موريتانيا: كيف يري لحراطين التمييز الإيجابي؟
"ان تهميش لحراطين في الحياة اليومية، أمر بديهي وهمجي في آن واحد.
ويبدو ذلك جليا من حيث الحرية الفردية والاستقلالية الجماعية، فضلا عن العجز في الولوج الي التعليم والخدمات الاجتماعية الأساسية، و بل وأكثر من ذلك، في الثروة الوطنية أو السلطة السياسية.
فلا تزال تتسم الحالة العامة لهذا المكونة ألاجتماعية بالعبودية ومخلفاتها، حيث يسود الاقصاء والجهل والفقر، دون أي مبالاة من السلطات العمومية".
ذلك ما استخلصه " ميثاق من أجل الحقوق السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية للحراطين ضمن موريتانيا الموحدة، العادلة والمتصالحة مع نفسها'.
ويري محرروا ذلك الميثاق الذي تم نشره سنة 2013 " أنه، من حيث الجانب الديموغرافي، فإن لحراطين يمثلون ما يناهز 50 بالمائة من مجموع سكان البلد، لا يزالون الفئة الأكثر تهميشا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا".
ومن أجل سد الفجوة بين هذه المكونة الاجتماعية (احفاد العبيد) والمكونات الأخرى في البلد، كثيرا ما يتم اقتراح، من ضمن أراء متعددة، سياسة التمييز ألايجابي.
فكيف يمكن إذا تنفيذ ذلك التمييز الإيجابي في موريتانيا؟
وللإجابة علي ألسؤال التقينا ببعض لحراطين الذين لم يسبق لهم التعرض الي ممارسة مباشرة للعبودية، حيث ادلوا بالشهادات التالية :
الاستاذ العيد محمد امبارك،
"إذا واصلنا المسار كما هو الحال، فإن التمييز الفعلي سيستمر".
العيد محمد امبارك، البالغ من العمر30 عاما، محامي معتمد لدي سلك المحامين الموريتانيين.
كما ينحدر من بلدة اندياغو الواقعة في جنوب موريتانيا، على ساحل المحيط الأطلسي وعلى بعد عشر دقائق سيرا على الأقدام من احد مصبات نهر السنغال.
وواصل العيد دراسته، بعد المرحلة الابتدائية في تلك البلدية، في اعدادية روصو، قبل أن يحصل على البكالوريا، شعبة الآداب الحديثة في نواذيبو، العاصمة الاقتصادية لموريتانيا.
وفي عام 2001، حاز علي شهادة الماجستير في القانون الخاص في جامعة نواكشوط، حيث كان ينشط في اطار المنظمات الطلابية.
وقد تعرض للاعتقال لبضعة اشهر اثر إضرابات وهو آنذاك، عضوا مؤسسا لاتحاد الطلبة الموريتاني،.
ودرس العيد أيضا في مدرسة سلك باريس للمحامين و جامعة غاستون برجي بسانت لويس في السنغال.
فكيف يناضل أكثر هذا الخبير ألتجاري المتخصص في قانون الشركات، في قضايا حقوق الإنسان؟
"الامر مرتبط بالسياق. انني انحدر من اسرة من لحرطين.
وحتى، ان لم نعش منذ عهود الاستعباد في هذه الأسرة فيبقي الشعور بآثار العبودية والإحساس بالقرب من ضحايا الرق و مخلفاته، كعدم الولوج الي الخدمات والتعليم والموارد ألاقتصادية، يقول العيد، الذي يضيف :
"لم اعش، كأبي وجدي وربما اجدادي من قبل، ما يسمى بالرق. وهذا ما جعلني حرطان، وهو لفظ يطلق علي العبيد السابقين أو أحفاد العبيد".
ويعتبر هذا عائقا بدائي يستعصي التغلب عليه، يستطرد المحامي.
"اننا مضطرون لبذل جهد إضافي مقارنة مع الآخرين. لقد وجدت نفسي مضطرا وانأ ادرس في الثانوية في روصو موريتانيا، للعمل لأصمد.
