لبروفيسور احمد عمو ولد المصطفي، يتحدث في مقابلة خاصة مع "المشاهد"، عن قضايا عديدة في مقابلة جريئة، تناولت قضية لحراطين، وتعاطي نظام ولد الغزواني مع القضايا الحقوقية، وكيف تعاملت موريتانيا لمواجهة جائحة كورونا، وتجربته الشخصية في عيادته الخاصة مع مصابي كورونا.
المشاهد: بوصفكم تعيشون في بلد ضربته جائحة كورونا بقوة، وعلى اعتبار انكم من ذوي الاختصاص، فكيف تقيمون التدابير التي اتخذتها السلطات الموريتانية في مواجهة كورونا؟
احمد عمو ولد المصطفى: إذا كنتم تعنون بسياسة الحكومة الإجراءات الصحية و الوقائية من الوباء فيكمن ان نقيمها من خلال معيارين :
- فعالية هذه الإجراءات: وهنا أظن أن الحكومة استطاعت الى حد الآن على الأقل، أن تحقق نجاحا فى احتواء الوباء بمنع تحوله من إصابات وافدة الى عدوى محلية، حيث لم تسجل حالة واحدة لمواطن لم يكن خارج البلاد قبل بداية انتشار الفيروس.
- و المعيار الثانى، هو مدى ارتياح المواطنين و ثقتهم فى الإجراءات التى اتخذت، وهو أمر يتأثر بالعامل الأول، و هنا أيضا ألاحظ أن السواد الأعظم من المواطنين يعبرون عن رضاهم عن عمل الحكومة.
لكن خطورة هذا الوباء لا تقتصر على أضراره الصحية فحسب، بل تتعداه الى الآثار الاقتصادية و الاجتماعية الكارثية، خاصة فى البلدان التى تستورد كل حاجاتها من الغذاء و من المواد الأساسية، و يعتمد جل سكانها على المهن غير المصنفة التى تتعطل مع إجراءات الحجر الصحى.
و قد تتسبب هذه العوامل مجتمعة مع غيرها فى تفتيت دول، و فى نشوب نزاعات داخلية وأخرى عابرة للحدود، حين يعم الهلع وتنضب مصادر الغذاء و يتعسر الوصول اليها.
لذا يتوجب على الحكومة بعد أن تم تطويق المرض الاستماع الى الخبراء من أهل الاختصاص من أجل وضع خطط و سياسات لمعالجة آثار هذه الجائحة، واستخلاص العبر مما سلطت عليه الضوء من نواقص و من مخاطر السياسات التى تم اتباعها حتى الآن مثل اعتماد البلد الكلي على الخارج فى تأمين المؤن الغذائية و السلع الأساسية للمواطنين .
المشاهد: ما هي النصائح او الملاحظات التي توجهونها لوزارة الصحة، والطواقم الطبية للتعامل مع الجائحة؟
احمد عمو ولد المصطفي: من غير اللائق على من هو خارج ميدان المعركة أن يقدم توجيهات لمن هم على التماس مع العدو يتصدون له بكل كفاءة و شجاعة و إخلاص.
و ليس لدي ما أقدمه للطواقم الطبية سوى التحية و التعبير عن الاعتزاز بكل التضحيات التى قدموها أثناء هذه المحنة الغير مسبوقة. و مع ذلك فإنني قد نشرت تباعًا على صفحتى على الفيس بوك بعض النصائح للجمهور كانت هي خلاصة توصيات الخبراء، ونشرت معلومات مدعومة بصور منذ بداية الأزمة فى فرنسا تتعلق بأعراض المرض فى التصوير الطبقى ( سكانير )، و مساهمة الأشعة ، التى هي ميدان تخصصى ، فى الكشف المبكر عن المرض، و تربطنى قنوات إتصال مباشرة ببعض الزملاء فى البلاد نتبادل خلالها كل المعلومات حول آخر المستجدات المتعلقة بهذا المرض ..
