بين العنصرية، والعبودية، كيف نسعى إلى العدالة دون تخويف؟
بعد سنتين من السجن على خلفية جنحة رأي، وبعد أيام من إطلاق سراح ابراهيم ولد بلال وبيرام ولد الداه ولد اعبيد، تحدث هذا الأخير، يوم 11 يونيو 2016، على شاشة قناة STV2 السينغالية الحرة التي تبث من مقرها بدكار.
إن إعادة كتابة تلك التصريحات تُمـَكن من معرفة إلى أي حد وصل نضج وصقل مفاهيم خطاب مبادرة انبعاث الحركة الانعتاقية (إيرا) والمنظمات المتفرعة عنها في إطار حراك المطالب في موريتانيا.
الاختصار، الوضوح والعناية بالتعليمات تتباين (اليوم) مع الفترة الرائدة، الموصوفة تارات بالمتنافرة، وحتى بالشعبوية المفرطة.
حتى وإن لم يتنكر لشعارات البداية، ولم يعترف بقدراته الخطابية بالأمس، فإن بيرام الداه اعبيد يتناول آفاق الإلتزام (النضالي) بطموحات أكثر: التجسيد الفريد لما يشبه دينامية نقد ذاتي لعمل يتحسن في تحاش مطلق للعمل الفردي المنعزل، ثم يفتح الطريق للتحالف مع قوى التغيير، لكن دائما على أساس مشروع إعادة بناء الدولة.
مع ذلك، وبسبب بلورة الأمور طبعا، عمدت الصحافة وصنَعة الرأي في مصالح الاستخبارات الموريتانية، إلى تقديم تلك المقابلة على أنها استفزاز آخر. وخلال أيام قليلة سرت شائعات مفادها أن بيرام يدعو إفريقيا- جنوب الصحراء إلى اجتياح البلاد لنجدة السود المضطهدين. وتسلل التعكير إلى داخل إيرا نفسها وبعض المنظمات الصديقة لدرجة أنه تسبب تارة في إحداث خلافات.
من الواضح أن بيرام الداه اعبيد يزعج النظام عندما يتبوأ مكانة الجامع الموحد، ويفيد النظام كلما كان موقفه أو كانت كلماته تناسب تأويلا ذا طبيعة تثير وتصون التنافر العرقي. بينما أماط زعيم إيرا اللثام، انطلاقا من تلك المقابلة المنقولة حرفيا، عن أسباب ترشحه الأول للانتخابات الرئاسية، وشرح تأثير النظام القائم في مجتمع الاسترقاقيين السابقين، وفي نفس الوقت حذر هؤلاء من شرك التضامن الآلي مع فئة المفترسين من الحرس الإمبراطوري، المتخفين في زي مدني. وأخيرا مد اليد للوحدة المقدسة من أجل موريتانيا مبنية على السلام بعلاج أوحد، ألا وهو العدالة. ويمضي بيرام إلى مناشدة مواطنيه بقوله: "دون إنصاف، لسنا إخوة، ولن نكون كذلك أبدا".
بيرام الجديد، المجسد لأعراض الكفاح في أبهى كماله، يضع اللبنات الأولى لمسار يتشكل بحيث يجد فيه كل موريتاني فرصة التنافس على أساس عقد مواطنة: أي "نفس الحقوق للجميع".. هكذا تمكن عنونة المقابلة.
المقدمة بقلم: الكاتب الصحفي الشيخ حيدره
....................
نسخة مكتوبة من مقابلة بيرام الداه اعبيد على قناة 2STV السينغالية.
