ما إن تذكر الأخلاق حتى تعود بنا الذاكرة إلى الثنائية المنسوبة إلى أمير الشعراء أحمد شوقي :
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
أجل إنها ثنائية مترابطة لا تقبل الانفصال فلا تصور لأخلاق تدور في فراغ ولا مجتمع بدون أخلاق.
وقد تفرض هذه الثنائية المتلازمة جملة من الأسئلة المشروعة وكنوع من الإجراءات الاستباقية سنتحدث عن مفهومي الأخلاق والمجتمع .
وببساطة شديدة ودون تأصيلات مملة تعرف الأخلاق بأنها جمع مفرده الخلق والخلق هيئة راسخة في النفس تصدر عنها الأفعال والأقوال فإن كانت حسنة سميت أخلاقا حسنة وإن كانت سيئة عدت من الأخلاق الفاسدة.
ولقد أشاد الإسلام بالأخلاق الحسنة ذلك لأنها قيم ثابتة لا تتغير بالأهواء ولا تخضع للمصالح بل هي شعور الإنسان بالمسؤولية عن ضميره فيقوم بأداء الواجب لذاته بغض النظر عن ما يترتب عليه من نتائج .
ولقد امتدح الحق سبحانه وتعالى رسولنا الكريم فقال :{وإنك لعلى خلق عظيم} وأمره بمحاسن الأخلاق فقال:{ادفع بالتي هي أحسن}.
وبين الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه فضل محاسن الأخلاق فقال:{ مامن شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق}
وسئل عن أفضل الأعمال فقال :{حسن الخلق} وعن أكثر ما يدخل الجنة فقال:{تقوى الله وحسن الخلق} وعن أكمل المؤمنين إيمانا فقال:{أحسنهم أخلاقا}.
ولقد جسد الإسلام الإيمان في فضائل الأخلاق قال صلى الله عليه وسلم:{من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه}.
كما جعل الإسلام للفرائض التعبدية غايات أخلاقية تسعى إلى تحقيقها في حيات الناس.
ففي الصلاة يقول جل من قائل:{ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}.
وفي الزكاة{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا}.
وفي الصوم{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.
وفي الحج{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ }.
وإذا كانت هذه العبادات تختلف في مظهرها فإنها تتفق في الحكمة الكامنة وراءها والتي تنسجم مع الغاية التي بعث الرسول صلى الله عليه وسلم من أجلها {إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق}.
فالأخلاق كالسياج الواقي الذي يحفظ للإنسان الاحترام والتقدير و به يحافظ المجتمع على الاستمرار والبقاء لأن بناء أي مجتمع يقوم على ركنين عظيمين:
ـ مادي:يؤمن الحوائج ويضمن الضروريات التي تكفل الحيات للإنسان.
ـ معنوي:يتمثل في الدين الذي هو منبع الأخلاق وصمام الأمان للإنسان في جميع أحواله .
ومن هنا ندرك قيمة هذا الركن في استمرار المجتمع الذي هو عبارة عن مجموعة الأفراد المتواجدة في وطن ما ولا صفة لهذا المجتمع إلا من خلال الصفات التي يتحلى بها أفراده ويحكم عليه بالصلاح أو الفساد من خلال تلك الصفات الغالبة على الأفراد.
وتبرز هنا خصوصية المجتمع الذي نتحدث عنه وهو المجتمع المسلم الذي له الأسوة الحسنة في رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقد كان صلى الله عليه وسلم صادق القول وفيا أمينا حليما عفوا كريما متواضعا نصوحا صابرا كثير التفاؤل شديد الحياء مخلصا عادلا... دائم البشر سهل الطبع لين الجانب ليس بالفظ ولا بالغليظ ولا بالصخاب ولا بالفحاش...
وقد كان يمازح أصحابه ويداعب صبيانهم ويجيب دعوة الحر والعبد والأمة والمسكين ويعود المريض ويقبل عذر المعتذر وينصر المظلوم وينتصر للحق ويغضب إذا انتهكت حرمات الله...
فأين نحن من هذه الخصال الكريمة والأخلاق العظيمة؟
إن الأخلاق ليست ترفا فكريا يمكن الاستغناء عنه بل دستور حياة يرتضيه الدين ويأمر به المسلمين .
ولله الأمــــــر من قبـــــــــل ومن بعـد
الحاج ولد أحمدو