سرَد الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز اليوم خلال حديثه أمام الغرفة الجزائية الجنائية - في محكمة الاستئناف بنواكشوط - تفاصيل آخر لقاءاته واتصالاته بالرئيس الحالي محمد ولد الغزواني، ومسار تطور الخلاف بينهما خلال الفترة التي أعقبت مغادرته للسلطة.
وقال ولد عبد العزيز إن الرئيس ولد الغزواني ظلّ على اتصال دائم معه بعد مغادرته للسلطة، وسفره إلى الخارج، مشددا على أن غزواني كان هو صاحب المبادرة في ذلك دائما، وأنه لم يُبادر ولا مرة واحدة للاتصال به.
وأضاف ولد عبد العزيز أنه بعد عودته من الخارج، اتصل به غزواني ووجّه له دعوة لزيارته في المنزل، حيث استقبله في الرئاسة بعد صلاة المغرب، مردفا أن حديثهما تركّز على قضية الحزب، "حيث أمرتُه أن يترك الحزب حزبا للجميع، وأنني شكلت لجنة لتسييره برئاسة سيدنا عالي ولد محمد خونه، وذلك بعد انتخابات شفافة، انتخب فيها رئيس شباب الحزب، ورئيسة نسائه".
وأكّد ولد عبد العزيز أنه طلب من ولد الغزواني مواصلة نفس المنوال من الشفافية، وترك الحزب ينتخب رئيسه بكل شفافية، لافتا إلى أنه أبلغه أنه - هو - شخصيا لا يريد رئاسة الحزب، وإنما يريد حزبا وطنيا يحمل رؤيةً ورسالة.
وأشار ولد عبد العزيز إلى أن ولد الغزواني كان حينها يحاول إدخال مجموعات للحزب من الداعمين له (في إشارة إلى القيادات التي دعمته من أحزاب عادل، والتكتل، وتواصل)، وأكّد له معارضته لذلك.
وقال ولد عبد العزيز إن ولد الغزواني رد عليه بأن الحزب حزب الدولة، وحينها – يقول ولد عبد العزيز – نهيتُه عن إعادة هذا الحديث مرة أخرى، وقلت له إن إحدى الدول الصديقة لموريتانيا والتي لديها حزب وحيد، أصبحت تُخفي ذلك وتستحي منه.
وأكد ولد عبد العزيز أنه شرح لولد الغزواني ما يقوم به الخليل ولد الطيب وآخرون معه، وأخبرته أني على علم بعلاقته به، وأن جميع لقاءاتي مع الخليل كانت بواسطة منه، وكان رده – بالحرف – "لخويليل أثرو أركاج".
ولفت ولد عبد العزيز إلى أنهما أمضيا وقتا في القصر الرئاسي، وقد طلب منه ولد الغزواني البقاء للعشاء معه، لكنه اعتذر له بموعد في المنزل وغادر.
آخر مكالمة..
وقال ولد عبد العزيز إنه بعد وصوله إلى المنزل تلقى مكالمة من ولد الغزواني، وكانت الأخيرة بينهما، واستمرت حدود 35 دقيقة.
وأضاف ولد عبد العزيز أن ولد الغزواني عرض عليه خلالها أن يتولى هو تعيين شخص لرئاسة الحزب، وبعد ذلك يتركه لولد عبد العزيز ليفعل فيه ما شاء بعد ذلك، مردفا أنه رفض هذا العرض بقوة، وأكد له أنه بهذا التصرف يفسد الحزب، وكان رد غزواني – حسب عزيز – "الحزب اخسارت في الخسارة".
وأشار ولد عبد العزيز إلى أنه طلب من ولد الغزواني أن يترك الخلاف بينهما على المستوى الثنائي حتى يتمكنا من التغلب عليه، ولكنه لم يفعل ذلك.
وأكّد ولد عبد العزيز أنه أنهى المكالمة، ورجع إلى جلسائه في المنزل، وبعدها بدأت أزمة مرجعية الحزب، وتشكل الاجتماعات القبلية والجهوية حولها، مشيرا إلى أنه غادر إلى البادية في بنشاب، وبقي يراقب التطورات التي جرت، وخصوصا قضية المرجعية، حيث فهم منها أن القضية لم يعد بالإمكان علاجها.
"رسالة غير مقروءة"
وقال ولد عبد العزيز إنه تلقّى قبل 28 نوفمبر 2019 (ذكرى الاستقلال الوطني التي أقيمت حينها في أكجوجت) رسالة عبر الواتساب من الرئيس ولد الغزواني، وقد قرأ الجزء الذي يظهر منها في الإشهار، وكان يسأل فيه إن كنت في نواكشوط، ويبدي رغبته في اللقاء، مؤكدا أنه لم يفتح بقية الرسالة إلى اليوم.
وأضاف ولد عبد العزيز أن ولد الغزواني أوفد إليه عضوا في الحكومة إلى بنشاب، وجلس معه في باديته وناقش معه الموضوع، مردفا أنه أبلغ هذ الموفد أن ولد الغزواني "أخذ فلانا وفلانا وفلانا وأعطاهم زمام الأمور، وإذا أخرجهم من الأمر فيمكن أن نناقش، وإلا فالأمر بالنسبة لي ليس قابلا للعلاج، واتركوني عنكم في باديتي".
