تأسست منافسات ملكات الجمال في البداية بجهود رجال أعمال محليين في مدينة أتلانتيك سيتي الأميركية عام 1921 كسبيل لتحسين موسم السياحة في المدينة.
وكان الهدف من وراء هذه الفكرة توظيف ملكة جمال أميركا في أدوار نموذجية تقتدي بها البلاد. وبمرور السنوات، سعت المنافسة، كما زعم مؤسسوها، إلى تغيير حياة البشر عبر خدماتها الإنسانية من خلال توعية ملايين الأميركيين بشأن موضوعات هامة تواجه مجتمعهم.
ملكة جمال أميركا السوداء
استمرت إقامة منافسات ملكات الجمال حتى عقد الثمانينيات وبقي اللقب يقتصر على الفتيات البيضاوات إلى العام 1983 عندما دخلت فانيسيا ويليامز التاريخ بوصفها أول أميركية سوداء تفوز باللقب وتتسلم عرش جمال البلاد.
لكنها وبعد عام واحد دخلت التاريخ من جديد عندما أجبرت على التخلي عن اللقب بعد نشر صور فاضحة لها في مجلة "بينتهاوس".
على الفور ساندها في محنتها تلك عدد من الشخصيات العامة البارزة، بمن فيهم الناشطات النسويات غلوريا شتاينم وسوزان براون ميللر. وسياسيون سود شأن جيسي جاكسون وبنجامين هوكس.
وأخذ ضجيج الانتقادات يتعالى على الحادثة وعلقت غلوريا شتاينم آنذاك: "يكشف هذا بجلاء تام عن المعايير المزدوجة التي تحيق بمنافسة انتخاب ملكات الجمال".
أما بنجامين هوكس فقال: "في الوقت الذي تُقيم أجساد النساء، تدان عين النساء لكشف أجسادهن على أرضية لا أخلاقية".
بعد تجريد فانيسيا من اللقب اعتبرت " كارول جيست" من ولاية ميتشغان أول أنثى سوداء تحرزه عام 1990 ومن ثم باتت أول وصيفة لملكة جمال الكون.
وكانت "كينيا مور" وهي أيضا من ولاية ميتشغان، المتوجة الثانية باللقب عام 1993؛ عملت "مور" في مجال الإعلام، وبرامج الواقع وأخذت تنتج الأفلام وتظهر فيها.
وكان لتشيلسي سميث من كاليفورنيا حكاية أخرى، فبالإضافة إلى فوزها بلقب ملكة جمال أميركا عام 1995 كانت أول أميركية تنعم بلقب "ملكة جمال الكون" خلال 15 عاما، وكان والداها من عرقين مختلفين.
وكانت المتوجة الرابعة "لينيت كول" التي أحرزت اللقب عام 2000، أول فتاة من ولاية تنيسي تفوز به.
وشأن "تشيلسي سميث" كانت "كول" ثنائية العرق، فلها أصول من بورتوريكو.
أما صاحبة التاج الخامس لعام 2002 "شانتي هينتون" والتي جاءت من الميسيسبي فقد عملت في الإعلام.
وهناك "رايتشل سميث" التي توجت عام 2007 وجاءت من ولاية تينيسي. وثمة جدل بشأن أصولها فالبعض يقول بأنها تنحدر من باناما.
"كريستيل ستيوارت" من ولاية تكساس وهي المتوجة السابعة بلقب 2008. وكانت نجمة برنامج تلفزيوني شهير.
وحازت الجنوب أفريقية " نانا ميريويذر" على تاج 2012 والتي لا تزال تحمله.
وكانت نانا في الأصل وصيفة لملكة الجمال "أوليفيا كولبو" التي أتاحت لنانا الفرصة عندما أصبحت ملكة جمال الكون.
مواقف النسويات ضد منافسات ملكة جمال
تجلى أحد أهداف النشاط النسوي في محاربة كل أشكال تشيئ الأنثى. وكانت منافسات الجمال على وجه الخصوص، مثار خلافات، ذلك أنها تستلزم استعراض شابات شبه عاريات والحكم عليهن تبعا لمقاييس أنثوية تقليدية ومثيرة للجدل.
في السابع من سبتمبر من عام 1968 نظمت النسويات الأميركيات احتجاجا ضد منافسة ملكة جمال أميركا انطلاقا من رؤيتهن إلى هذا الحدث كاستغلال للنساء وإهانة لهن.
وبغية تحويل الحدث إلى مناسبة هزلية، رشحت المتظاهرات خروفا للمسابقة وقذفن بأشياء ترمز إلى اضطهاد النظام الأبوي شأن حمالات الصدر، والمشدات، والرموش الاصطناعية، والأحذية عالية الكعب "في حاويات القمامة".
ودعت النشرات الإعلانية التي روجت للاحتجاج، النساء إلى المسير إلى أتلانتيك سيتي نهارا وجلب ما أطلقوا عليه "قمامة المرأة" بما في ذلك أعدادا من مجلات "كوزموبوليتان"، و"ليديز هوم جورنال" و"فيميلي سيركل" لحرقها.
ونظم الاحتجاج الذي أعلن مقاطعة جميع المنتجات التجارية ذات الصلة بهذه الاحتفالية، تجمع تحرير النساء في منتصف الليل ساعة تتويج ملكة جمال أميركا الذي كان يبث على شاشات التلفزة وعلى الهواء مباشرة.
ورغم أن المحتجات أعلن عدم نيتهن اللجوء إلى أساليب عنفية، إلا أنهن رفضن التعاون مع رجال الشرطة. وقلن في عبارة ساخرة تضمنت رسالة سياسية: "إن كانت هناك اعتقالات، فنريد أن يتم ذلك على أيدي شرطيات فقط"، فقد كن يعلمن أنه من غير المسموح للشرطيات آنذاك اعتقال أحد في أتلانتيك سيتي.
لم تمنح السلطات الاحتجاجَات الإذن بإشعال النيران في ذلك اليوم، وبذلك لم تتمكن المحتجات من إشعال حاويات "القمامة النسائية". رغم ذلك قيل في الصحافة "إن حمالات الصدر قد أُحرقت".
أصدرت المحتجات بيانا ركزن فيه على أسباب الاحتجاج وهي: الترميز المهين للمتنافسات وإظهارهن كفتيات معتوهات، وإظهار ملكة جمال أميركا كتعويذة موت عسكرية (وذلك عندما كانت الحكومة تجول بهن إلى الأماكن حيث تتواجد القطعات الحربية).
ومن الأسباب أيضا: تسويق الغش والخداع من خلال اللعب بنتائج المنافسة، وإبراز المرأة كموضوع من الثقافة الشعبية آيل إلى الزوال، إظهار المرأة كمركب لافت يجمع بين شخصيتي مريم العذراء والعاهرة، ووضع التاج غير المناسب على عرش لا قيمة حقيقية له.
وآخر الأسباب هو أن المنظمين يشعرون المرء وكأن ملكة جمال أميركا تراقبه بوصفها الأخت الكبرى، وهنا تمثل نموذجاً لدور قمعي شأن الأخ الأكبر، الذي تحدث عنه جورج أورويل في روايته "1984".