القناة: لقد رأيتم هذه الصور التي تتحدث عن نفسها. إنها صور واضحة للاستقبال الذي خصص لبيرام الداه اعبيد من مبادرة انبعاث الحركة الانعتاقية في موريتانيا. أذكر بأنه مناضل مناهض للرق ذائع الصيت ومدافع عن حقوق الانسان مشهور، أمضى 19 شهرا في السجن، وخلال الرئاسيات الأخيرة خرج في المرتبة الثانية بعد الرئيس الموريتاني الحالي ولد عبد العزيز. أولا، شكرا على قبول مقابلتنا. لقد اخترتم أن تأتوا إلى السينغال لإجراء هذه المقابلة. شكرا على هذا التشريف بادئ ذي بدء، لكن ماهي أسباب اعتقالكم؟
بيرام الداه اعبيد: أسباب اعتقالي تتمثل في فزع النظام الذي يعيد إنتاج نفسه منذ 1978. إنه نظام من الضباط المنحدرين من نفس المجتمع. ضباط رجعيون إزاء كل فكرة ديمقراطية وكل فكرة تعايش بين محتلف المكونات الموريتانية بمن فيهم الحراطين والبولار والسونينكي والولوف والبمباره والعرب-البربر. مجموعة ضباط قابعة في السلطة منذ سنة 1978، أسست ضيعة وخلقت بقرة حلوبا اسمهما الجمهورية الاسلامية الموريتانية على حساب كل الموريتانيين. وقد استخدم هؤلاء الضباط عنفا لا يوصف، ومارسوا الاستبداد والقمع، مستخدمين ميكيافيلية التفرقة بين مختلف المكونات، كما اصطفوا، جملة وتفصيلا، مع مجموعة إقطاعية استرقاقية أسست نمط حياتها على العبودية. إضافة إلى ذلك اعتمدوا حكامة عنصرية تستهدف وتقصي كل السود منذ عقود. لقد بدأوا أيضا (مع آخرهم: الجنرال محمد ولد عبد العزيز) في حرمان كل الأطر والشخصيات ورجال السياسة ورجال أعمال المجتمع العربي البربري، الذين رفضوا الانضمام إلى منظومة إعادة إنتاج نظام الزبونية والنظام اللاديمقراطي الذي يريدون ديمومته في موريتانيا، من الحياة السياسية ومن تسيير البلد.
كون بيرام الداه اعبيد ومنظة إيرا يتمكنون من البرهنة داخليا، وفي كفاح الشوارع، وفي الساحة السياسية، وفي ميدان حقوق الانسان، ولدى الدبلوماسية الدولية، على قدرتهم على تحدي النظام، وتسجيل نقاط مهمة ضده، وجذب تعاطف السكان الموريتانيين، وانضمام المواطنين الموريتانيين، وتعاطف المجتمع الدولي الديمقراطي، ومجتمع حقوق الانسان الدولي، فتلك هي جريمتنا وهي سبب سجننا.
القناة: عندما تتكلمون عن العنصرية، فإن اللوحة التي ترسمون تبدو غامضة، يجب الاعتراف بذلك. ما هي تمظهرات هذه العنصرية التي تتحدثون عنها؟
بيرام: المجموعة المفسدة التي تحكم موريتانيا منذ 1978 والمتشبثة بالسلطة، هي ذات المجموعة التي أثكلت وأدمت الموريتانيين. إنها مسؤولة عن محاولة الإبادة الجماعية التي استهدفت الموريتانيين السود خاصة مجتمع الفلان.
القناة: في أية فترة؟
بيرام: بين 1986 و1992: على مدى هذه السنوات تتابعت محاولات التطهير العرقي.
القناة: ماذا جرى بشكل ملموس؟
بيرام: تميزت تلك السنوات بترحيل شامل للسكان الموريتانيين السود بعشرات الآلاف إلى السينغال ومالي. كانوا موريتانيين بالسلالة وموريتانيين بالأصل. الأطر الموريتانيون، الفلاحون الموريتانيون، المعلمون الموريتانيون، الأطباء الموريتانيون، الممرضون الموريتانيون، المصرفيون الموريتانيون، الإداريون الموريتانيون، تم استهدافهم على يد الدولة التي حركت إدارتها ومختلف أسلاكها الأمنية، ومصالحها الاستخباراتية، فرموا عشرات آلاف الموريتانيين خارج بلدهم بجرم واحد هو أنهم موريتانيون من البولار، موريتانيون من السونينكي، موريتانيون من الفلان أو موريتانيون من البمباره. ثم إن هناك عمليات طرد جماعية لهذه الفئات الموريتانية من الوظيفة العمومية. يتعلق الأمر بملاحقات ومتابعات نوعية. لقد تم تنظيف الوظيفة العمومية تماما، أو شبه تنظيفها من كل الأطر الهالبولار والسونينكي والولوف والبمباره. كانت هناك أيضا اعتقالات جماعية بالآلاف. أوقف بعض الأشخاص بجرم واحد هو أنهم سود موريتانيون. لقد سجن الكثير منهم وتم قتل المئات منهم في إعدامات خارج نطاق القانون في إطار عمليات التطهير العرقي. قمة هذا التطهير العرقي وقعت يوم 28 نوفمبر 1990 في ثكنة ببلدة إنال على يد مجموعة من الضباط الموجودين الآن كشركاء الأساسيين في نظام محمد ولد عبد العزيز الحاكم حاليا.
القناة: أية مناصب يحتلون؟
بيرام: كلهم حاضرون في المشهد. ولد عبد العزيز نفسه كان الساعد الأيمن للدكتاتور حينذاك معاويه ولد سيد أحمد الطايع. هناك أيضا المدير العام لأمن ولد عبد العزيز والعديد من الضباط الآخرين.
