وجد علماء النفس دليلاً على أن الأثرياء يولون اهتماماً أقل لمن حولهم، مقارنة بالأشخاص ذوي الوضع الاجتماعي الأقل، فالأغنياء لا يعتبرون أننا نُمثل أي تهديد لهم ولا نُمثل مصدر كسب مُحتمل، لذا فهم يتجاهلوننا من الأساس.
وحسب صحيفة “هافينجتون بوست” الأمريكية عن موقع Science Alert، قال قائد الفريق بيا ديتز، من جامعة نيويورك “خلال الدراسات الميدانية، وفي المختبر وعلى الإنترنت، وثق بحثنا أن البشر أكثر احتمالية للفت انتباه الأفراد الأدنى منهم في المُستوى عن الأفراد من الطبقة الأعلى منهم مثل الجماعات الثقافية الأخرى، تؤثر الطبقة الاجتماعية على معالجة المعلومات بطريقة كبيرة وعفوية”.
من المهم أن نلاحظ هنا أن الفريق لا يقول بأن الأغنياء يتجاهلون بقية العالم عمداً، بدلاً من ذلك فإنهم يعتقدون أن هذا السلوك عبارة عن ظاهرة نفسية متأصلة الجذور ثقافياً وتُعرف باسم “الأهمية المُحفزة”، بعبارة أخرى فإننا نولي المزيد من الاهتمام البصري إلى الناس أو الأشياء التي يمكن أن تُفيدُنا أو تضرنا وبالنسبة للأغنياء، هذه الأمور ليست موجودة في الطبقات الاجتماعية الأدنى منهم.
الطبقة الاجتماعية هي السبب
لاختبار هذه الفرضية، قام الفريق بإجراء سلسلة من التجارب، أولاً جمعوا 61 من المارة في مدينة نيويورك وألبسوهم نظارة جوجل، وهذا بعدما طرحوا عليهم مجموعة من الأسئلة لقياس ما الطبقة الاجتماعية التي يُعرفون أنفسهم بالانتماء لها.
قيل للمشاركين إنهم هناك فقط لمجرد اختبار هذه التقنية الجديدة، وطُلب منهم ببساطة السير في الشارع، ثم حلل الفريق لقطات الفيديو التي تم التقاطها لرؤية ما الذي كانوا يُلاحظونه حولهم الأشخاص على وجه التحديد أثناء سيرهم، يوضح الفريق “أشارت النتائج إلى أنه لا يبدو أن الطبقة الاجتماعية تلعب دوراً في عدد المرات التي ينظر فيها مرتدو النظارة إلى الآخرين”.
“لكن الطبقة الاجتماعية ارتبطت بمقدار الوقت الذي يقضيه في النظر إلى المارة: فقد قضى المشاركون الذين يصنفون أنفسهم بأنهم في طبقة اجتماعية عالية وقتاً أقل في النظر إلى الأشخاص الآخرين من أولئك الذين صنفوا أنفسهم في طبقة اجتماعية أقل”.
ولدعم هذه التجربة قام الفريق بإجراء تجربة أُخرى ولكن هذه المرة من خلال الإنترنت، وشارك بها 393 شخصاً. عُرضت صورة وجه لشخص بالإضافة لبعض الأشياء. ثم أُخفيت وعُرضت مرة أُخرى وطُلب من المُشارك أن يُحدد إذا ما كان هناك شيء مختلف في الصورة.
وجد الباحثون أن المنتمين إلى الطبقات الاجتماعية العليا استغرقوا وقتاً أطول من أولئك المنتمين للطبقات الدنيا؛ لملاحظة أن الوجوه المعروضة على الشاشة تغيرت، ما يعني أنهم لا يولون اهتماماً كبيراً للأوجه، مقارنة بأعضاء الطبقات الاجتماعية الأقل منهم.
يقول الفريق إن هذا يقوي الفرضية القائلة بأن أولئك الموجودين في طبقات اجتماعية أقل ينظرون لفترة أطول ويمنحون المزيد من الاهتمام إلى من حولهم، مقارنةً مع أفراد الطبقات الأعلى والذين لديهم دافع نفسي أقل للقيام بهذا الأمر.
سلوك متأصل ثقافياً
أظهرت التجربة أيضاً أن الأثرياء لا يدرون أنهم يتجاهلون الناس، بدلاً من ذلك يبدو أن هذا السلوك متأصل ثقافياً، لكن لا يزال هناك الكثير من الأبحاث اللازمة لفهم كيفية حدوث ذلك، من المهم أن نلاحظ أن المشاركين أنفسهم هم من قرروا الطبقة الاجتماعية التي ينتمون لها، وهو الأمر الذي يمكن أن يُحرف النتائج، كما أن استخدام نظارة جوجل في البحث أمر مُثير، فالناس على الأرجح ستنظر حولها بشكل مختلف حين ترتديها، وخاصة لأول مرة، لذلك علينا ألا نقبل النتائج كحقائق.
لكن كما لاحظ الباحثون، فالتحقيق في كيفية تواصلنا مع بعضنا البعض على أساس المكانة الاجتماعية يمكن أن يؤدي إلى التعمق في فهم القضايا الاجتماعية التي تحدث من جراء ذلك، وقال ديتز “عملنا يسهم في قاعدة المعرفة المتزايدة حول تأثير خلفية الطبقة الاجتماعية على الفاعلية النفسية”، “كلما عرفنا أكثر حول تأثير الفوارق الطبقية الاجتماعية، تمكننا من معالجة القضايا الاجتماعية على نطاق واسع، هذا البحث مجرد قطعة واحدة من الصورة الكاملة”.