المشاهد: كيف تقيمون الفترة التي مرت من حكم الرئيس محمد ولد الغزواني؟ وبماذا يختلف عن سلفه؟
ابراهيم بلال رمظان: أشكر موقع المشاهد على هذه الفرصة. و اشيد بدور هذا الموقع في مناصرة المطحونين .
بالعودة الى سؤالكم ، في الحقيقة بدأ الأمل يتصدع مباشرة بعد تشكيل الحكومة التي ولدت معيبة عندما تم اقصاء السياسيين منها و جيء بأطر جدد يحملون شهادات عالية فعلا، لكن الحقيبة الوزارية سياسية بامتياز، و مجال الفنيين هو في المصانع و المرافق الفنية و ليس في تسيير الشأن العام، لانه حمال اوجه، و لا يفهمه الا اهل المهنة ( السياسيون )، و الطامة الكبرى هي الاحتفاظ بوزراء مستهلكين اعتادوا الطاعة العمياء بدل الاجتهاد . و جاءت تعيينات " الخميس الاسود " لتوقظ الحالمين بنسيم الإصلاح، و أكملت التآزر جوق التدوير، و بدأ اليأس يتسلق جبال الأمل التي خلفتها الحملة الانتخابية.
شخصيا مازلت احتفظ ببصيص أمل بان الرئيس سوف يتدارك الموقف، و املي كبير بأنه غير منتبه لما يحدث، اما اذاكان مطمئنا له، فإنا لله و انا اليه راجعون .. الله غالب !
الرئيس غزواني يختلف عن سلفه بحسن الخلق ! و لكن هذا لا تحتاجه السياسة، بل انه قد يتعارض معها و يعوق الأفعال، نراه كلما احتاج لإزاحة فاشل لابد ان يجد له منصبا آخر، و هذا على حساب الاكفاء الذين ينتظرون منذ امد بعيد، اما الاخر فمقدام في الفعل متهور، و قد نجح في تحويل الدولة الى ملكية خاصة به و بأسرته و مقربيه وانجز بعض الامور التي تخفي فسادا كبيرا .. لقد افسد الحرث و النسل ..
كما يتميز غزواني بالبطء و التردد و عدم التوفيق في بعض اختياراته التي تحتاج مراعاة نسبة من التوازنات لا يبدو مهتما بها، كما انه مصاب بداء اعادة التدوير. و هنالك إيجابية ملحوظة، و هي انه و حكومته يقرءون ما يكتب على صفحات التواصل الاجتماعي !
المشاهد: بوصفكم رئيس إحدى المنظمات الناشطة في مجال حقوق الانسان، هل هناك تغيير في تعاطي السلطتين القضائية والتنفيذية مع قضايا حقوق الانسان، خاصة ما يتعلق منها بالعبودية ومخلفتاها؟
ابراهيم بلال رمظان: من هذه الزاوية لا يختلف كثيرا اليوم عن الامس . لكن هذه الحكومة فيما يبدو لها بقية اخلاق و شيء من التقوى ، هنالك تحرج من التدخل و محاولة استغلال القضاء كما كان يحدث من قبل، و بصفة وقحة.
بدا القضاء يستعيد عافيته، و لكنه مازال مشلولا بهيمنة لون واحد حتى لا أقول قبيلة واحدة او قبيلتين ..تحرر القضاة من الدولة و لكنهم لم يتحرروا من أنفسهم و خلفياتهم الاجتماعية و المحظرية و خاصة من فقه النخاسة !
و عودة الى الجهاز التنفيذي و الى الرئيس نفسه يجب ان يفهم انه لا يمكن باي حال ان تعالج مرضا و انت تستحي ان تسميه، و تنكر وجوده و ترفض الاستماع الى ضحاياه ليعبروا لك عن ما يعانون فعلا و كيف يريدونه ان يعالج، و الأخطر من كل هذا، هو ان تتفنن في استخدام الصيغ البلاغية للتعبير عن المشكل !
ثم ان حل مشكل مخلفات الرّق يبدأ حتما بحل المشكل العقاري و ملكية الارض الزراعية اي القضاء على العبودية العقارية المعيشة في لكصيبة 2 و في لبراكنة و تكانت و في غيدي ماغا ببشاعة زائدة لان مجتمع الصونوكي هو اكبر مستعبد عقاري في المنطقة و الدولة تتعامل مع الاقطاعيين منهم و الاستعباديين مقوية شوكتهم و مشجعة عقلياتهم الاستعلايية . و هذا لا يبدو انه اولوية عند احد و قل نفس الشيء عن التعليم و التوظيف فهذه هي المشاريع الثلاثة التي تتطلب مخطط مارشال يمكن بواسطته القضاء نتائج ستين سنة من الغبن و الظلم !