القناة: ماذا حدث يوم 28 نوفمبر؟
بيرام: 28 نوفمبر هو يوم عيد استقلال موريتانيا. الضباط العنصريون الذين يقودون موريتانيا، وفي إطار التطهير العرقي للسود، خاصة الفلان، اختاروا يوم 28 نوفمبر 28 شخصا من الضباط وضباط الصف والجنود الموريتانيين من عرق الفلان الموريتانيين فأعدموهم شنقا كذبيحة أضحية.
القناة: 28 شخصا؟
بيرام: 28 شخصا تم شنقهم نفس اليوم كقربان لعيد استقلال موريتانيا: 28 نوفمبر 1990.
القناة: ما تقوله خطير!
بيرام: ذلك ما وقع بالفعل.
القناة: ولا أحد كان على علم بذلك؟
بيرام: منذ أن ولدت إيرا، قمنا بحملة تحسيس على المستوى الوطني والدولي ضد هذا النسيان، ضد هذا الصمت المذنب، ضد هذا التكميم المافيوي، وقدنا قافلة، كنت شخصيا على رأسها، يوم 28 نوفمبر 2011، سرنا بها إلى ثكنة إنال مع أرامل وأيتام مئات آلاف الزنوج الموريتانيين الذين قتلوا وقدموا قربانا لآلهة العنصرية. لقد قدتُ هذه القافلة التي صلـّـت على القبر الجماعي حيث يرقد أولئك الشهداء.
القناة: أين يوجد القبر الجماعي؟
بيرام: يوجد على بعد 450 كلم شمال نواكشوط في الحامية العسكرية بقرية إنال. هناك قبور جماعية أخرى منتشرة على التراب الموريتاني، إلا أن مجزرة 28 نوفمبر بإنال كانت الأكثر رمزية، غير أنه ثمة مذابح في أمكنة متفرقة، فـ 616 عسكري زنجي موريتاني اختفوا في إطار هذا التطهير العرقي.
القناة: لكن يقال بالنسبة لاعتقالكم، أنكم متهمون بحرق القرءان وبالردة، ماذا جرى بالتحديد؟
بيرام: هذا غير صحيح.
القناة: ماذا حدث؟
بيرام: ما حدث هو أنني قمت، بكامل إرادتي، بشكل علني ورمزي، أمام 800 شخص، أمام إعلاميين دوليين، أمام إعلاميين موريتانيين، بإحراق الكنانيش السوداء: كتب الاسترقاق المعمول بها حتى اليوم في موريتانيا.
القناة: ماذا تعنون؟ ما هي الكنانيش السوداء؟
بيرام: هي منظومة قوانين استرقاقية منصوصة منذ عدة قرون خلت. بالنسبة للمجتمعات الاسترقاقية بإفريقيا الشمالية، فهي مجموعة قوانين تقر بالتمايز بين مختلف الأعراق وحتى أنها تقر عدم المساواة بين البشر، وتقر بأن الأسود مرادف للعبد: الإنسان الأسود يساوي عبد. هذه الكتب تسمح للاسترقاقيين في موريتانيا ببيع وإخصاء العبيد وباغتصاب الإماء.
القناة: هذا يوجد حتى الآن في موريتانيا؟
بيرام: هذه الكتب تـُـدرَس وتدرّس في مدارس تكوين القضاة، ومدار تكوين ضباط الشرطة، ومدارس تكوين الأئمة، ومدارس تكوين العلماء، وهي منصوصة في مسطرة القانون الجنائي الموريتاني، ويعتبرها الدستور الموريتاني المرجع الوحيد للقانون في الجمهورية الاسلامية الموريتانية. كذلك تعد في موريتانيا التأويل السليم الوحيد للدين الاسلامي. هذه الكتب هي التي ظلت وبالا منذ قرون سحيقة على غالبية المجتمع الموريتاني: أكثر من نصف السكان الموريتانيين الذين هم حراطين. إنهم من تدعونهم هنا البيظان السود الذين هم عبيد استأصلهم الغزاة العرب-البربر من الإثنيات السوداء من السكان الموريتانيين الأصليين. هؤلاء يجعلون الانسان عبدا طبقا لنمط حياتهم: عبد خادم، عبد فلاح، عبد للاستخدامات الجنسية، الأمر قائم حتى يومنا هذا.
القناة: بعبارة أخرى، حتى اليوم يمكن أن نجد عبيدا في موريتانيا؟
بيرام: حتى الآن فإن 20% من السكان هم عبيد تمارس عليهم حقوق الملكية من قبل أسيادهم الذين يعود إليهم بشأنهم حق الحياة والموت. يعملون دون راحة، دون راتب، ليس لهم حرية الزواج، لا يملكون حرية السفر، ليست لديهم حالة مدنية.