إن مشوارنا التعليمي يتأثر كثيرا من جذورنا ألأصلية. لذلك، يكاد يمثل وصول الطلاب من لحراطين، في ظل الظروف الحالية، الي الجامعة معجزة، لأنهم ينحدرون من اسرغالبا ما تكون أمية و بدون وسائل و لا تولي أي اهتمام للتعليم "، يقول الاستاذ العيد.
وهل ينطبق ذلك علي مهنته؟ وهل يواجه المحامي الحرطاني صعوبات ذات صلة بهويته كحفيد للعبيد ؟
وهنا يجيب المحامي دون تردد: "لم أتعرض قط في عملي، لأي تمييز أو عرقلة، ذات صلة بوضعيتي كحرطاني ولا مع زملائي في المهنة، ولا مع الجهات الفاعلة الأخرى في قطاع العدالة.
فإذا كان الشخص يتمتع بمستوي تعليمي جيد وبقدر من الكفاءة، فإنه يتطور دون عائق كبير.
ومن اجل التألق و التقلقل المهني، فاننا تضطر نحن لحراطين الي بذل جهد اكثر من الآخرين، إلا ان تطورنا يستمر بشكل طبيعي، بعد الوصول الي ذلك المستوي من الكفاءة".
أسباب ضعف التمثيل
وفيما يتعلق بأسباب ضعف تمثيل لحرطين في هيئات النفوذ أو في الوظائف (الأطباء والمحامون وألاساتذة الجامعيين والقضاة ...)، فيتم تبريرها بتأخرهم في حيازة الشهادات و الافتقار الي التكوين. هل هذه المبررات صائبة؟
ويرد الاستاذ العيد علي هذا السؤال قائلا : " الامر هو كذلك بالضبط. ان لحراطين القادرين على تمويل دراسة أبنائهم في الخارج قليلون. ففي ازيد من مجموع 300 قاضي موريتاني، تم اكتتابهم في 2009، لم يتجاوز عدد لحراطين العشرة. وقبل هذا، كان يضم سلك القضاة حرطاني واحد.
اما في سلك المحامين الموريتانيين، فيوجد 10 حراطين فقط من ضمن 300 أشتاذ.
ولهذا السبب، تصبح مسألة التمييز الإيجابي أمرا ملحا و ضروريا. فلن يتغير أي شيئ مع اسمرار الوضع القائم، بسبب استمرار التميز".
كيف يكون اذا هذا التمييز الإيجابي في موريتانيا؟ وما هي الطريقة التي يسير بها ؟
ويوضح المحامي في هذا المضمار، أن موريتانيا ليست حالة معزولة، لأن بلدان أخرى شهدت حالات مماثلة.
"فالمنطق بسيط"، يقول العيد، مشيرا الي "أن جزء من السكان يسير وراء البعض الآخر بسبب وقائع تاريخية، ألا وهي العبودية، حتى أن الذين تحرروا من تلك ألممارسات، ما فتئوا يعانون من آثارها، الكامنة في الجهل وانعدام الوسائل و ضعف الموارد المالية ... ان هذه الشريحة لن تشهد تقدما الي الامام، إلا بفضل تحسين ظروفها التعليمية والاجتماعية والاقتصادية ... ، وإلا فستبقي متخلفة باستمرار".
ويري المحامي، انه من واجب الدولة أن تبذل جهدا لتضييق الفجوة، والا، "سيبقى لحراطين في درك السلم، غائبين عن مؤسسات الدولة، من الوظائف العسكرية السامية والمسؤوليات العالية في الطبقة السياسية".
هل تمثل وكالة "التضامن" حلا جديرا ؟
لقد أنشات الحكومة الموريتانية، سنة 2013، "وكالة التضامن، لمحاربة آثار الاسترقاق و مكافحة الفقر و بالدمج".
هل تمثل تلك الوكالة حلا جديرا، يمكن أن يساعد في تضييق الفجوة بين لحراطين والمكونات الوطنية الأخرى؟
ويقول الاستاذ العيد، ردا علي هذا السؤال، أن وكالة التضامن التي بعثت الآمال مع إنشائها "لم تأخذ بعين الاعتبار في انشطتها، مبدأ التمييز الإيجابي، مبينا أن الاهم "لا يكمن فقط في تشييد المدارس ، في الوقت الذي توجد فيه تلك المؤسسات منذ 20 سنة".
