في العاصمة السنغالية داكار، وقف رئيس الوزراء الفرنسي، إدوارد فيليبي بجانب الرئيس السنغالي ماكي سال، في احتفالية لتسليم سيف تاريخي، من بين أهم القطع التي تسعى السنغال لاستعادتها من فرنسا، وضمها لمتحف الحضارات السمراء المقام حديثا في البلاد.
وترجع أهمية السيف إلى مكانة صاحبه، الحاج عمر طعل، أحد أبرز القادة الأفارقة الذين قاوموا الاستعمار الفرنسي في القرن التاسع عشر الميلادي.
والسيف مصنوع من الحديد المنقوش، والنحاس والخشب. وله جراب من الجلد الطبيعي. ويُعرض في متحف الحضارات السمراء في السنغال داخل صندوق زجاجي، وبجانبه صفحات من مصحف يرجح أنه للحاج عمر.
فمن هو الحاج عم، خليفة المسلمين في غرب أفريقيا؟
تاريخ ميلاد عمر طعل غير معروف بالتحديد، لكن الراجح أنه ولد بين عامي 1794 و 1797، في قرية هلوار، بمنطقة فوتا تورو، الممتدة بين السنغال وموريتانيا في العصر الحالي.
وعمر هو الابن الرابع لسعيدو عثمان طعل، والثامن لأمه التي كانت تُدعى سخنة أدما. وينتمي إلى عرقية تورودو التي كانت من المسلمين الأوائل في المنطقة، وانضمت إلى الطريقة الصوفية القادرية في عام 1776.
وتلقي عمر تعليمه الأساسي في إحدى المدارس الدينية، حيث تعلم الدين الإسلامي واللغة العربية.
ثم انضم إلى الطريقة الصوفية التيجانية عن طريق الشيخ عبدالكريم الناقل، الذي تلقى المعرفة بالطريقة عن طريق إحدى القبائل المحلية، نقلا عن مؤسسها، الشيخ التيجاني، الذي ولد في جنوب الجزائر عام 1739، وتوفي في فاس في المغرب عام 1815.
وفي عام 1828، عندما كان عمر في الثالثة والعشرين من عمره، خرج إلى مكة بغرض الحج. ومكث فيها حتى عام 1831.
وتنقل عمر في رحلته بين القاهرة ومكة والمدينة والقدس. وكانت تلك فرصة لتلقي العلوم الشرعية واللغة العربية على يد عدد من الفقهاء.
وأثناء الحج، التقى الحاج عمر بعدد من شيوخ الطريقة التيجانية، الذين نصبّوه خليفة للطريقة في منطقة الصحراء الأفريقية.
وجاء التنصيب بمباركة الشيخ محمد الغالي، أحد المقربين من الشيخ التيجاني. وعُرف فرع الطريقة الذي قاده الحاج عمر لاحقاً باسم "العمرية التيجانية".
الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا
قام الحاج عمر برحلة طويلة في طريق العودة من الحجاز إلى بلاده، إذ مر بالسودان عن طريق النيجر، ثم من السودان إلى مالي، ومنها إلى غينيا حتى عاد إلى فوتا تورو.
ولم تكن هذه العودة بغرض الاستقرار، وإنما بغرض وضع أُسس دولته. وفي هذه الفترة، مع نضوج فكره الديني، ألف كتاب "الرماح" الذي كان بمثابة الدستور الذي قامت عليه دولته وطريقته في الحكم.
ومع اشتداد قوته وزيادة عدد أتباعه في فوتا تورو، أعلن الحاج عمر الجهاد في عام 1854، وأغار على المناطق المحيطة بها في غرب أفريقيا.
وبين عامي 1850 و1857، استطاع الحاج عمر أن يتوسع في دولته التي بلغت مساحتها 150 ألف كيلومترا، ما بين شمال السنغال وغامبيا.
وكانت دولة الحاج عمر من بين الأكبر في غرب أفريقيا على مدار التاريخ، إذ يقول المؤرخ ديفيد روبنسون إنه "لم يحدث أبدا في تاريخ هذه المنطقة أن وقعت مثل تلك المساحات الشاسعة من الأراضي تحت سيطرة قيادة إسلامية موحدة".
لكن هذا الطموح لم يدم طويلا، إذ اصطدمت توسعات الحاج عمر مع قوات الاستعمار الفرنسي في المنطقة. وتحولت هذه الاحتكاكات إلى حرب مع فرنسا.
وخاض جيش الحاج عمر عددا من المواجهات ضد القوات الفرنسية، كانت أبرزها عام 1957 في منطقة مدينة التابعة للعاصمة السنغالية دكار. والثانية كانت عام 1859 في إقليم ماتم السنغالي.
وانتهت هذه المواجهات بهدنة وُقعت عام 1860، استطاع الحاج عمر بفضلها التفرغ لفرض سيطرته على القبائل المحلية، التي رفضت مساعدته في مواجهاته مع الفرنسيين.
اختفاء غامض
لم تستتب الأمور للحاج عمر، إذ ثارت القبائل المحلية ضده في عام 1864، ليختفي بعدها في ظروف غامضة.
يرجح المؤرخون أنه قُتل في خضم هذه الثورات. لكن ثمة روايات شعبية أخرى تقول إنه فر واختبأ في منطقة كهوف باندياغارا في مالي.
وانتقلت خلافة الطريقة العمرية التيجانية وحكم دولة الحاج عمر إلى ابنه، أحمد الأكبر، الذي ظل يحارب الفرنسيين حتى هزموه عام 1893 وفككوا الدولة التي ورثها عن والده.
وانتقل أحمد الأكبر إلى شمال نيجيريا وبقي بها حتى توفي عام 1898.
وأصبح سعيد نورو طعل، ابن أحمد الأكبر وحفيد الحاج عمر، هو الوريث الشرعي لخلافة الطريقة العمرية التيجانية.
لكن الحفيد سلك طريقاً نقيض مسلك جده، فتحالف مع الفرنسيين واستغل سلطته الدينية والروحية في الدعاية للحكم الفرنسي في غرب أفريقيا.
ويتوارث أحفاد الحاج عمر طعل خلافة الطريقة التيجانية حتى اليوم، وهي الأكثر انتشارا في غرب أفريقيا، حتى أن الدين الإسلامي في الكثير من مناطق شمال السنغال مرادف للتيجانية.
كما كانت العمرية التيجانية هي انبثقت عنها العديد من الطرق الصوفية التي تعرفها المنطقة اليوم.