بعد الإعلان عن قرب إحالة ملفات الفساد التي حققت فيها لجنة برلمانية مختصة، التي عرفت إعلاميا بـ"بفساد العشرية"، تتالت موجة من التسريبات، كان أهمها، تسريب مكالمة صوتية لمقرر اللجنة البرلمانية يحي ولد احمد الوقف، جرت بينه والمستشار برئاسة الجمهورية يحي ولد الكبد.
فبما كانت المكالمة الثانية المسربة، جرت بين رجل الاعمال محمد ولد بوعماتو، والسيناتور السابق محمد ولد غده، وعدة مكالمات أخرى.
تحقيق: المهدي ولد لمرابط
اتهامات...واشياء اخرى
جاء أول اتهام صريح للرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز بالوقوف خلف موجة التسريبات الاخيرة، من نائب رئيس الحزب الحاكم، الخليل ولد الطيب، الذي كان نفسه ضحية تسريبات، أكد أن التسريبات الصوتية التي تم تداولها أخيرا تشكل دليلا على امتلاك الرئيس السابق محمد ولد عبد الغزيز لشبكة تجسس تعمل خارج القانون، داعيا إلى تفكيك هذه الشبكة، وتطبيق القانون على المتورطين في انتهاك خصوصيات المواطنين، والاعتداء عليهم.
فيما اعتبرت جهات أخرى، ان الرئيس السابق يسعي من خلف هذه التسريبات الى التشويش على عمل اللجنة البرلمانية، وتشويه صورة بعض الفاعلين فيها، وذلك عن طريق تجنيده لعناصر من الشرطة يعملون في إدارة امن الدولة، تم تشغيلهم في خلية التنصت على المكالمات في عهد مدير امن الدولة السابق، واستمروا فيها حتى لحظة الإطاحة بهم.
واكدت معلومات أخرى، عن تمكن محيط الرئيس السابق من تجنيد عنصر يعمل في وحدة امنية حساسة، مما مكنه من الاضطلاع بمهمته على أحسن وجه دون صعوبات، وقام بتسريب عدة معلومات، وتسجيل عشرات المكالمات، منذ مغادرة الرئيس السابق للسلطة الي غاية نوفمبر 2020، قبل ان ينكشف امره وتتم الإطاحة به مع افراد شبكته الأمنيين.
وكشفت هذه المعلومات، ان الرئيس السابق بحوزته تسجيلات صوتية لخصومه، وان التسريبات الماضية من ضمنها.
فيما افاد أحد الداعمين للرئيس السابق، وانشق عنه مؤخرا، انه اسمعه أحد هذه التسجيلات، ولم تكن من بين التي تم تسريبها، وان الرئيس السابق مازال في جعبته الكثير منها.
وتعيد حادثة التسريبات الأخيرة الى الاذهان، دور خلية التصنت الرئاسية التي تم الكشف عنها، فترة حكم الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، التي قيل انها تصنتت على مكالمات ورسائل 390 شخصية موريتانية، من بينها معارضون وزراء ومسؤولون كبار، وضباط عسكريين وامنيين، وقادة من أحزاب الموالاة، إضافة إلى صحفيين ورجال اعمال ودبلوماسيين، وكانت هذه الخلية تعمل خارج إطار القانون، حسب ما اشيع عنها.
وحسب معلومات صحفية، فإن هذه الخلية، تصنتت على مكالمات رئيس الجمهورية الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني وحرمه، وسلجت لهما مجموعة من الاتصالات الخاصة.
وساطة...وتهكم على الرئيس السبق
كان الموريتانيون، قد تداولوا خلال الأيام الماضية الكثير من التسجيلات والمكالمات الصوتية المسربة لرموز من النظام الحالي، ومعارضين للرئيس السابق.
فقد تضمنت احدى هذه التسريبات، حديثا بين مقرر لجنة التحقيق البرلمانية، يحي ولد احمد الوقف، والمستشار برئاسة الجمهورية، يحي ولد الكبد، يتحدثان فيها عن الوزير الأول السابق محمد سالم ولد البشير، الذي ورد اسمه في تقرير لجنة التحقيق البرلمانية، فيما بدى انها وساطة من ولد الكبد لصالح ولد البشير.
وتحدث ولد الوقف في التسجيل المسرب، عن تأخر أحد المشمولين في ملفات اللجنة البرلمانية في الاتصال به، عكس مشمول آخر اتصل به قبل صياغة التقرير بيومين، وخاطب ولد الوقف محدثه قائلا "صاحبك ذاك اكلعناه يغير الاشي أتوف".
بينما تضمنت مكالمة رجل الاعمال محمد ولد بوعماتو مع السيناتور محمد ولد غده، حديثا مطولا عن تبرع ولد بوعماتو لصندق كورونا، وعن المصير الذي لحق بالرئيس السابق، بعدما ما كان يجمع عدة رئاسات، بالإضافة الى رئاسة الجمهورية، فيما بدى تهكما عليه.
بداية التنصت على الموريتانيين
بدأ عهد التصنت على مكالمات الموريتانيين في فبراير 2015، عندما دخل الشاب الهندي "مانيش كومار" صاحب شركة "وولف إنتلجينس" المتخصصة في تكنولوجيا التجسس، القصر الرئاسي في نواكشوط من الباب الجانبي المخصص للقاءات الخاصة، حيث مبنى صغير منزوي، ينتصب على سقفه صحن هوائي ضخم، في الداخل وجد في انتظاره أحمد ولد أباه الملقب "أحميدة" مستشار الرئيس الموريتاني السابق واللاحق.