القناة: في موريتانيا؟
بيرام: في موريتانيا. كما أنهم يخضعون للعقوبات ولبتر الأعضاء. في موريتانيا توجد حالة اللاعقاب التام لدى المجرمين الاسترقاقيين، السلالات الاسترقاقية، الأسر الاسترقاقية، الإقطاعيين الذين يواصلون ممارسة العبودية. إنهم يستفيدون من حالة الافلات من العقوبة لأنهم يشكلون المصدر الوحيد لتشريع سلطة الجيش ومحمد ولد عبد العزيز. النظام، رغم أنه غير شرعي من وجهة نظر ديمقراطية، يجد شرعيته من خلال الدعم الذي يمنحه هؤلاء الإقطاعيون، الناخبون الكبار من زعماء القبائل، والعلماء، العلماء بين أظافر، علماء دين يمارسون الرق حتى اللحظة.
القناة: إذن ما أحرقتم ليس القرءان؟
بيرام: ما أحرقته ليس القرءان. لقد أحرقت هذه الكتب لأكشف للموريتانيين وغير الموريتانيين تلك الحقيقة المتمثلة في كتب تنزع من القرءان طابعه الانساني. إنها تنزع منه طابعه الانساني، وطابع المساواة فيه، وطابعه القداسي، وطابعه الربوبي الذي يأمر ويوصي بالكرامة الانسانية واحترام الحياة البشرية واحترام الكائن البشري، الموصي بالعدالة، والموصى بالمساواة، والموصي بالحرية، والموصي بعبادة رب واحد، والموصي بالأخوة بين كل البشر دونما نظر إلى السلالة أو العرق أو لون البشرة. لقد أحرقت هذه الكتب لأدافع عن ديني: الإسلام، لأدافع عن كتابي المقدس: القرءان الكريم، لأن الكتب التي أحرقت ليست كتبا مقدسة، إنما هي كنانيش استرقاقية تــُـقوْنِـنُ الرق أوحاها أناس لمآرب شيطانية.
القناة: الاتهام الموجه لكم كان يقود مباشرة إلى المقصلة، أي إلى الحكم بالإعدام. غير أننا لاحظنا في هذا الملف الغريب أن الوجهة تحولت بأعجوبة وبسرعة إلى إطلاق سراحكم،
بيرام: نعم، عندما أحرقت الكتب الاسترقاقية، الكناش الأسود المقونن لملك العبيد في موريتانيا، أطلق رئيس الدولة الموريتانية ماكنة دعاية تدعو إلى اغتيالي، مستندة في تحريكها على الأئمة والعلماء وضباط الاستخبارات ومختلف الإداريين في قيادة البلد، فانطلقت مظاهرات تقف وراءها الدولة وشعارات تقف وراءها الدولة، تقف وراءها المخابرات، يقف وراءها رئيس الدولة نفسه الذي ترأس أول مهرجان يدعو إلى اغتيالي. إلا أن ردة فعل الخيّرين العدول في موريتانيا، ومجتمع العبيد والعبيد السابقين (الحراطين) في موريتانيا، ومختلف مجتمعات السود، إضافة إلى كل المستنيرين من ضمن المجتمع العربي-البربري، ردة فعل هؤلاء إذن كانت سريعة وثابتة، فكانت هناك مظاهرات في الشوارع تعارض شنقي...
القناة: معارضة للحكم عليكم بالإعدام؟
بيرام: نعم، معارضة للدعوة إلى إعدامي التي أطلقتها الحكومة الموريتانية خلال اجتماع لمجلس الوزراء يوم 4 مايو 2012 وأطلقها رئيس الدولة يوم 28 ابريل 2012.
القناة: رئيس الدولة شخصيا؟
بيرام: لقد أعلن رئيس الجمهورية، أمام جموع من زبنائه الاسترقاقيين وملإ من الأشخاص الذين تحركم مصالحه الاستخباراتية، أن بيرام يجب أن يؤخذ إلى المقصلة، أن على بيرام أن يؤخذ إلى المشنقة، غير أن ردة فعل المواطنين الموريتانيين كانت واضحة وصريحة وكانت متبوعة بردود المجتمع الحقوقي الدولي، وكانت الحكومة الموريتانية مرغمة على التراجع.
القناة: سنعود إلى كل ذلك. أذكر بأننا نستقبل بيرام الداه اعبيد من مبادرة انبعاث الحركة الانعتاقية (إيرا)، وهو مناضل مناهض للعبودية ذائع الصيت، مشهور بالدفاع عن حقوق الانسان، سجن لمدة 19 شهرا بسبب مطالبه.