و قد فتحت صفحتى لاستقبال الأسئلة و الاستشكالات حول المرض، و حاولت فى كل مرة أن أجيب عليها ..
المشاهد: هل تم تسجيل إصابات او وفيات بكورونا في صفوف الموريتانيين المقيمين في فرنسا او اروبا على العموم، وان كان الامر كذلك، فما هو عدد كل منهم؟
احمد عمو ولد المصطفي: نعم فهذا الفيروس يضرب بصورة عمياء لا تفرق بين البشر، و هذه ربما هي أهم عبرة قد تستخلصها الإنسانية من هذه الكارثة لكي يفهم الجميع واجب التضامن بين كل بنى البشر ...
و للأسف قد تم فعلا تسجيل إصابات بين الموريتانيين تعافى أغلبها لله الحمد، لكن 6 أشخاص من جاليتنا فى فرنسا قضوا نحبهم اثرها للأسف، نرجو الله أن يشفي المرضى و أن يتغمد الموتى جميعا بواسع رحمته .
المشاهد: هل من الممكن اطلاعنا على تجربتكم الشخصية في عيادتكم الطبية، مع المصابين بفيروس كورونا، او حتى في محيطكم السكني؟
كانت الولاية التى أعيش فيها، و أزاول فيها عملي، هى أولى بؤر انتشار الوباء و أكثرها عدد إصابات و وفيات، مما جعلنا منذ الأيام الأولى على الجبهات الأمامية للتصدي لهذا الفيروس سريع العدوى، حيث كان يتم تشخيص ما يزيد على 7 حالات يوميًا فى عيادتي وحدها، مع أن الأمور بدأت تتحسن بشكل ملحوظ منذ أسبوع.
أما الجيران، فأحدهم أصيب بكورونا و تماثل للشفاء، و آخر صار يفر حين يراني خوفا من الاقتراب منى حتى لا أنقل اليه المرض بحكم عملي !! ...و مع أن الأمر مؤثر و محزن الا أننى أتفهم توجسه لأن الطواقم الطبية، و مهما كانت إجراءات السلامة صارمة، فبحكم تعرضها اليومى لشحنات فيروسية هائلة قد قدمت أكبر ضريبة فى الأرواح لهذا المرض، و هي وسيلة لنقله قبل أن تظهر أعراضه ...
المشاهد: من الملاحظ اسهاماتكم الفكرية ونشاطكم الكبير على مواقع التواصل الاجتماعي، واخذ قضايا الحقوقية والاجتماعية حيزا كبيرا منها، كيف تقيمون تسيير النظام الحالي للملف الحقوقي والاجتماعي؟
بقدر ما نجح النظام فى الإجراءات الصحية الوقائية ضد كورونا كما أسلفت، فإنه فشل فى المجال الحقوقي، مع أننى أشك فى كونه أصلا كان يحمل مشروعا حقوقيا متماسكا ..
فقد نشرت منظمة العفو الدولية منذ أيام تقريرًا دامغًا وصادمًا عن الحالة المخجلة التى آل اليها وضع حقوق الإنسان، بعد تولى الحكومة الجديدة أعمالها...
ففى الوقت الذى كنا نتوقع فيه انفراجًا و توسيعا لمجال الحريات بعد عشرية فوضوية سادت فيها أهواء و نزوات الفرد الواحد، تفاجأنا بحملات من الاعتقالات بتهم تستعير مصطلحاتها من قاموس فترات الاستبداد و القوانين الاستثنائية تخلط بين الدين والسياسة من قبيل : الانتماء لتجمع غير مرخص و اعتناق أفكار منافية للدين و التبشير بأديان غير الإسلام ، و أخيرا لي أعناق القوانين لاستخدامها من أجل تكميم أفواه الحقوقيين ، و آخرها القاء القبض على مناضلة حركة إيرا السيدة مريم منت الشيخ فى ظروف مأساوية باسم تطبيق قانون مكافحة الكراهية الذى حذرت منظمات حقوقية وطنية و دولية من خطورته إبان تمريره سنة 2018 ...