انه من الضروري، يضيف المحامي أن " يقتنع لحراطين بأهمية هذه المدارس، وأن يحصل أبنائهم علي الوسائل التي تمكنهم من البقاء فيها حتى الجامعة، وإلا، فسيستمر ري الصحراء بالخرسانة دون أي جدوي".
ويري العيد أنه ينبغي علي عمل وكالة التضامن ان لا يقتصر علي بناء المدارس والمراكز الصحية.
"بل يجب عليها أن تتدخل في جميع المجالات، بما في ذلك الاقتصادية والسياسية".
عشرة نواب من ضمن 147
ويواصل العيد ردوده قائلا : "يبلغ عدد النواب من لحراطين في الجمعية الوطنية، 11 ضمن 147 نائبا. هل يعتبر هذا التمثيل عادلا؟ لا بد من طرح السؤال. لماذا لا يتم تمثيلهم بشكل منصف ؟ لماذا لا يوجدون في البرلمان؟ هل يمتلكون الوسائل الاقتصادية للترشح وكسب أصوات الناخبين؟ هل تم تحسيسهم بالقدر الكافي حول القضايا؟ "
ونشير هنا، أنه بالنسبة للتمثيل البرلماني، فالأحزاب السياسية هي صاحبة تحديد المرشحين لمقعد النائب. ربما تكمن المشكلة في أمور؟
ان المشكلة، يقول المحامي، "لا تتعلق فقط بالسلطة، بل تتعلق بالنظام السياسي بأكمله وبكل المجتمع.
انه من واجب ألنظام صاحب السلطة وقوة التنفيذ و المهيمن علي وسائل التغيير، أن يعطي المثل الاحسن، عبر مؤسساته وبرامجه ...
فإذا قرر الحزب الحاكم ان يرفع بشكل كبير حصة لحراطين في لوائحه المرشحة، فسيقوم الآخرون باجراء يصب في نفس الاتجاه. فيوجد في داخل البلاد، تمركز مكثف للحراطين من حيث الوزن الديمغرافي، الا ان الامعان في منتخبي هذه المناطق والمقاطعات لا يعكس تلك الحقيقة".
من اجل تمثيل متوازن
يتضمن ميثاق من أجل الحقوق السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية للحراطين ضمن موريتانيا الموحدة، العادلة والمتصالحة مع نفسها، مقترحات تسير في اتجاه التمييز الإيجابي وتسعي حتى الي تحديد حصص لهذه الشريحة في المناصب السامية ذات المسئولية في الإدارة. والاستاذ العيد هو احد حملة الميثاق الآنف الذكر.
ويوضح المحامي أن الوثيقة "تقترح مشاركة متوازنة، أعمق من الحصص، أكثر توحيدا وأكثر شمولية".
"ان الموريتانيين البيض يحتلون منذ الاستقلال، 80٪ من الوظائف الحكومية و الزنوج 10٪ إلى 15٪ والباقي للحراطين"، يضيف العيد.
اني اعارض نظام المحاصصة، الذي يكرس اللون بصفة مستمرة ويعطي للهيئات طابع عرقي.
انني ارغب كثيرا في أن تتألف غالبية الحكومة، لمدة سنتين أو ثلاثة، من السونينكي أو البولار..."
مريم منت بلال، إطارة في سوملك
"أنني أنتمي الي الاستثناءات التي تؤكد القاعدة"
تعمل مريم منت بلال، خمسين سنة، كأطارة في الشركة الموريتانية للكهرباء سوملك. فهي أيضا عضوا في المكتب التنفيذي لحزب تكتل القوى الديمقراطية و هو أحد احزاب المعارضة الموريتانية، كانت مريم من ضمن نوابه في الجمعية الوطنية، مدة 8 سنوات.
لقد تلقت مريم تعليمها الابتدائي في بوتلميت، وهي المدينة التي تقع علي بعد 150 كيلومترا من نواكشوط.
وحصلت منت بلال، بعد ان حازت البكالوريا، على شهادة الماجستير في المعلوماتية والتسيير، في المعهد العالي المعلومتى بنواكشوط، اضافة الي دراستها للاقتصاد السياسي في إيطاليا، حول "العولمة وسوق العمل" في كندا.