أنتم الآن تحوزون دعما قويا من الولايات المتحدة الأمريكية، وقرأت مقالا في صحيفة لوموند يهتم باعتقالهم. لقد حصلتم على الكثير من المساندة على المستوى الدولي: بماذا تفسر هذه المساندة؟
بيرام: ما يمكن أن يفسر الدعم الذي أجد على المستوى الدولي، هو أنه منذ ميلاد إيرا، عكسا لمن سبقوني في الحركات، اختارت مقاربة نضالية جديدة، سلمية جدا، غير عنيفة، لكنها تركز على رفض كل المحاذير، ومن ثم تخريبها.
القناة: الغريب في ما تقولون يكمن في أن هناك 20% من العبيد؟
بيرام: 20% من العبيد الخــَــدَم يخضعون دائما لعبودية خدمية غير إنسانية في موريتانيا.
القناة: هناك مشاكل كثيرة يتعرض لها الأجانب؟
بيرام: يصدمني كثيرا أن السلطة في موريتانيا، النظام المهيمن في موريتانيا، بسبب جبنه، جعل من مجتمع البيظان دروعا. إنه لأمر كارثي، على المدى البعيد، ومن وجهة نظر سياسية، عندما نحيل مجتمعا بأسره إلى دروع. زمرة الحاكمين، الذين لا يكترثون بمصالح هذا المجتمع، جعلوا البيظان دروعا ويريدون أن يقولوا لهم: "أنتم هنا أمام خطورة بيرام، أنتم هنا أمام خطورة إيرا، أنتم أمام خطورة الحراطين، أمام خطورة السود". هذا هو ما جعل كل السود في موريتانيا، حتى الأجانب، الغرب إفريقيين، السينغاليين، الغامبيين، الماليين، الإيفواريين، الغانيين، يُعتبرون بمثابة الخطر في موريتانيا. لذلك يوجد في موريتانيا تفتيش السحنة الذي لا يستهدف إلا السود ويشمل سود موريتانيا الممثلين للسكان الأصليين في البلاد. هناك قمع، هناك مضايقات متواصلة. أن تكون أسود في موريتانيا فذلك يشكل مسارا كفاح، وينحو إلى المغامرة البائسة، لأنهم يقولون بأن التفتيش الذي يتعرض له السود الغرب إفريقيون هو محاولة للمحافظة على بلادنا وعلى أسبقيتنا العربية من اجتياح السود المحيطين بنا.
القناة: أنتم لا تجدون القبول من العالم العربي؟
بيرام: طبعا، حتى الأقلية العربية-البربرية التي يريد النظام العسكري منحها الامتيازات في تعامله، يحاول مواصلة تأليبها عرقيا ضد الأعراق الأخرى التي عاش معها البيظان منذ فجر التاريخ في تناغم وتفاهم، سواء كانوا فلانا، أم سونينكيين، أم ولوف، أم بمباره، أو كانوا حتى حراطين تعايشوا باستمرار تحت مظلة أسرة واحدة مع البيظان، العرب-البربر. الآن يريد النظام أن يغرس في البيظان، وقد تمكن من ذلك، أن الحراطين يمثلون خطرا، وأن التكرور يمثلون خطرا، وأن الولوف والبمباره والسونينكي يمثلون اجتياحا وخطرا، وفضلا عن كل ذلك فإن السود في شبه المنطقة، سواء كانوا غامبيين أو سينغاليين أو ماليين، يمثلون خطرا. هذه هي الحالة الذهنية التي أعِدّ فيها مجتمع البيظان: الخوف من بيرام الداه اعبيد، الخوف من إيرا، منظمتي، الخوف من كل أسود موريتاني، الخوف أيضا من سود المنطقة ودول المنطقة.
القناة: هناك مسؤولون سود آخرون، عرفناهم أمثال ولد بلخير...
بيرام: نعم.
القناة: إنهم ينشطون في الحقل السياسي، لكنهم يدعمون عزيز،
بيرام: في كل المجتمعات الضحية توجد دائما شخصيات يتم اختيارها لإضفاء القيمة، حتى بين البيظان وبين الحراطين وبين البولار وبين السونينكي وبين الولوف. لكن هذا لا يعني أن البيظان، العرب البربر، يتم التعامل معهم بشكل جيد. إن من ضمنهم من اختيروا لإضفاء القيمة على النظام ومن ضمن الحراطين الموالين للنظام والمتعاونين معه. هذا أيضا لا يعني أن الحراطين يتم التعامل معهم بشكل جيد، ونفس الشي ينطبق على البولار والسونينكي والولوف والبمباره.