ثم إن القضية الحقوقية المركزية التى تشكلها العبوديةومخلفاتها ما زالت تراوح مكانها، و لا تلوح فى الأفق بادرة لحلها بصورة جذرية ، فكلما يتم الإعلان عنه هي أمور ترقيعية لتهدئة الخواطر .
و كذلك قضية الإرث الإنسانى لسنوات الجمر التى تعرض خلالها اخوتنا الزنوج لكل صنوف القتل و التهجير و ما زالت تبعاتها متواصلة من تهميش و إقصاء لهذه الفئة من مواطني هذا البلد .. مازالت هي الأخرى تخضع إما لسياسة النكران و التستر و حماية المسؤولين عنها من المساءلة مرة أخرى بتوظيف القانون، و إما للمماطلة و اللعب على عامل الزمن لمحو آثارها من الذاكرة ..
المشاهد: هل تعتقد ان الرئيس الجديد، محمد ولد الغزواني، افضل في التعاطي مع هذه القضايا من سلفه، وان كان كذلك، فاين الاختلاف؟
لا أعتقد أن الرئيس الجديد قد أظهر حسنة واحدة تميزه عن سلفه الذى كان شريكا معه فى كل شيء، و ما زال محاطا بنفس الحاشية التى ورثها عنه، سوى ما يستميت البعض فيه من محاولة تحويل الصغر الى حجارة كريمة بالتفتيش عن خصال يعتد بها كميزة للقيادة فلا يعثرون سوى على أن أسلوبه فى الحكم يتسم بقدر من المرونة و اللباقة و هي و إن كانت صفة خلقية حميدة اجتماعيا الا انها قد تأتى بنتائج عكسية لقيادة مجتمعات فوضوية تسودها ثقافة القبلية و الإقطاعية و التشدد الدينى و التعصب العرقي ...
فحين تنعدم لدى القائد رؤية واضحة و برنامج محدد المعالم و مشروع مجتمعي و ترتخى قبضته على قطاعات الدولة المختلفة، ويتوارى عن الأنظار و يفوض أهم المسؤوليات للآخرين، ستختلط المفاهيم و يسود الارتجال و يحكم كل حسب ميولاته الفكرية والايديلوجية و المذهبية ... و تعم الفوضى فى النهاية ..
المشاهد: هل هناك ما تودون الإشارة اليه، ولم نتاوله في أي من اسئلتنا؟
احمد عمو ولد المصطفي: كنت مع مجموعة قليلة من غير لحراطين آمنت بالنضال الإنعتاقى و انخرطت فيه و كنا دائما ننبه جميع الأطراف منذ فترة طويلة الى أن النضال ضد العبودية لا يخص لحراطين دون غيرهم، و نحث على مد الجسور بين كل فئات المجتمع، و الانصهار فى نضال جامع .
و دون أن أحمل أحدا المسؤولية، الا أن الملاحظ هو للأسف أن المنظمات الانعتاقية المتصدرة للمشهد فشلت فى إقناع مجموعات ممن يؤمنون بعدالة النضال الانعتاقى من البيظان بالانضمام اليها، باستثناء أفراد لا يزيد عددهم على أصابع اليدين، انسحب أكثرهم فيما بعد، و بقي خطاب هذه المنظمات تطبعه مشاعر المرارة و التشنج اتجاه المكون الذى يعتبرونه المسؤول عن الظلم الذى سلط علي لحراطين عبر التاريخ عن طريق الاستعباد و مازال متواصلا حتى اليوم مستخدما أجهزة الدولة الحديثة و مؤسسات الديمقراطية الزائفة و هذا أمر له ما يسوغه.