إبراز لدور بوعامتو
ولد عبد العزيز تحدث أيضا عن دور رجل الأعمال محمد ولد بو عماتو في ما يصفه بمسار استهدافه، مردفا أنه بعد تلقيه هذا الموفد تدخلت ما وصفها بالمصالح المالية والتجارية، وتدخل التاجر المعروف، وجماعة بنك GBM، وهنا قاطعه أحد محامي الطرف المدني، بتعليق غير مسموع، ورد عليه ولد عبد العزيز بقوله: "أنت تمثل ولد بوعماتو هنا"، وسماه بالاسم بعد أن كان يكتفي بصفته أو الإشارة والتلميح إليه.
وواصل ولد عبد العزيز سرده لروايته للأحداث، قائلا: "بعد ذلك شكلوا لجنتهم للتحقيق، وعاد رجل الأعمال الذي كان يمولهم من الخارج، وشاركت المعارضة في تشكيل اللجنة، سواء المعارضة الشبابية النزيهة التي أختلف معها لأسباب عقدية، أو المعارضة المأجورة التي كانت تتقاضى - حسب التسريبات - مليون أوقية أو مليونين من أجل التظاهر".
وسطاء اتصال.. ومضايقات
وقال ولد عبد العزيز إن اتصالات ولد الغزواني به لم تنقطع طيلة الفترة التي تلت ذلك، وحتى أثناء اعتقاله في مدرسة الشرطة، حيث التقى وسطاء موفدين منه، ذكر منهم نائب مقاطعة كيهيدي إضافة لأشخاص آخرين.
وأكد ولد عبد العزيز أنهم بعد ذلك قطعوا راتبه، كما قطعوا الكهرباء عن منزله، متهما مدير الشركة الوطنية للكهرباء "صوملك" – حينها – بالانتقام منه، لأنه سبق وأن أقاله بسبب الفساد خلال توليه إدارة الشركة الوطنية للماء، حيث كان يؤجر قطعة أرضية خالية بأربعة ملايين أوقية.
وأشار ولد عبد العزيز إلى أنه لم يدخل منزله في لكصر قبل مغادرة السلطة 2019، وكانت شركة الأشغال التي نفّذته هي التي تتولى ربطه بالكهرباء، ومع ذلك غرمته الشركة 12 مليون أوقية قديمة.
كواليس لجنة التحقيق...
ولد عبد العزيز تحدث أمام المحكمة عن كواليس تشكيل لجنة التحقيق البرلمانية، مستعرضا تفاصيل اجتماع حصل في الرئاسة في الليلة التي سبقت قرار تشكيل اللجنة، وبدأ الساعة 11 ليلا، وحضره الرئيس محمد ولد الغزواني، ووزيره الأول [إسماعيل ولد بده ولد الشيخ سيديا]، ومدير الديوان الرئاسي [محمد أحمد ولد محمد الأمين]، ووزير الطاقة [محمد ولد عبد الفتاح]، ورئيس فريق حزب الاتحاد من أجل الجمهورية [النائب البرلماني احبيب ولد اجاه].
وأضاف ولد عبد العزيز أن ولد الغزواني خاطب المجتمعين في بداية الاجتماع قائلا إذا كانت مهمتكم هي إثارة الخلاف بيني وولد عبد العزيز والتفرقة بيننا، فتوقّفوا عن هذا المسار فهو محكوم عليه بالفشل.
وأردف ولد عبد العزيز أن رئيس الفريق البرلماني أبلغهم خلال الاجتماع أنه استدعى الفريق في اليوم الموالي لإبلاغه بقضية لجنة التحقيق، غير أن ولد الغزواني أمره بعقد الاجتماع، وبوقف مسار تشكيل اللجنة.
وأشار ولد عبد العزيز إلى أن رئيس الفريق البرلماني التقى - على انفراد - ولد الغزواني بعد نهاية الاجتماع، ولا يعرف ما دار بينهما في ذلك اللقاء، وفي اليوم الموالي اجتمع الفريق البرلماني للحزب الحاكم، وأجاز قرار تشكيل لجنة التحقيق البرلمانية.
وقال ولد عبد العزيز إنه تلقّى اتصالا نحو منتصف النهار من أحد الوزراء أبلغه مستغربا بقرار تشكيل اللجنة رغم إبلاغ ولد الغزواني لهم خلال الاجتماع بوقف ذلك المسار.
كما تحدث ولد عبد العزيز خلال جلسة اليوم عن مكالمات مسرّبة، قال إن إحداها كانت بين رئيس مجلس الشيوخ السابق محسن ولد الحاج، وولد بو عماتو، وأبلغ الأول الأخير خلالها بأن ولد عبد العزيز يسرق الكهرباء.
وأضاف ولد عبد العزيز أن مكالمة أخرى مسربة كانت تتحدث عن توزيع نواب برلمانيين لمبالغ مالية، لافتا إلى أن الشرطة استجوبته حول المكالمة الأخيرة قبل أن تغلق الملف.