القناة: الغريب أنكم تستفيدون من دعم قوى خارجية، لكن يبدو أنه ليس لديكم داعمون من إفريقيا لكفاحكم،
بيرام: نعم، هذا ما شجبته على الدوام. إن ما يحيرني هو صمت الأفارقة. عندما تتم مضايقتنا، بوصفنا حركة سلمية قائمة على الحق والشرعية الوطنية والشرعية الدولية والقانون الموريتاني والقانون الدولي، وبوصفنا حركة بميولات إفريقية، حركة حقوقية، حركة تدافع عن قضية عادلة، عندما نضايق أو نسجن أو نحرم، يقدم الكونغرس الأمريكي دعمه...
القناة: والاتحاد الأوربي،
بيرام: الاتحاد الأوربي يقدم دعمه، كل البلدان الأوربية، فرنسا، ألمانيا...
القناة: لديكم الكثير من الداعمين لهذا الكفاح...
بيرام: نعم، إننا نمثل المنظمة الأكثر توشيحا في منطقة غرب إفريقيا، الأكثر توشيحا في منطقة المغرب العربي، منطقتان ترتبط بهما موريتانيا جذريا. وأنا الشخص الأكثر جوائز في هاتين المنطقتين بالتوشيحات الدولية. كل المنظمات غير الحكومية الدولية دعمتنا في كفاحنا في كل أحداث نضالنا، في اعتقالاتنا بموريتانيا، لكننا لم نجد الدعم من أية دولة إفريقية. أشجب هنا هذا التضامن القاري، التضامن الديني، التضامن الطائفي، التضامن في العالم الثالث مع حكومة عربية، مع حكومة إفريقية تزرع نظام الآبارتايد في غرب إفريقيا كالحكومة الموريتانية التي تستفيد من قانون الصمت المافيوي من قبل المجتمع الإفريقي، البلدان الإفريقية، المنظمات الإفريقية، والشخصيات الإفريقية. لكننا بشر. إننا في موريتانيا نعاني كما عانى الأفارقة في جنوب إفريقيا تحت حكم بيض لابارتايد. أتساءل لماذا لا تؤخذ معاناتنا بعين الاعتبار لأن جلادينا مسلمون وأفارقة وعرب ومن العالم الثالث.. إني أشجب هذا الكيل بمكيالين. هناك شتات أسود غير مرئي في العالم العربي وهو يعاني. لابد لأصحاب الميول النضالية الإفريقية والأفارقة المسكونين بالحرية والكرامة، ولابد لذوي الأصول الإفريقية أن يتعاونوا: السود في المغرب، السود في الجزائر، السود في تونس، السود في العراق، السود في الإمارات، السود في سوريا. إنهم سكان عديدون، غير مرئيين، حُولوا إلى أشياء، وليس لهم من معين.
القناة: ألم يتصل بكم النظام خلال مقامكم في السجن؟
بيرام: طبعا أن النظام أطلق كل إجراءاته المعتادة التي يعيد من خلالها تشكيل كل المعارضين الذين وجدوا قبلي، وكان قد تمكن من إعادة تدوير كل الحركات التي عارضت العنصرية والعبودية قبلي، وقبل إيرا. لكن حركتنا حركة مقاومة حقيقية. إنها حركة أخذت في الحسبان أخطاء النضال الماضي في موريتانيا والحركات المناضلة التي سبقتنا. إذن بالنسبة لنا لا توجد تسوية توافقية مع النظام الموريتاني الاسترقاقي، العنصري، المفسد، غير الديمقراطي، ما لم يقبل بفكرة تلاشيه وفكرة تفككه.
القناة: ماذا جركم إلى الترشح في الانتخابات الرئاسية الأخيرة؟ كنتم في المرتبة الثانية، كان ذلك بمثابة مفاجأة كبيرة؟
بيرام: كنت قد خرجت للتو من السجن...؟
القناة: مرة أخرى؟
بيرام: نعم، كنت خارجا من السجن على إثر حرق الكتب الاسترقاقية، وكنت بين ناريْ النظام والمعارضة الذيْن اصطفا في نفس الجناح: جناح الكتب، جناح العبودية، جناح العنصرية، جناح الصمت على جرائم الرق، جناح الصمت على جرائم العنصرية، وكنت مرغما على تحمل دوري المناهض لرأسيْ المنظومة الاسترقاقية سواء النظام أو المعارضة: رأسيْ الأفعى. توليت هذا الدور ولم تكن لدي أية التزامات مع المعارضة التي كانت تطالب بإصدار حكم الإعدام ضدي في تلك الفترة والتي جرمت النظام لأنه لم يذهب إلى الحد الأقصى المتمثل في قتلي. لا أشكر النظام وليس له دين علي. فالنظام تراجع عن قتلي أمام الضغط الجماهيري والضغط الدولي. إذن كان علي أن ألعب لعبة الشعب، لعبة إيرا، لعبة بيرام. الشعب كان مستقلا عن رأسيْ المنظومة في موريتانيا. التنافس بين المعارضة والنظام هو تنافس داخل نفس المنظومة. إنها معارضة داخل النظام، ليست معارضة خارج النظام ولا ضده. لقد ترشحت لعدة أسباب من أبسطها أن النظام ومختلف تمفصلات المعارضة وصفوني بالمرتد وعدو الاسلام، وينص الدستور الموريتاني على أن أي شخص غير مسلم ليس مهيئاً لقيادة الجمهورية الاسلامية الموريتانية. كان ذلك بمثابة التحدي. ترشحت فقبل ترشحي المجلس الدستوري: أكبر هيئة تشريعية في موريتانيا...