وقد سبق هذا اللقاء، تحويل المستشار الأمني للرئيس، احميده، مبلغ نصف مليون دولار امريكي إلى حساب في الجزر البريطانية العذراء (أراضٍ تابعة للمملكة المتحدة وراء البحار في الكاريبي)، كدفعة أولى لطقم تكنولوجي متطور مقدم من طرف شركة كومار وولف إنتليجينس.
أما الصفقة كاملة فتبلغ مليونين ونصف دولار، بالإضافة إلى اتفاق خدمة سنوي، وكانت هذه الصفقة تمثل لكومار رقمًا قياسيًا في حياته المهنية كمسوق عالمي يجوب العالم لبيع أسلحته السيبيرانية.
وتوفر الخدمة التي سيقدمها الشاب الهندي لزبونه الموريتاني (الرئيس السابق)، إمكانية اختراق نظام تشغيل الحواسيب ويندوز، والهجوم الصامت عن طريق الرسائل النصية المصمتة SILENT SMS، وهي رسائل مندسة لا تظهر على شاشة المتلقي وتُمكّن من تحديد مكانه وتعقبه المستمر، وهو تكنيك متطور يسمح بالتحكم التام في الهواتف الذكية دون أن يتطلب ذلك من الشخص المستهدف القيام بالضغط على أي رابط أو أي تفاعل كان، كما أن هذه الخدمة بمقدورها تحويل الهواتف الذكية المخترقة إلى جهاز تسجيل مباشر.
ماذا قال ضحايا التسريبين الاخرين؟
الوزير الأول الأسبق ومقرر اللجنة البرلمانية التي تحقق في فساد عشرية الرئيس السابق، يحي ولد احمد الوفق، اعترف بالتسريب المنسوب له مع المستشار برئاسة الجمهورية يحي ولد الكبد، قائلا، أن هناك من لا زال بإمكانه تسجيل المكالمات الخاصة والتجسس على الناس، وأن المكالمة المسربة له، كانت بعد إيداع تقرير اللجنة البرلمانية لدى رئاسة الجمعية الوطنية، وأن ليس فيها إلا حديث بسيط عن عمل انتهى ونقاش حول مسائل فنية فيه، وان المكالمة جرت في بدايات اغسطس من 2020، وأنه ليس فيها ما يمس من مصداقية عمل اللجنة –وفق ولد احمد الوقف-.
اما السيناتور السابق محمد ولد غده، فقد قال، أنه قرر التقدم بشكاية ضد مجهول، في قضية تسريب مكالمة له مع رجل الأعمال محمد ولد بوعماتو.
واعتبر، أن المكالمة الهاتفية التي تم تداولها تم التلاعب بمحتواها نقصا وزيادة، مضيفا انها ليست المرة الأولى التي يصحو فيها على خصوصياته وهي تلاك بين ألسنة الناس، وهو شعور لن يفهموه إلا من تم التجسس على خصوصياته وبثها.
كيف وقعت "شبكة أمن الدولة"
فبحسب مصادر تحدثت لـ"الرسالة"، فإن شبهات حول وكيل شرطة مكلف بالتنصت على كبار السياسيين، حصلت بعد سلوك مريب ظهر عليه، ومن ثم تم اعتراض اتصالات له مع بعض المحسوبين على الرئيس السابق.
ويبدو ان الإدارة العامة للأمن الوطني، لم ترغب في تشعب التحقيق مع "شبكة الجوسسة" المنسوبة للرئيس السابق، واكتفت بفصل زعيمها المعلن، وهو شرطي يحمل رتبة وكيل شرطة، تم فصله بتهمة التخابر مع الرئيس السابق دون حقوق.
دخل وكيل الشرطة المفصول الى القطاع قبل خمس سنوات من اليوم، حيث حظي في فترة وجيزة بثقة أحد ضباط أمن الدولة الذي قدمه بدوره لمدير امن الدولة، وكلّف بعدها بمهمة التنصت على الشخصيات الكبيرة وتسجيل مكالماتها.
ماذا يقول القانون الموريتاني عن التنصت على المكالمات؟
نصت المادة: 24 من القانون رقم: 2016/07 المتعلق بالجريمة السبرانية على أنه: "يشكل مساسا متعمدا بالحياة الشخصية التسجيل عن قصد دون علم الأشخاص المعنيين، بأي وسيلة وعلى أية دعامة، سواء كانت صورا، أو أصواتا، أو نصوصا، بغية إلحاق الضرر بهؤلاء الأشخاص، ويعاقب بالحبس من شهر إلى سنة، وبغرامة من 100.000 أوقية إلى مليون أوقية، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كما يعاقب القيام عن قصد بنشر – عبر نظام معلوماتي - تسجيل الصور أو الأصوات أو النصوص، المذكورة في الفقرة السابقة، بالحبس من شهرين إلى سنة، وغرامة من 200.000 اوقية إلى مليون أوقية، أو بإحدى هاتين العقوبتين".
أخيرا
حرصا من في صحيفة الرسالة، على فتح المجال امام الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، للرد على المزاعم المنسوبة اليه، تواصلنا مع شخصيات محسوبة عليه، الا اننا لم نتوصل بوجهة نظره في القضية، لا منه شخصيا ولا من محيطه، ولا المقربين منه سياسيا، بالرغم من تواصلنا مع بعضهم طيلة الأيام الماضية، الا انه بالتزامن مع هذه التسريبات شوهد الرئيس السابق وهو يتجول في احد شوارع العاصمة، ويلوح بيده للجمهور، كان برفقته زوجته، وتبدو عليه علامات الفرح.