المشاهد: تنشط هيئة ساحل التي اسستم مع رفاق لكم في النضال، مشهود لها بتقديم العون لابناء الاسر الفقيرة في مجال التعليم، ما هو اهم ما قدمتم في هذا المجال بالأرقام، وما هي اهم ملاحظاتكم على المنظومة التعليمية في البلد؟
ابراهيم بلال رمظان: هيئة الساحل قدمت الكثير ليس فقط في مجال التعليم، بل في مجال رفع الظلم و الدفاع عن حقوق الانسان في مجال محاربة الاغتصاب و العنف ضد المراة، و كذلك محاربة خطاب الكراهية والتمييز لمحاربة ثقافة الاستعباد المعشعشة في العقليات.
كما اهتمت بمشكل العبودية العقارية في لكصيبة ٢ و في تكانت و لعصابة و في انواكشوط، و اهتمت بمشكل الحالة المدنية في شريحة من المجتمع منسية و هي الأطفال فاقدي السند.
و قد فضلنا في كل هذا العمل الميداني بدل التحريض و المزايدة و المؤتمرات الصحفية، كما ربطنا علاقات دولية مفيدة مع شبكات المطحونين في العالم، و نشغل منصب ممثل افريقيا الغربية في شبكة DWD ( محاربة التمييز القائم على العمل و الاصل و الاستعباد التقليدي و المعاصر ) و تضم المنبوذين و الغجر في أوروبا و ضحايا التراتبية و الاستعباد في قارتنا.
اما في مجال التعليم - محل سؤالكم - فقد تكفلت الهيئة بتدريس اكثر من 500 تلميذ في السنة قبل الماضية في ارقى المدارس الحرة في انواكشوط و 600 في السنة الماضية منها ازيد من 60 تلميذ في محظرة عصرية فتحناها في الدار البيظه في منطقة ( سانفيش ).
اما في السنة الجارية، فقد وصل رقم المستفيدين من التعليم الحر الجيد الى قرابة 1000 تلميذ منها 200 في الداخل ( انواذيب و بتلميت و روص ) . هذا بالاضافة الى المئات التي استفادت من دروس التقوية في انواكشوط و انواذيبو في السنتين الماضيتين، و خاصة من المترشحين للامتحانات الوطنية.
و قد نظمنا هذه السنة دروس تقوية لصالح المترشحين لدخول الاعدادية في انواذيبو، و ذلك بالتعاون مع بلدية انواذيب و بعض الشركاء المحليين، و انتهز هذه الفرصة لشكرهم على تلك الجهود، و نطلب منهم المزيد حتى تستمر هذه الدروس و تؤتي أكلها، واستفاد من هذه الدورة العشرات من سكان المناطق المغبونة في العاصمة الاقتصادية .
اما تقييمنا لواقع التعليم في البلد، فيحتاج صفحات عدة، و يمكن وصف الوضع بانه كارثي، و ان اصلاحه لن يكو ن غدا، مادام كبار المسؤولين في الوزارة الوصية يرسلون ابنائهم الى التعليم الخاص مسلمين بفشلهم في مهمتهم.
زِد على هذا، ان هذا التعليم بشقيه العمومي و الخصوصي يشكل اكبر خطر على الوحدة الوطنية، و يؤسس للتمييز العرقي في كل مفاصل الدولة.
المشاهد: تمر موريتانيا كغيرها من بلدان العالم بظرف خاص، بسبب ما عرف عالميا بجائحة كورونا، كيف ترون تعاطي الحكومة مع الأمر؟
ابراهيم بلال رمظان: لم تعرف موريتانيا هذه الجائحة فعليا لله الحمد و المنة، فلم تكن حكومتنا و لا جهودها فعلا على المحك ! و لا يمكن الا ان نحسب لها نسبة من النجاح و نسبة من الحظ خاصة.
لقد نجحت الجهود في حسر الفيروس و الحد من انتشاره، مع انه فيما يبدو فيروس متمدن، و نحن بعيدون كل البعد عن المدنية و الله لطيف بعباده ! حرمنا التمتع بخيراتنا فوفانا الله شر الفيروس !