القناة: لكن مع مقاطعة المعارضة، كان الأمر بسيطا!
بيرام: نعم؟
القناة: كان عزيز بحاجة إلى منافس؟
بيرام: أعود إلى الموضوع. لقد أعلن المجلس الدستوري أن بيرام الداه اعبيد يمتلك كل الصفات الشرعية التي تجعل منه رئيسا للجمهورية الاسلامية الموريتانية. إذن، سقطت تهمة الردة وكان ذلك برهانا قدمناه للشعب وللمجتمع الدولي على أن هذا النظام غير منسجم، وكان ترشحي فرصة لي لأتحدث مباشرة في الإعلام الموريتاني الذي كان محرما علي والمحرم علي الآن منذ انتهاء الحملة الرئاسية سنة 2014. لقد تمكنت من الحديث إلى السكان على مدى 15 يوما لأفكك الأفكار الجاهزة التي أطلقتها الحكومة من خلال الصحافة، ولأفكك الدعاية التي قامت بها السلطات وجناح الإقطاعيين وجناح الاسترقاقيين وجناح العنصريين. كانت فرصة لأفكك وأقدم للناس الوجه الحقيقي لبيرام والوجه الحقيقي لإيرا والخطاب الحقيقي لبيرام والخطاب الحقيقي لإيرا.
القناة: من جهة أخرى، لعله بالإمكان اتهامكم بأنكم لعبتم لعبة عزيز، لأن المعارضة قاطعت؟
بيرام: نعم، ليس من السهل إقناع الناس بأن شخصا حرمت منظمته منذ تأسيسها، وحرم حزبه منذ نشأته، ويستضيفه السجن كل سنة أو سنتين لمدة أشهر.......
القناة: يمكنه أن يهزم الرئيس،
بيرام: لا يمكننا أن نتصور أنه سينجح في إقناع الناس أن هذا الشخص لا يشتبه في تعاونه مع النظام. تلك أسلحة العاجزين، أسلحة الضعفاء، أسلحة من لم يستطيعوا تحدي الجيش والنظام والدكتاتورية كما فعلنا نحن، أنا وإيرا. من السهل أن يتم اتهامنا، لكن أعتقد أن بقية الأمور أنارت أكثر من واحد على أن هذه الاتهامات اتهامات الأشخاص العاجزين، غير الوازنين.
القناة: علاوة على البعد المتعلق بتسيير الأعراق، هلا يمكن، مع خطابكم المناوئ جدا، ومع ما يصدر عنكم من كلام، أن يتملكنا التخوف من أنكم عندما تصلون دفة الحكم سيكون هناك نوع من الانتقام؟
بيرام: البيظان، العرب- البربر لا يتملكهم الخوف من خطابي، وإنما يتملكهم التخوف بسبب الدعاية التي يغرس فيهم النظام الذي يفتري ويملك كل وسائل الإخبار وكل الإعلام والمساجد، ويستخدم الإعلام العمومي والحر الموجوديْن تحت قبضة الحكومة، ويستخدم كل الاجتماعات العامة لشيطنة بيرام الداه اعبيد وشيطنة إيرا. قلت لكم في البداية ان الحكومة، بحفاظها على الخوف من بيرام، وإيرا، والخوف من السود والخطر الأسود الذي زرعه النظام في البيظان وفي نخبتهم، تجعل البيظان رهائن وتجعلهم دروعا للدفاع عنه. لكن في العمق فإن محمد ولد عبد العزيز لا يدافع عن البيظان لأن البيظان لا يوجدون في خطر، وهو ليس الشخص الأمثل للدفاع عنهم، ورفاقه ليسوا كذلك ولا السابقون عليه من العسكريين المفسدين العنصريين الذين مزقوا النسيج الاجتماعي في موريتانيا. إذن نحن نعارض كلما وجدنا الفرصة سانحة ضد هذا الخطاب الذي يثير الخوف لدى البيظان. نحن هنا وبيرام هنا وإيرا هنا لدق ناقوس خطر الانفجار والصدام العرقي الذي يملك العساكر كل توابله وكل أسبابه وكل مصادره. إننا هنا لنبطل مفعول القنبلة. نحن هنا لنعيد العرب-البربر إلى تعايشهم القديم التاريخي الغابر مع كل الأعراق السوداء، في إطار التبادل العلمي الإسلامي، في إطار التبادل التجاري، في إطار العلاقات السياسية، الثقافية، المصاهراتية، والعلاقات الاقتصادية. نحن هنا لتصحيح الأخطاء التاريخية، تصحيح المفارقات التاريخية المتمثلة في العبودية التي مورست منذ حقب سحيقة والتي تتواصل بخطيئة من الدولة الموريتانية التي يقودها أناس لا يملكون الوعي اللازم والإرادة اللازمة المهمومة بحل المشاكل التاريخية في موريتانيا.