و لا شك أن حملات الشيطنة و التخويف التى انتهجتها دعاية كل الحكومات المتتالية و القوى الرجعية فى المجتمع البيظاني العميق لعبت دورا كبيرا فى إبعاد التيارات التقدمية من البيظان بالالتحام مع اخوتهم لحراطين .
لكن تبنى هذه المنظمات لخطاب واحد و عدم اهتمامها بما يدور فى الفئات الأخرى و تهميشها للأفراد الذين انضموا اليها من البيظان و معاملتهم مثل العمال اليوميين (journaliers ) الذين يؤدون خدمة معينة دون أن يكون لهم دخل فى صناعة القرار، وحتى أن خطابهم لا يمكن أن يحيد عن الخط المرسوم لهم حتى لا يتم وصمهم بالجواسيس، أو على الأقل تجريدهم من وسام التقدمية و التنوير الذى تعني فى قاموس هذه المنظمات : البيظاني المثقف الذى ينفذ كلما يطلب منه، و لا يتحسس من أي خطاب مهما كانت حدته اتجاه شريحته أو أي تعسف يسلط ضد أحد أفرادها و لا يوجد لها مقابل فى الطرف الآخر ...
بل لا توجد شروط لانضمام حرطانى و وصوله الى مراكز قيادية فى هذه المنظمات الحقوقية، فلا يهم ان كان تكفيريًا أو معاديًا لحقوق المرأة أو عنصريًا متعصبًا، و لا يؤمن أصلا بمبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يكفي ان يكون حرطانيا !!!! .
و مع المصادقة على ما سمي بقانون مكافحة خطاب الكراهية سنة 2018 ، و الذى هو فى الحقيقة خدعة كبرى هدفه هو تكميم أفواه الحقوقيين، ظن بعض المناضلين المندفعين وراء العاطفة أنه وجد فقط ليطبق فى اتجاه واحد فى جهل صارخ لمبادئ القانون و بدأوا يتصيدون كل كلمة قد تفسر بأنها إساءة لا يقيمون فرقًا بين من نطقها أو كتبها عمدًا و تبناها كموقف و بين من سقطت منه عن طريق الخطأ و تم تسريبها رغمًا عنه ثم أعتذر عنها و لا حتى لو كانت هذيانًا أثناء النوم و تحت تأثير الحمى أو حبوب الهلوسة فذلك سيان عندهم فيجب أن يتم سجنه 5 سنوات كما رأوه مكتوبًا فى نص القانون الجديد ...
حتى ان بعضهم اخترع مفهوما حقوقيا جديدا يسمى” بالشريحة المتضررة ” الذى يعنى أن كل مجموعة لا تهم الا بإساءة موجهة اليها !!! .
كان تبرير النضال الشرائحي عند بعض قادة هذه الحركات أن الأقليات المضطهدة فى كل أنحاء العالم تنتظم فى حركات خاصة بها للدفاع عن حقوقها، لكن ما فات هؤلاء هو أن لحراطين ليسوا أقلية، و أن أي تكتل خاص بهم يتبنى خطابا حادا سيخيف الطرف الآخر و يرهبه و أن عدالة كل قضية تقاس بمدى انخراط الجميع فيها .
و اليوم يفاجئنا ظهور تنظيم جديد يدعى الدفاع عن البيظان، و حتى لو أن المخابرات قد لا تكون بعيدة عنه، الا أنه يؤشر على جوي غير صحي من الريبة و الخوف و عدم الثقة يخيم بين مكونات المجتمع الواحد ..
و مع ذلك فإن الأوان لم يفت بعد لتلافى الوضع، لذا فإنني أدعو الجميع، و خاصة المؤمنين بعدالة قضية لحراطين من كل الأطراف مرة أخرى الى التلاحم و تكاتف الجهود و نبذ الخلافات و تقديم أولويات تحقيق العدالة و المساواة على الطموحات الشخصية وترك التفاصيل و التركيز على الأهم ..