يتغير نمط حياة الإنسان بمجرد أن يتزوج تبعا لانتقاله من مرحلة العزوبية إلى مرحلة الزواج وتضاف إليه أدوار جديدة محمّلة بتعدد المسؤوليات وتتحول أهدافه من أهداف تتعلق بتحقيق ذاته ورغباته الشخصية إلى أهداف مشتركة مع الطرف الآخر. ثم وبمجرد إنجاب الأبناء تزداد المسؤوليات خصوصا منها تلك المنوطة بعهدة المرأة.
وتتطور الأهداف لتصبح متعلقة أكثر بمستقبل الأبناء والأسرة ككل. هذا ما يجعل الزوجين يبتعدان أكثر فأكثر عن إشباع رغباتهما الذاتية وعن تحقيق طموحاتهما، سواء في العمل أو في العيش بحرية والتمتع بأوقات الفراغ. وتجد الزوجة نفسها أمام العديد من المهام اليومية منها المرتبطة بزوجها ومنها ما يخص الاهتمام بالأبناء وكذلك ما يهم شؤون البيت.
وفي مجتمعاتنا العربية توكل أغلب مسؤوليات البيت والأبناء إلى الزوجة. وأمام كثرة الأعمال المطلوبة منها إنجازها يوميا تنسى غالبية النساء التمتع بحياة خاصة بهن، فلا تجدن الوقت لا للاهتمام بأنفسهن ولا لتحقيق رغباتهن الشخصية ولا لإمتاع أنفسهن، سواء من خلال التجميل أو ممارسة الهوايات والرياضات المفضلة أو الخروج للتنزه ومقابلة الأصدقاء لقضاء أوقات ممتعة. ويمكن الجزم بأن غالبية المتزوجات والأمهات تكرسن معظم جهودهن وأوقاتهن للإيفاء بالمسؤوليات الأسرية.
هذا النكران للذات، الذي قد يكون عن طواعية أو عن غير إدراك من المرأة، يجعل فوائد الزواج بالنسبة إليها محدودة تبعا لتراجع اهتمامها بنفسها صحيا وجسديا ونفسيا مقابل تركيزها على إسعاد الأسرة والأبناء، وهو ما أكدته دراسة أميركية جديدة كشفت أن النساء العازبات أو المطلقات يعشن حياة صحية أكثر من المتزوجات.
وأوضحت الباحثة التي قامت بالدراسة راند كوتوب المختصة في طب الأسرة أن هذا الاستنتاج يرجع إلى توجه العازبات أو المطلقات إلى الاهتمام بأنشطة صحية أكثر نظرا إلى اهتمامهن بأنفسهن أكثر من المتزوجات.
وقالت راند “أجريت مع مجموعة من الزملاء العديد من الدراسات التي شملت أكثر من 79 ألف امرأة تجاوزت أعمارهن 50 عاما، وقمنا أثناء الدراسة بمراجعة الملفات الطبية التي شملت معلومات عن ضغط الدم ومحيط الخصر والنظام الغذائي والنشاط البدني، وقسمنا النساء إلى مجموعتين: المجموعة الأولى كانت من النساء المتزوجات، أما الثانية فكانت متكونة من المطلقات، ولاحظنا أن معظم النساء يكتسبن وزنا زائدا مع التقدم في العمر، لكن ما يلفت النظر أن النساء المتزوجات ازداد وزنهن أكثر من النساء المطلقات، وهذا الأمر انعكس سلبا على حالتهن الصحية، خصوصا أنهن بدأن باكتساب الوزن في الأربعينات من العمر”.
وأرجعت الدراسة سبب الزيادة في الوزن عند النساء المتزوجات إلى نمط الحياة اليومية بعد الزواج، حيث تنقص ممارسة الرياضة بسبب ضيق الوقت والانشغال بالأعمال المنزلية، في حين تحاول المطلقات التخلص من اليأس الذي يسببه الطلاق بممارسة النشاطات التي يحبذنها ومن بينها الرياضة.
وركز بحث أميركي أجرته متخصصة علم النفس الاجتماعي بيلا دي باولو من جامعة كاليفورنيا في سانت باربرا على العازبات أكثر من المطلقات واعتمد على 814 دراسة شملت العزاب والمتزوجين، وتوصلت الباحثة إلى أن الشخص الأعزب يميل إلى الاعتماد على نفسه أكثر من المتزوج الذي يمكن أن يستعين بالشريك. لذلك فإن الأعزب يمتلك دوافع وقدرة أكثر من غيره للنمو والتطور عبر تقدمه في تحقيق أهدافه. كما أظهر البحث أن الأشخاص العزاب يبدون اهتماما أكثر بالتواصل مع أسرهم وأصدقائهم وزملائهم وجيرانهم. وأوضحت دي باولو ذلك بقولها إن “الإنسان عندما يتزوج يصبح أكثر انطواء”.
وتظهر المقارنات التي قامت بها هذه البحوث أن رابط الزواج ليس بالضرورة وسيلة لتحقيق السعادة واكتساب حياة صحية. كما تكشف الوجه الآخر للعزوبية حيث تقدم الجانب الإيجابي فيها، وهو ما يحيلنا إلى أن الشخص الأعزب لديه القدرة على الظفر بحياة سعيدة والتمتع بصحة جيدة وذلك من خلال اهتمامه بنفسه والقيام بكل ما يحقق له الراحة النفسية والتوازن دون زواج.
وهو ما من شأنه أن يقوّض الأحكام السلبية تجاه العزوبية المتواجدة بكثافة في مجتمعاتنا العربية، حيث أصبحت فئات واسعة من الشبان والفتيات تعاني من العزوبية التي غالبا ما يطلق عليها العنوسة لتنطلق النظرة السلبية إليها من تسميتها.
وتظل أعباء الحياة الأسرية ومسؤوليات الزوجين المتعددة، بدءا بالاهتمام بالأبناء مرورا بمجابهة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية لتأمين متطلبات البيت والأبناء وصولا إلى المشكلات العائلية وتكدس المسؤوليات على الزوجة والأم، من أهم نقاط ضعف الزواج.
ويمكن ألا تروق نتائج الدراسات الجديدة إلى البعض على اعتبار أنها تشجع على اعتماد أسلوب عيش يقوم على الأنانية والتركيز على إرضاء النفس، فيما يرى البعض الآخر أنها تشجع على الطلاق أو على العزوف عن الزواج، لكنها في الوقت ذاته تثبت أن تحقيق التوازن ومتعة الحياة ليسا رهنا بالزواج.
كما أنها بنتائجها هذه تحمل مواساة للمطلقين والمطلقات خاصة منهم الذين يتصورون أن حياتهم انتهت بفشلهم في الزواج. كما تفتّح أنظارهم وأنظار العزاب على أن تحقيق السعادة والتوازن والتمتع بصحة جيدة، ممكن تحقيقهما دون ارتباط زوجي. وهي في الآن ذاته تنبه المتزوجين إلى أن نكران الذات وإهمال الطموحات الشخصية وإهمال نمط العيش الصحي بحجج البذل والعطاء في سبيل الأسرة والأبناء، تؤثر مع مرور الوقت على صحة الإنسان النفسية والبدنية وتفقده معاني السعادة الحقيقية.