عندما خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان واستخلفه في الأرض وسخّـر له الكون وأبدع له الطبيعة؛ جعل من شروط ذلك الاستخلاف والتسخير استشعاره للأمانة العظمى التي حمّـله الله إياها؛ وربط استمرار مصالحه في الكون بمدى محافظته على حماية موارده من الانقراض؛ وحرّم الاستغلال المفرط لموارد الطبيعة باعتباره فسادا "والله لا يحب الفساد"؛ وذلك حتى يحافظ على استمرار التوازن بين استهلاك تلك الموارد وتجدّدها؛ بل إن الإسلام حرص على تكليف الإنسان ودعوته لبذل جهوده واستفراغ طاقاته في إعمار الأرض وإحيائها؛ حتى في أصعب اللحظات وأدق الظروف (إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها). وقد استشعرت دولة الإمارات العربية المتحدة مبكرا هذه المسؤولية والأمانة؛ فقدمت جهودا جبارة لإعادة الحياة البرية إلى عهود ازدهارها قبل أن تفتك بها أيادي الصيادين المغمورين المنتشين بسهولة الصيد في ظل انتشار البنادق الحديثة والسيارات العابرة للصحراء وأجهزة الرصد والتوجيه؛ هذه الإرادة الطيبة والرغبة الكريمة لدى الإخوة الإماراتيين بقيادة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان؛ والتي يعود من خلالها طائر الحبارى هذه الأيام (عبر مؤسسة حمد آل بطّي) إلى منطقة تيرس بعد عقود من الصيد الجائر الذي حوّل تلك الصحراء التي كانت إلى عهد قريب من أغنى الصحاري العربية والإفريقية بالحياة البرية إلى أن أصبحت مهددة بفناء شامل لكل مظاهر التنوع الحيوي.
هذه الإرادة الإماراتية الكريمة، صادفت اهتماما رسميا كبيرا لدى السلطات الموريتانية تجسّد في الحملة التحسيسية التي أطلقها معالي وزير البيئة والتنمية المستدامة من مدينة أطار تنفيذا لتوجيهات فخامة رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز والحكومة بقيادة المهندس يحيى ولد حدمين؛ والتي سيستكملها في بقية ولايات الشمال : تيرس زمور (منطقة الإطلاق) وإينشيري وداخلت نواذيبو، وبتنسيق وإشراف مباشر من السلطات الإدارية والأمنية؛ هذا فضلا عن الحضور القوي للمؤسسة العسكرية والأمنية التي رافقت العملية منذ كانت في طور الفكرة، واحتضنتها وقدّمت لها كل التسهيلات حتى أصبحت واقعا على الأرض.
وكانت مؤسسة (حمد آل بطي) قد أطلقت خلال الأيام الماضية ما يزيد على 200 من الحبار؛ مُستقدَمَةً من منطقة إكثارها في المغرب؛ وتستعد لإطلاق 2250 في الأيام القليلة القادمة.
وطائر الحبارى من الطيور العربية المشهورة، التي استوطنت بكثافة في منطقة شمال إفريقيا عموما وفي موريتانيا خصوصا منذ القدم، وعلى الرغم من أن هذا الطائر الجميل كان دائما يتعرض للصيد إلا أن عمليات قنصه كانت محدودة بحيث تسمح بالتوازن بين تكاثره وصيده؛ ومع توافر السيارات والبنادق، لم يتبق من الحبارى إلا القليل، فأصبحت مهددة بالانقراض مع حيوانات برية أخرى كثيرة انقرضت أو أوشكت على الانقراض كالغزلان والنعام؛ وحتى الأرانب بفعل بطش الصيادين الذين يشعرون بالحماس والنصر وهم يفتكون ويشوّهون ويتسلّون بأهم مقوّمات استقرار النظام البيئي في بلادهم.
ونظرا للمجهودات الكبيرة التي بذلتها الجهات المعنية في سبيل استقدام هذا الطائر وإعادة توطينه؛ فإن الجهود الخيرة لابد أن تتضافر لتوفير الإيواء والحماية اللازمين؛ بحيث يتم التعاون ما بين المؤسسات الحكومية والأمنية ومنظمات المجتمع المدني التي تُعنى بحماية الطبيعة؛ وتعبئة وسائل الإعلام وتزويدها بعناصر التوعية لتحقيق ما يلي :
1- الرفع من مستوى الوعي لدى المواطنين بأهمية المحافظة على الطبيعة عموما، وأهمية حماية طائر الحبارى من كل أنواع الصيد خصوصا؛ وضرورة الإبلاغ عن أي حالة تعدي بهذا الخصوص.
2- استصدار تشريعات صارمة مصحوبة بعقوبات رادعة لكل من تُسوّل له نفسه الصيد في المناطق موضوع الحماية؛ بل واعتبار الصيد في تلك المناطق اعتداء على رموز السيادة الوطنية، لما يترتب عليه من إساءة إلى سمعة البلد وعلاقاته مع شركائه وأشقائه العرب.
3- الاستفادة من تجارب بعض البلدان الرائدة في هذا المجال ككينيا والمغرب وتنزانيا والجزائر وطاجيكستان؛ وذلك من خلال استخدام طائرات مروحية مزودة بكاميرات وأجهزة رصد دقيقة تُتيح لها استشراف وتصوير مساحات شاسعة وإرسال إشارات للعاملين في المحمية من حراس ودوريات للتدخل السريع على الأرض للقبض على المخالفين.
4- تكوين وتدريب حراس المناطق المحمية وتزويدهم بأجهزة رصد حديثة ومضاعفة أعدادهم ومخصصاتهم المالية وتحفيزهم؛ للرفع من مستوى كفاءاتهم وأدائهم.
5- تقديم معُونات اجتماعية للسكان المحليين ورعاة المواشي والبدو الرحل لتحفيزهم وتشجيعهم ودمجهم بالتالي في عملية الحماية.
6- وأخيرا منع إزالة الغطاء النباتي؛ بل والعمل على زيادة المناطق الخضراء من خلال التشجير الموسمي بواسطة البذر الجوي للأنواع النباتية الصحراوية المقاومة للجفاف لتوفير المأوى والغذاء لطائر الحبارى وللكائنات الصغيرة كالسناجب والسحالي وفراخ الطيور والفئران والجراد والخنافس والعقارب وغيرها من مصادره للماء والغذاء.