المشاهد: بخصوص وكالة التآز التي تم تأسيسها على انقاض وكالة التضامن، للتدخل في المناطق الهشة، هل ترون ان انشائها وتركيبتها كانت مغايرة لسابقتها؟ وما هي اهم مآخذكم عليها؟، وهل التقيتم بالرئيس او احد وزرائه لتقديم رؤيتكم في هذه الوكالة قبل او بعد انشائها؟
ابراهيم بلال رمظان: لقد تأسست التآزر على نفس الأخطاء التي بنيت عليها وكالة التضامن التي لم يقيم عملها و لا نتائجها، و انا اعتبر انها تضامنت بجد مع الأسمنت و الحديد و مع المقاولين و ردال اعمال عزيز ( أغنياء المرحلة )، اما لحراطين فلم يستفيدوا منها مثقال ذرة !
التآزر بدأت بإقصاء لحراطين وإبعادهم عن التحضير و التخطيط و التسيير، يعني ان هنالك مجموعة جديدة من المحظوظين سوف يستفيدون و ما سوف يصل ضحايا الغبن سيكون فتاة ( العيطة كبيرة و الميت فار ) هذا عن إنشائها و تركيبتها . اما اهم مآخذنا عليها فهي اقصاء اطر لحراطين من التشكلة القيادية ٢/٨ ( اثنان فقط تم اختيارهما بعيدا عن الاضواء ) ثم استبعاد المجتمع المدني الجاد مثل نجدة العبيد و هيئة الساحل و مشعل الحرية و بيت الحرية !
فيما بخص الجزء الثاني من سؤالكم ؛ نعم التقيت بالرئيس مطولا و بدعوة منه و تكلمت معه بكل صراحة عن الأوضاع الماساوية للحراطين و عن الخطر الذي بات على الأبواب من جراء إهمال قضيتهم و استمرار غبنهم و طحنهم و التنميل بهم و قلت له ان الوضع لم بعد يحتمل التأخر .. و بينت له الأغلاط الكبيرة التي ارتكب سلفه و التي بدا هو يرتكبها في هذا المجال و المتمثلة أساسا في وضع لحراطين نحت الوصاية و عدم إشراكهم في تسيير شؤونهم و تحديد أولوياتهم .
ثم التقيت بالمندوب العام للتآزر الذي شرح لي المشاريع الخمس المكونة لقطاعه و المناهج التي سيتبع في تسييرها، و قد لا حظت غياب المشكل العقاري نهائيا من هذا المشروع الضخم، مما يعني انه لن يكون أافضل من سابقه، و لاحظت ان المندوب يخجل من التسميات و الاوصاف و ذلك نذير فشل متوقع، و عبرت للمندوب و للرئيس عن استعداد هيئة الساحل للعب دور في رقابة و ارشاد عمل التآزر حتى تصل الجهود الى المستحقين !
المشاهد: اذا كان لديكم ما تضيفونه؟
ابراهيم بلال رمظان: اريد ان أضيف انه لا سبيل الى تقدم الشعب مادام اكثر من نصفه عاطل او معطل على الاصل، و مجهل و مهمش و مطحون.
فمجتمعنا هو جسم مشلول نصفيا، و لا يتعلق الامر بندرة او انحسار في الوسائل، فنحن بلد غني، لكنه بلد مبتلى بفساد المسؤولين و عدم التوفيق في اختيار الأفضل.
كذلك يجب ان يفهم قادة هذا البلد و كل من يحب له الخير، و من يخاف على مصيره و مستقبل ابنائه، ان لحراطين غير راضين عن حالهم بل مستاؤون جدا من السياسات العرجاء و الوصاية و الغبن، و لا يمكنهم التفرج على خيرات بلد تتقاسمها قلة من مكون واحد يسرحون و يمرحون في كل الوظائف الهامة في الدولة دون شفقة و لا رحمة، و هذا في كل القطاعات الحكومية و حتى الخصوصية، اقل من ثلث الشعب يعمل و يستفيد و الثلثين في الهامش و تحت رحمة التضامن و التآزر ..
لم نعد نتحمل الصدقات، نريد ان ننعم بخيرات بلدنا من خلال الخدمات الاجتماعية الضرورية، و ان لا يكون ذلك على طريقة التآزر و لا التضامن، بل على شكل مخططات اقتصادية واعدة وصارمة و مفيدة، تحل المشكل الى الأبد على طريقة مهاتير محمد في ماليزيا و غيره من المصلحين . وضعيتنا ليست طبيعية و تحتاج الى رجال غير طبيعيين و قرارات غير طبيعية و اجراءات غير طبيعية ( non conventionnelle) هذا كنّا نريد فعلا ان نتجنب الانزلاقات التي ادى اليها هذا النوع من الظلم و الغبن، اما اذا كنّا نعتقد انه يمكن ان تتواصل الامور على هذا الحال و ننام ملأ جفوننا فعلى وطننا السلام
اشكركم