاد، وميراث العشرية الماضية، والجو الذي حرص النظام عليه مع عموم معارضيه، ومقتضى المنهج الإصلاحي الذي سطرناه رؤية ومنهجا، يقتضي منا أسلوبا في المعارضة وطريقة فيها تختلف عما يراه البعض من حدية وتوتير.
لقد قلت لإخواني في قيادة الحزب حين طرح موضوع الحوار، ورأيت الخطاب الاحتجاجي الذي يمهد الأرضية للمقاطعة، إن هذا المسار وهذه التصريحات لن تؤدي إلا لأحد أمرين، إما مشاركة اضطرارية بدور محدود والتحاق محرج، أو مقاطعة يرجح أن لا يشاركنا فيها إلا قليل إن شاركنا.
4 - لا إشكال في التحالفات السياسية ما لم تخل مبدئيا أو تضر مصلحيا، غير أنه في المجتمعات الانقسامية ومع التيارات ذات المنزع القومي أو العصبي ليس من المناسب أن يتواجد حزب كحزب تواصل بمقاربته المستوعبة وطبيعته الفكرية الجامعة مع طرف أو كتلة دون أخرى ففي ذلك رسائل في الاتجاه الخطأ.
إن الملاحظات الأساسية على المؤتمر الصحفي الأخير وعلى بيانه هي السقف الذي بلغه الحديث الرئيسي فيه والحكم بما يشبه آبرتايد في موريتانيا (تهميش الأفارقة السود الآن) وهذا شيء والحديث عن المظالم السابقة والقصور الملاحظ في الإشراك شيء آخر، لا يخفى الفرق بينهما لمن خبر الخطاب السياسي في البلد ومواقف مختلف الأطراف فيه.
5 - للإخوة الحريصين على الاستشهاد برؤية تواصل للوحدة الوطنية والصادرة 17 ديسمبر 2014 أورد لهم نصا من منطلقاتها يقول :
" إن هذه البلاد متعددة عرقيا واجتماعيا وفئويا، وإن هذا التعدد نعمة وثراء إن لم يأسر أصحابه وأطروه في إطار الجامع الإسلامي والوطني ... وأن ألسن هذه البلاد - كما أقر دستورها- عربية وبولارية وسونكية وولفية... وأن اللغة العربية هي لغة البلاد الرسمية لأنها لغة القرآن الجامع لكل المكونات والقوميات بعيدا عن كل معاني الفرض والهيمنة.
والمجتمعات المتعددة الأعراق والألسن والثقافات لا يضرها شيء مثلما يضرها ويهددها الخطاب القائم على العصبية أو الرؤية المؤسسة على الاستعلاء والإلحاق، ولنا أن ننظر في التاريخ وفي العالم من حولنا كيف تهد مجتمعات وتفسد دول بسبب الصراعات القائمة على العرق أو الساعية لهيمنة قوم على قوم.. "
6 - بكل صدق وصراحة، على الإخوة في قيادة الحزب وهم يسمعون الملاحظات من الجميع من حسنت نيته ومن ساءت! من الحادبين والمغاضبين! من الحريصين على الخط المعارض وأنصار النظام! أن يتوقفوا قليلا وأن يفتحوا نقاشات مع إخوانهم، يشرحون ويقنعون ويستفيدون، أن يدركوا أن الضجر من الرأي الآخر والحرص على "الانسجام" سلوك لا يناسب في الأحزاب الديمقراطية.
إنكم أيها الأحبة في قيادة الحزب بحاجة لمراجعة سلوككم تجاه إخوانكم الذين شاركوكم هذا البناء وبذلوا فيه كما بذلتم فلا تخيروهم بين السكوت أو الانسحاب.