على مدار 30 يوما عشت مع حكاية "مختار أبو المجد" في فيلا "إمبراطورية ميم" تعاطفت معه ومع قضيته ورفضه لبيع منزله، سواء لرفض فرض الأمر الواقع والإجبار، أو رفض فكرة التفريط في التراث المعماري.
ولكن طوال هذا الشهر شعرت بالملل كثيرا وأنني ألف في دائرة مفرغة دون حدث جديد يشعرني بتطور في القصة، وكنت دائما أتساءل لماذا كل هذا المط والتطويل؟
لا شك أن مسلسل "إمبراطورية ميم" مسلسل اجتماعي هادئ، ولكن هذا الهدوء زاد كثيرا عن حده، وطوال مشاهدة العمل كنت تتمنى أن يكون مكونا من 15 حلقة، وقتها كان الأمر مختلفا.
المسلسل مأخوذ عن قصة للأديب الراحل إحسان عبد القدوس، سبق وقدمت فيلما سينمائيا بنفس الاسم من بطولة فاتن حمامة ويعد من أشهر أفلام السبعينيات، بالطبع مع بعض التغييرات منها إضافة قصة بيع المنزل، والتي تعد إسقاطا على الكثير من الأمور في حياتنا، لكن اللافت للنظر إنها تشابهت كثيرا مع قصة مسلسل "الراية البيضا" وخاصة في النهاية، هي قصة تصلح لكل عصر، فكرة سيطرة رأس المال ومحاولة التحكم في الغير بحجة القوة وفرض السيطرة، في حين يقف أصحاب الأرض يدافعون عن أرضهم وتراثهم أمام كل هذا النفوذ القوي، وإلى جانب مسلسل "الراية البيضا" كان هناك شخصية "مادي" والتي تشبه كثيرا الشخصية التي قدمتها نادية لطفي في فيلم "النظارة السوداء" لإحسان عبد القدوس أيضا.
كانت هذه الخطوط العريضة للمسلسل، لكن طوال الـ30 حلقة نحن ندور حول شخصية "مختار أبو المجد" التي قدمها الفنان خالد النبوي، صراعاته مع أولاده وابنه الأكبر تحديدا، وموقفه من بيع منزله رغم العرض المادي الكبير وحبه لزوجته المتوفاة ودخول امرأة أخرى في حياته، قد تظن أنها كلها أمور عديدة يناقشها المسلسل، لكن في واقع الأمر طوال الحلقات نحن نسمع نفس الكلمات مشهد لـ"مديحة" نشوى مصطفى وهي تعبر عن حزنها على حال شقيقها بجملة"مختار أخويا صعبان عليا" أول "مختار أخويا شايل كتير ومستحمل" كلمات ترددها منذ بداية المسلسل للحلقة الأخيرة، أو مشاهد مكررة من عرض شراء المنزل ورفض "مختار"، أو نقاش بين "مختار" وابنه حول أحقيه إدارة المنزل كل يوم نفس المشاهد.
ورغم ذلك كان في المسلسل نقاط مضيئة مثل الأطفال المشاركين في العمل آدم وهدان ومنى أحمد زاهر وريمون توفيق، وأدائهم السهل وإضفاء روح البهجة للعمل، كذلك الموسيقى التصويرية التي وضعها الموسيقار خالد حماد وكانت موسيقى هادئة رومانسية.
مشكلة "إمبراطورية ميم" هي منافسته مع أعمال قوية كانت كل حلقة من حلقاتها تنتهي بنهاية شيقة، وفي كل حلقة أحداث عديدة، على عكس "إمبراطرية ميم" الحدث الواحد الذي ندور حوله طوال الوقت.
أما الحلقة الأخيرة فكانت سريعة وبها الكثير من الأمور غير المرضية، فالحلقات 28 و 29 انتهت مع توقيع "مروان" على عقد بيع المنزل ليصبح "مختار" في موقف صعب إما أن يرضخ للأمر الواقع أو يسجن ابنه بتهمة التزور، لذا انتظر الجمهور حلقة أخيرة قوية مليئة بالأحداث، وجاءت على عكس ذلك، حلقة هادئة نحتفل بخطوبة "مديحة" نشوى مصطفى و "محمود" محمود حافظ، أو مشهد طول لأغنية "راب" غير مبرر وجودها.
إلى أن نأتي للنهاية والتي كانت مشابهة لنهاية مسلسل "الراية البيضا" وهي نهاية مفتوحة تشير إلى الوضع القائم دائما، قوة غاشمة تستغل النفوذ أمام أصحاب الأرض المدافعين عن مكانهم.
مسلسل "إمبراطورية ميم" كان يحمل فكرة مناقشة اختلاف الأجيال وسيطرة الأب على أولاده والصراعات بينهم، وفكرة المحافظة على التراث والتاريخ والأرض في مقابل الرأسمالية والسرعة والقوة، ولكن طول المسلسل أفسد فكرته وأدخل الملل للمشاهد، وعلى صناعه مراجعة أنفسهم لتقديم أعمال أقوى تنافس بقوة وتجذب الجمهور.