نشرت مجلة "إيكونوميست"، تقريرا تناولت فيه الانقسامات القديمة في موريتانيا، معتبرة أنها فتحت صفحة جديدة، رغم أن التحديات ما تزال موجودة للمساواة بين جميع المواطنين.
وروت أن "فاتو" قالت مبتسمة وهي تتلقى مبلغ 2000 أوقية (55 دولارا) من الأوراق النقدية: "سأشتري الطعام أولا". هي بحاجة للمساعدة. مسكنها، وهو عبارة عن بضع غرف صغيرة في حي آيل في نواكشوط، عاصمة موريتانيا، تسكن فيه هي وأمها المسنة وأختها وخمسة أطفال.
الأموال جزء من جهد حكومي، مدعوم من مانحين أجانب، لمساعدة أفقر الناس في البلاد خلال فترة الوباء. ولدى الحكومة مخططات أخرى لمكافحة الفقر ستستمر بعد الوباء أيضا.
وتخطط بحلول نهاية العام للوصول إلى 100 ألف أسرة من أفقر الأسر في موريتانيا، بمساعدات تصل إلى 1500 أوقية (37 دولارا) كل ثلاثة أشهر. وهي تعد بأكثر من مضاعفة هذا المبلغ قريبا.
وبحسب المجلة، فإن هذه المساعدة غير عادية في هذا البلد الذي يبلغ عدد سكانه 4.7 مليون شخص، حيث تسري عدم المساواة غالبا بحسب خطوط الانقسامات القديمة بين مالكي العبيد السابقين، ومعظمهم من أصحاب البشرة الفاتحة، والعبيد ذوي البشرة الأغمق في العادة. تم إلغاء العبودية رسميا فقط في عام 1981 وتم تجريمها فقط في عام 2007.
وتعرض الموريتانيون السود الذين ليسوا من نسل العبيد للاضطهاد. في عام 1989 تم ترحيل عشرات الآلاف منهم إلى السنغال، وتم ذبح المئات غيرهم. وكثير من الذين بقوا، لا يزالون فقراء. وعلى الرغم من تضاعف الناتج المحلي الإجمالي منذ عام 2000، فقد تراجعت موريتانيا في الفترة ذاتها من المرتبة 135 إلى المرتبة 157 على مؤشر التنمية البشرية للأمم المتحدة، وهو مقياس يشمل متوسط العمر المتوقع والتعليم ومتوسط الدخل. الانقلابات المتكررة والفساد جزء من المشكلة.
وأضافت المجلة: "لكن هناك مؤشرات مشجعة على التغيير، بدءا من الانتخابات الرئاسية في عام 2019. وبالرغم مما شابها من اعتقال مرشحي المعارضة، إلا أنها كانت أول مرة يتم فيها تداول سلمي للسلطة في موريتانيا. محمد ولد عبد العزيز الذي تولى السلطة في انقلاب عام 2008 لم يترشح، وتم استبداله بصديقه القديم ووزير الدفاع محمد ولد الغزواني. وشك الكثيرون بأن الرجل الجديد سيكون دمية، وبدلا من ذلك، انفصل بشكل حاسم عن رئيسه السابق وسمح للبرلمان بالتحقيق في الفساد في عهد الرئيس السابق".
وزعم التقرير الناتج عن ذلك أن الحكومة السابقة قد ترأست عددا كبيرا من الصفقات المخادعة. وفي آذار/ مارس، اتهمت السلطات الرئيس السابق بالفساد وغسيل الأموال والإثراء غير المشروع، ووُضع قيد الإقامة الجبرية، واشتكى من أنه "ضحية تصفية حسابات قديمة".
كما وجهت اتهامات إلى نحو عشرة آخرين، بينهم رئيسا وزراء سابقان. يقول محمد ولد مولود، زعيم المعارضة الذي ترشح للرئاسة في عام 2019؛ إن مثل هذه الاعتقالات "استثنائية وغير مسموع بها".
وعزف ولد الغزواني على وتر المصالحة مع جماعات المعارضة أيضا، حيث تطرق إلى موضوعات العلاقات بين الأعراق والإصلاح الانتخابي. كما التقى بيرام داه عبيد، وهو زعيم كاريزمي مناهض للعبودية، ومرشح رئاسي عانى من الاضطهاد السياسي في الماضي.
