في مثل هذا الشهر يوليو منذ 6 قرون و14 سنة وفي زمن كان يوصف بالقرون الوسطى وفي أزمنة تبدو كافة تقاليدها مغايرة لعصرنا، ظهرت مأساة الأميرة الصربية أوليفيرا لازاريفيتش زوجة السلطان بايزيد الأول، التي تم إجبارها على الخدمة عارية في احتفال نصر أعده عدو زوجها تيمور لنك بعد انتصاره في معركة أنقرة.
كانت تلقب أوليفيرا في بعض الأحيان بـ"ديسبينا خاتون" أو ماريا دسيينا، زوجة الملك بايزيد الأول، الذي عاشت معه كزوجة لمدة 12 سنة، وكانت سببًا رئيسًا لوفاته حزنًا وهو يشاهدها تجبر على الخدمة عارية في بلاط عدوه، أو ترقص عارية كما أورد بعض المؤرخين لتاريخ العثمانيين في أوروبا.
معركة أنقرة في عام 1402 يصفها المؤرخون بأنها كانت أكبر معركة حدثت في القرون الوسطى بين القوات العثمانية وقوات تيمورلنك التتري، والتي انتهت بهزيمة بايزيد الأول وموته في الأسر، وهي المعركة التي كانت قادرة على إنهاء السلطة العثمانية في بداياتها بعد مرور 4 خلفاء فقط من الحكام العثمانيين؛ وذلك لصداها الكارثي على آل عثمان في عقر دارهم بأوروبا.
وبايزيد الأول ابن السلطان مراد قام بخنق شقيقه خوفًا من انقلابه عليه في بداية توليه السلطنة، بل جزم بعض المؤرخين أنه استصدر فتوى شرعية في الحق في اقتتال الإخوة على الكرسي؛ لتظهر عادة قيام السلاطين العثمانين بقتل أبنائهم فيما بعد.
ولقب بايزيد الأول باسم يلدرم، وتعنى بالعربية "الصاعقة"، فعرف بايزيد الصاعقة، وذلك لحركتة السريعة بجيوشه وتنقله بين عدة جهات بمنتهى السرعة، كما يقول الباحث التاريخي أحمد الجارد، لافتًا إلى أن أخطاءه العسكرية في معركة أنقرة أدت لوقوعه في الأسر هو وزوجته أوليفيرا، التي كانت ابنة أمير الصرب.
تصف المراجع التاريخية أوليفيرا لازاريفيتش بأنها كانت قوية الشخصية لدرجة أنه كان لها تأثير كبير على زوجها الذي ساعد أهلها وقومها الصرب، كما تصف المراجع التاريخية أنه تم إرسالها كزوجة لبايزيد الأول لتكون زوجة شرعية له، بالإضافة إلى زوجاته الأخريات بعد معركة قوصوه، ورفضت التنازل عن دينها وعاشت كزوجة لبايزيد لمدة 12 سنة حتى وفاته وهو في الأسر.
كيف بدأت معركة أنقرة وما أسباب وقوعها؟ يقول الباحث التاريخي أحمد الجارد لـ"بوابة الأهرام" إنه بعد قيام تيمورلنك بتدمير بغداد اتجه إلى مدينة قراباغ وجعلها خرابًا، وأرسل لبايزيد الأول برسالة قاسية يطالبه بإخراج السلطان أحمد بن أويس سلطان العراق وإلا قام بغزوه في عقر داره، مثلما غزا الأمم الأخرى، وكان رد بايزيد على رسالة تيمورلنك القاسية بأنه قام بحلق لحية الرسول الذي أرسله تيمورلنك.
زحف تيمورلنك بجيشه إلى آسيا الصغرى بعد معرفته برد بيايزيد وقيامه بحلق لحية رسوله، ودخل مدينة سيواس سنة 1400م، وقبض على أحد أبناء بايزيد، ويدعى الأمير أرطغرل وقتله، فلما علم السلطان بايزيد ترك حصار القسطنطينية وخرج يتوقد غيظًا وحنقًا، ويرى المؤرخون أن غضبه دفعة للتهور والاندفاع، فلم يضع الخطة المناسبة لهذه المعركة التي أدت لوقوعه في الأسر وموته حزنًا وغيظًا وهو يري زوجته تقوم بالخدمة عارية في احتفال كبير أعده تيمورلنك عدوه اللدود.
يضيف الجارد أن تيمورلنك استطاع بخداعه أن يستميل بعض جنود السلطان بايزيد، والتقى الجيشان في موقعة أنقره في 20 يوليو 1402م، واستمر القتال من ضحى يوم الأربعاء إلى العصر، وعند الغروب أدرك بايزيد الأول عبث المقاومة فأراد الهروب مثل ولده سليمان وصهره الصربي، إلا أن حصانه أصيب إصابة قاتلة فوقع في الأسر على نحو ميل من أنقره، كما وقعت زوجته أوليفيرا أسيرة أيضًا.
كان تيمورلنك لا يكف عن الإرسال في طلب السلطان الأسير بايزيد في كل يوم ويسخر منه، وسقاه من يد جوارية اللاتي أسرهن، وأجبره أن يرى زوجتة وهي تخدم عارية، أو تجبر على الرقص في احتفال النصر الذي أعده تيمورلنك، مما أدى لموته حزنًا.
بعد إجبار أوليفيرا على الخدمة عارية امتنع السلاطين العثمانيون عن الزواج بجواريهم، فأصبحوا لا يتزوجون جواريهم إلا و هم أمراء و ظل السلاطين العثمانيون على هذا المنوال لعشرات السنين حتى تزوج السلطان سليمان القانوني من جاريته روكسلانا، التي تشتهر في التاريخ بالسلطانة هيام.
وبعد وفاة الزوج بايزيد الأول أطلق سراح زوجته أوليفيرا في عام 1403، في حين استمر 4 من أبنائه يقتتلون على الكرسي وارتحلت أوليفيرا إلى بلاط شقيقها ستيفان في بلغراد وفي بلاط شقيقتها جيلينا في هرسك نوفي بالجبل الأسود، ورفضت العيش في مقر سلطنة زوجها بايزيد حتى وفاتها لتنتهي حياتها التي شهدت مأساة.