انطلقت فجر اليوم احتفالات اليهود حول العالم بيوم كيبور، أو يوم الغفران (يوم الكفارة)، أقدس أيام السنة لدى أتباع ديانة موسى وإبراهيم.
يقتضي الاحتفال بهذا العيد الصوم مدّة 26 ساعة، تنتهي مساء غد، يمتنع خلالها المؤمنون عن الطعام والشراب والتنقّل والاستحمام والاغتسال والجنس، كما يحرّم عليهم ارتداء أحذية جلديّة.
ويخصص العيد لمجموعة محددة من الصلوات هدفها طلب المغفرة والتطهّر من الخطايا، لكي يمنحهم الله بداية جديدة.
ويصادف عيد رأس السنة "روش هاشاناه" في الفاتح من الشهر السابع (أي تشرين الأول/ أكتوبر)، أما يوم الغفران فهو اليوم السابع من الشهر الأوّل، ويعدّ اليوم الأخير من الأيام المقدسة العشرة التي يبدأ بها أتباع الديانة اليهودية سنتهم.
تضمّن السنة الدينية العبرية 13 عيدًا، منها عيد الأنوار (من 22 حتى 30 ديسمبر هذا العام) ويعرف أيضًا بعيد التدشين (حنوكا)، أو إعادة بناء الهيكل الثاني.
وتختتم السنة بذكرى خراب الهيكل (في شهر أغسطس/ آب)، وهو أيضًا يوم صيام (غير الزاميّ) حدادًا على دمار هيكل سليمان بحسب الاعتقاد الديني.
لماذا يطلبون الغفران؟
يعرف "يوم كيبور" بـ"سبت الأسبات"، وهو من الأعياد المذكورة في التوراة في سفر اللاويين، حيث يرد التالي: "ويكون لكم فريضة دهرية - أنّكم في الشهر السابع في عاشر الشهر تذللون نفوسكم وكل عمل لا تعملون (...) لأنه في هذا اليوم يكفَّر عنكم لتطهيركم من جميع خطاياكم - أمام الرب تطهرون. سبت عطلة هو لكم وتذللون نفوسكم - فريضة دهرية (...) للتكفير عن بني إسرائيل من جميع خطاياهم مرة في السنة، ففعل كما أمر الرب موسى."
وبحسب الرواية الدينية، فإنّ اليهود بعدما قادهم موسى للخروج من مصر، عبدوا العجل الذهبي. ولطلب المغفرة، صعد موسى إلى جبل سيناء، حيث صلى وتعبّد مدّة أربعين يومًا، ونزل حاملًا لوحي الشهادة، معلنًا لأتباعه أنّ الله غفر لهم خطيئتهم. وإحياءً لهذه المناسبة الدينية، يستعيد كلّ يهودي مرّة في السنة خطاياه، لتكون بمثابة ولادة روحانية جديدة.
طقوس خاصة
يبدأ الاستعداد لأهمّ أعياد اليهود قبل أربعين يومًا من موعده، من خلال مجموعة صلوات تتلى صباحًا ومساءً، أبرزها المزمور 27 (الرب نوري وخلاصي ممن أخاف، الرب حصن حياتي فمن أفزع). وتبلغ الاستعدادات ذروتها في يوم رأس السنة "روش هاشاناه"، لخلق جوّ من الخشوع والعبادة يستمرّ لعشرة أيام تعرف بأيام التوبة.
قبل يوم من الصوم السنوي، يضحّى بالدجاج، بمعدّل دجاجة عن كلّ فرد من أفراد العائلة.
يرمز ذلك إلى نقل الإثم من الانسان وتطهير من خلال سفك دم الطيور.
وقبل الصوم، تعدّ العائلات مائدتين احتفاليتين، وتتبادل كعك العسل، وتؤدي أعمال الخير والحسنات، وقبل ساعات الصوم وخلالها، تضيء النساء الشمع على مراحل، لنيل الرحمة للأهل المتوفين، ولطلب المغفرة.
يتميّز هذا العيد بصلواته الممتددة على خمس مراحل، أبرزها صلاة "كلّ النذور" المعروفة بموسيقاها الخاصة. ويختتم اليوم بصلاة إقفال البوابات عند مغيب الشمس.
وفي هذا اليوم يرتدي الكاهن الأكبر اللون الأبيض، ويقدم البخور في قدس الأقداس داخل الكنيس، وهي المرّة الوحيدة التي يدخله في السنة، في استعادة لرمزية تضحية صلاة موسى من أجل خلاص شعبه. كلّ هذه الطقوس الخاصة تهدف إلى مراجعة الذات، وإعادة تقييم النفس، وعلاقة الانسان مع عائلته ومع خالقه. ويتخلّل الطقوس اعتراف جماعي بالخطايا أمام الآخرين، كشكلٍ إضافي من التطهّر.
سبت الأسبات
يعدّ "يوم كيبور" مناسبة احتفالية عائلية، تجتمع فيه العائلات بعد ساعات الصوم الطويلة للغناء والرقص ولتناول الطعام. وهو من الأعياد الدينية القليلة التي يلتزم بها اليهود حول العالم سواء كانوا علمانيين أو متدينين.
في الأراضي الفلسطينية المحتلّة، تشلّ المناسبة الدينية الحركة على المعابر وتوقف حركة المرور بالكامل لمدة أربع وعشرين ساعة، إذ تزيد السلطات الإسرائيلية من تضييقها على حركة الفلسطينيين.
وبما أنّه "سبت الأسبات" تتوقف كلّ المؤسسات والمواصلات وحتى وسائل الإعلام عن العمل. هذا التعطيل التام بات يرتبط بذكرى حرب أكتوبر عام 1973 حيث كان لاحتفال الإسرائيليين بيوم كيبور دور عبور الجيش المصري لقناة السويس.
بعد الانتهاء من مراسم إحياء ذكرى "يوم الغفران"، يبدأ اليهود بالاستعداد لعيد العرش أو المظلات، والذي يصادف بعد خمسة أيام فقط من "يوم كيبور"، ويستمرّ ثمانية أيام، وهو إحياء لذكرى خيمة السعف التي لجأ اليها اليهود بعد خروجهم من مصر. ويحتفلون بذلك من خلال بناء خيم أو مظلات من سعف النخيل أمام البيوت، وصلوات طلب المطر.