وتحاول الحكومة أيضا تحريك الاقتصاد. أطلقت مؤخرا وكالة جديدة لتشجيع الاستثمار برئاسة عيساتا لام، موريتانية سوداء تبلغ من العمر 35 عاما، وتأمل في تشجيع الاستثمار خارج نطاق التعدين الأساسي. وتقول نائبة البرلمان المعارضة، نانا منت شيخنة: "نحن لا نصنع حتى علبة سردين".
وقالت المجلة: "يجب أن تأتي أكبر دفعة للاقتصاد من الغاز، إذا تجنبت الحكومة الوقوع في الفساد والإنفاق المتهور، فلدى موريتانيا احتياطيات غاز أكبر مقارنة بعدد سكانها من أي دولة أفريقية أخرى باستثناء دولة النفط الصغيرة، غينيا الاستوائية. أفضل احتمال هو مشروع تورتو أحميم الكبير، الذي تشاركه موريتانيا مع السنغال".
وأضافت أنه من المتوقع أن يبدأ الإنتاج في عام 2023، ويمكن أن يعزز الإيرادات الحكومية بمقدار 14 مليار دولار على مدى العقود الثلاثة المقبلة. قد يأتي الكثير من ذلك في الفترة اللاحقة، لكن الحكومة تتطلع بالفعل إلى زيادة الإيرادات بنحو 60 مليون دولار في عام 2023، وإلى 100 مليون دولار بعد فترة وجيزة وسوف ترتفع الصادرات، ويمكن أن توفر محطات الطاقة التي تعمل بالغاز كهرباء رخيصة.
ويقول محمد الأمين ولد الذهبي، وزير المالية؛ إن الإنفاق على الفقراء والتعامل مع المعارضة والجهود المبذولة لإدارة المالية العامة، ترقى بشكل أفضل إلى "ثورة كبرى". ومع ذلك، لا يزال هناك الكثير الذي يجب القيام به.
واتجهت الحكومة نحو الصراحة بشأن العبودية، وقد سمحت مؤخرا بدخول وفد من Abolition Institute، وهي مجموعة ضغط أمريكية لم يسمح لها الدخول من قبل. رئيس وزراء ولد الغزواني ينحدر من الحراطين، وهي مجموعة عرقية ذات بشرة داكنة تتكلم العربية، وكثير منهم من نسل العبيد. تعترف الحكومة الآن أنه قد يكون هناك عدد قليل من حالات العبودية المتبقية، بدلا من إنكار أي بقايا عبودية بشكل قاطع، كما كانت تفعل في السابق. ومع ذلك، تقول ساليماتا لام من منظمة Sos Esclaves، وهي منظمة محلية مناهضة للعبودية: "لم يتغير شيء بشكل أساسي".
وأشرفت المحاكم على عدد قليل فقط من الإدانات بالرق. وتعتقد جماعات حقوقية أن موريتانيا لا يزال لديها عشرات الآلاف من العبيد، وكثير منهم يعملون كخدم في المنازل، حيث لا يزال من الصعب على العبيد السابقين الحصول على وثائق الهوية اللازمة لتلقي المزايا الحكومية.
وكان التقدم في حقوق المرأة محدودا. لا يزال الاغتصاب معرّفا بشكل فضفاض في القانون. وتعتبر العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج جريمة، لذا فإن النساء اللواتي يبلغن عن الاغتصاب يحبسن أنفسهن في بعض الأحيان. ظلت الحكومة منذ سنوات متلكئة بشأن قانون مقترح بخصوص العنف ضد المرأة. تعارض الأحزاب الإسلامية ذلك، لكن الحكومة، التي تتمتع بأغلبية في البرلمان، "لا تملك الشجاعة" لتمريره، كما تقول أمينتو منت المختار، الناشطة المخضرمة في مجال حقوق المرأة.
ورفع نهج ولد الغزواني التصالحي التوقعات بمزيد من التغيير، لكن تحقيقها سيكون صعبا؛ حيث رفعت حقول الغاز الآمال الاقتصادية، ولكن فيروس كوفيد-19 أضعف الآفاق الفورية، حيث أصبح الإحباط محتملا.
وقالت المجلة: "على ولد الغزواني التوفيق بين مطالب الجيش وزعماء القبائل ذوي النفوذ والجماعات الإسلامية. وقد تنفد النوايا الحسنة للمعارضين أيضا. ولا يزال لدى الرئيس "فرصة ذهبية"، كما يقول ولد مولود، لكن الآن يجب أن يكون هناك فعل".