كما حصلت منت بلال علي شهادة السلك الثالث في تسيير المشاريع في الجامعة الدولية للفرانكفونية "جامعة سنغور في الإسكندرية بمصر".
"لم أتعرض قط للرق، بشكل مباشر، كما يبدو ذلك جليا من خلال مشواري. الا انني أشاهد يوميا تلك الممارسة من حولي منذ طفولتي "، تقول مريم، التي تلفت الانتباه الي الاهمية الكبيرة التي توليها لمسألة الرق و للظلم عموما.
"لقد ناضلت في النقابات قبل أن أزاول السياسة، حيث انني عضوا في الاتحاد العام لعمال موريتانيا.
إنني أناضل من أجل العدالة والقضايا الوطنية "، تضيف منت بلال.
وتري مريم، إنه من الممكن تطبيق التمييز الإيجابي، الذي هو مصطلح له جوانب إيجابية وأخري سلبية، على موريتانيا.
"اما فيما يتعلق بالمزايا، فالتميز الايجابي يجد ارضية صالحة
ضمن الإطار العام للمقاربة حسب الجنس، التي لا تتعلق، عكسا لما يعتقده الكثيرون، بالمرأة فقط.
وانما هو مفهوم يهدف إلى إقامة مساواة بين جميع المواطنين، بما فيهم لحراطين، الذين يجدون صعوبات في التمتع الكامل بحقوقهم.
ان التمييز الإيجابي آلية ناجعة إذا تم استغلالها بشكل إيجابي، بوصفها تتيح للمواطن، الفرصة في النجاح".
اما في ما يتعلق بالجانب السلبي: "فان اختيار الأقل استحقاقا للاستفادة من الحصص، يقود لا محالة الي الفشل. ويبرر البعض ذلك بإدعائه أنهم احراطين، مما جعلهم يفشلون".
اننا نلاحظ عدم التكافؤ الجنسي مثلا، في الجمعية الوطنية الموريتانية، حيث لا يكاد توجد نساء من لحراطين.
وتضيف مريم منت بلال أن "القانون هو الذي يخصص حصة بنسبة 20 في المائة من المقاعد للمرأة، وهو شكل من أشكال التمييز الإيجابي، مكن عدد هاما من النساء من دخول الجمعية".
و هناك ملاحظات أخرى: كمشكلة تعليم الفتيات في موريتانيا والذي يتفاقم و يستعصي اذا كن من لحراطين.
لقد تابعت منت بلال، دراستها الجامعية في إيطاليا ...
وتقول مريم : "أنني أنتمي الي الاستثناءات التي تؤكد القاعدة. لقد تلقيت دراستي كلها بشكل مجاني. ففي الوقت الراهن، ومع انعدام الوسائل، يبقي الحصول على تعليم جيد، امرا صعب المنال، بسبب اخفاق النظام العام".
التعليم، مفتاح النجاح
هل يعتبر عمل وكالة التضامن، التي تتدخل، في مجالات عدة، بما فيها تشييد المدارس في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية من شريحة لحراطين، شكل من أشكال التمييز الإيجابي؟
وتجيب منت بلال علي السؤال قائلة:
"المشكلة لا تكمن في المدارس، وانما في الطاقم التربوي المتسلح بالكفاءات والمختص و الجدي و المتفاني و كذلك المضمون... وهي أمور غير مدرجة في تدخل التضامن".
وربئا لهذا العائق، تدعو مريم إلى التعليم، كمفتاح للنجاح و للأمم و ولثقافة التسامح.
وتري منت بلال ان التطبيق الجدي للتمييز الإيجابي اصبح امرا ملحا للغاية، لأن "هدف المساواة بين مختلف مكونات المجتمع الموريتاني سيبقي دون جدوي و بلا نتائج في ظل استمرارنا على نفس الأسس.
فهنالك من تقدموا كثير في الركب حيث انه من شبه المستحيل ان يلتحق بهم الآخرون دون جهد وطني كبير ودون روح من التقاسم".
يتواصل مع شهادات أخري
خليلو ادياغانا
تم انجاز الملف في اطار مشروع: "حرية، قانون وعدالة: محاربة الرق عن طريق النسب في موريتانيا" بالوزارة الخارجية الأمريكية