القناة: هل تعتقدون أن عزيز لن يقوم بتلاعب على مستوى الدستور ليحصل على مأمورية ثالثة؟
بيرام: لا شك أنه مقدم على هذا العمل الخطير،
القناة: أذكر بأن الدستور ينص على مأموريتين.
بيرام: الدستور يفرض عزيز على مأموريتين، وبالتالي فهو مرغم على الانسحاب عند انتهاء مأموريته الثانية سنة 2019. لكنه يقوم ببعض المناورات ليحصل على مأمورية ثالثة بتلاعبه بالدستور. لهذا أوجه نداء إلى كل رجال السياسية الموريتانيين، وكل الموريتانيات والموريتانيين المسكونين بالعدالة، وكل الأحزاب السياسة الموريتانية، وكل المنظمات غير الحكومية الموريتانية، وكل رجالات السياسة، مهما كانت أعراقهم وأصولهم وتوجهاتهم السياسية، مفاده أنني - أنا بيرام الداه اعبيد- باسم منظمتي، إيرا، وباسم حزبي (الحزب الراديكالي من أجل عمل شامل) أدعوهم إلى وحدة مقدسة لكل الموريتانيين لنسد الطريق، بطريقة صارمة وسلمية، أمام محمد ولد عبد العزيز وزبنائه لكي نتحاشى جر موريتانيا إلى السيناريو البورندي الذي ألبس بورندي ثوب الحداد وألهب الاحتقان وجعل البلاد تخسر مئات الأرواح البشرية ومئات المرحلين.
القناة: حركتم غير مرخصة، وحزبكم السياسي غير مرخص، كيف ستواصلون كفاحكم؟
بيرام: سنواصل كفاحنا من خلال دعم واسع لا يتزعزع، رأيتموه في ريبورتاجكم. إننا نمثل أقوى منظمة في موريتانيا، المنظمة السياسية والحقوقية الأقوى في البلاد. لدينا أقوى قدرة على التعبئة. نحن المنظمة الأكثر تمثيلا داخل البلاد حيث توجد لها فروع على كامل التراب الموريتاني، ولديها فروع في الكثير من البلدان مثل السينغال وفرنسا وبلجيكا وألمانيا وإيطاليا والولايات المتحدة وبلدان أخرى. وهي منظمة مدمجة في النظام الدبلوماسي الدولي لأن المسؤولين الأمميين، ومسؤولي المنظمات الإقليمية وشبه الإقليمية، ودبلوماسيي الأمم الديمقراطية، عندما يأتون إلى موريتانيا يزورون الرئيس الموريتاني، الذي يمثل الدولة، لكنهم أيضا يزورون بيرام الداه اعبيد، رئيس إيرا. إذن نحن بالمنطق الدبلوماسي منظمة....
القناة: معترف بها جيدا..
بيرام: نعم، منظمة منتظمة في شبكة، وهي قوية جدا، ونحن في داخلها منظمة جماهيرية مدعومة جدا ويمكنها تحريك السكان في إطار أنشطتها.
القناة: جيد، إذن ما هي رسالتكم الأخيرة؟
بيرام: رسالتي الأخيرة موجهة في آن واحد إلى الموريتانيين والأفارقة. أوجه نداء إلى كل الموريتانيين لأقول لهم بأنني أمد لهم اليد، وإلى كل الأحزاب السياسية الموريتانية وكل أحزاب المعارضة، خاصة المعارضة الراديكالية التي لا تقبل التلاعب بالدستور، التي لا تقبل الانصياع لإملاءات محمد ولد عبد العزيز.