تمكن المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة من ضمان استقرار اختصاص الأمم المتحدة للنظر والتحقيق والاشراف والتدبير للعملية السياسية في نزاع الصحراء.
مثلما نجح في استئناف آلية المفاوضات في نزاع الصحراء، وفي جعل الأخيرة ملازمة ضرورية ولا محيد عنها في مسار عملية البحث عن الحل، واضعاف ارادة الأطراف وجعلهم يذعنون لدعوات اجرائها، ويستجيبون لها دون شروط.
أولا:نجاح كوهلر: تجنب أخطاء السلف، وشراكة التسيير، والتعاون مع فاعلين.
وقد تأتى له ذلك عن طريق لفث انتباه مجلس الأمن، والقوى الكبرى صاحبة النقض وعودة اهتمامها بالنزاع ، بحيث اصبح ضمن المواضيع التي تستأثر بجدول اشتغال مجلس الأمن شبه الشهرية.
بل إن الأمانة العامة للأمم المتحدة تمكنت عبر المبعوث الشخصي للأمين العام من ربط شراكة مؤسساتية بنيوية وحقيقية بين الأمانة العامة للأمم المتحدة والقوى المبرى وخاصك امريكا، سواء في مسطرة تحديد مواعيد المفاوضات، وفي رسم جدول اعمالها، وتعيين أطرافها لتشمل دولتي الحوار؛ الجزائر وموريتانيا.
ثانيا: ديناميكية المفاوضات: بناء الثقة والتطبع مع الواقعية ونزع الطابوهات :
ولأن المفاوضات ليست غاية في ذاتها، بل انها جزء ثابت من كل متعدد في عملية سياسية متحدة ومتنوعة وعديدة الأوجه ومختلفة الأشكال، والأكيد فيها أنها من أجل بناء توافق محدد المعالم والأوصاف من طرف مجلس الأمن نفسه، لكنه غير معين في الشكل، والمدى والعلاقة، في الوصول الى حل سياسي واقعي وعملي متوافق.
واعتبارا لكون موقف الأطراف اتسم بالتصلب، فان مجلس الأمن هدد بالتدخل لمشاركتهم واعادة تقييم ومراجعة العملية التفاوضية من أساسها( راجع تقرير الأمين العام وقرار مجلس الأمن لسنة 2014، دون أن يفعل واستمر في حث الأطراف على استئناف المفاوضات التي كانت متوقفة منذ 2012، فتم عقد جولة المائدة المستديرة في أواخر سنة 2018، ثم الدعوة الى الثانية في مارس 2019.
وتتم عمليات ادارة الملف والدعوة للمفاوضات أجل اعطاء الملف حركية دؤوبة ومستمرة، وهكذا فان شركاء تسيير العملية والاشراف عليها حاليا، الأمانة العامة للأمم المتحدة، ومجلس الأمن وامريكا، فرضوا تقليصا في المدة الدورية لدراسة مجلس الأمن للحالة في الصحراء.
واجراء مرونة في تقديم احاطات دورية الى مجلس الأمن لمراقبة تنفيذ قراراته وتجديد الثقة والدعم والقوة للمبعوث الشخصي للأمين العام بين حين وآخر وفي محطات جد متقاربة، من خلال تقييد الأطراف بسلسلة من الزيارات و اللقاءات فرادى او في و اطار اجتماعات المائدة المستديرة، وهي الثانية بعد دعوة الأطراف اليها بداية العشرة الأخيرة من هذا الشهر.
ثالثا: مائدة جنيف مظاهر وعناصر الحل، أو مرحلية لتدخل مجلس الأمن:
وبعد كل هذه الاجراءات المسطرية ذات طابع مكثف، و الوصول الى تهدئة الظروف المساعدة على مستوى التنظيم القاري الافريقي، والأوروبي في دعم عمل الامم المتحدة، والاقرار لها بصاحبة الولاية والاختصاص الحصريين للنظر في النزاع وتسييره والاشراف على العملية السياسية برمتها،
فان سؤالا يراودني، هل يمكن تفكيك مظهر للقاءات المائدة المستديرة، وتركيبتها، واعطاء تكييف لذلك على ضوء مبادرات الأطراف؟ ومطالبهم؟ وتحفظاتهم؟ وهل يمكن ايجاد اطار لها في سابق لوائح وقرارات الأمم المتحدة؟ وهل يمكن استشراف رسم تقريبي لشكل، او أشكال الحل الممكنة والمبطنة؟.
تجدر الاشارة بدءا إلى أن ما نحن بصدد الخوض فيه، هو من وحي الاجتهاد والمواظبة والبحث والخبرة الشخصية، ودافعنا الوحيد هو جدول أعمال الجولة المقبلة للمائدة المستديرة التي سيدور حول الحلول. بخيث يعتبر الحل والبحث وتسهيل ذلك هو أساس وجوهر وفلسفة وهدف كل اجراءات العملية السياسية واجراءاتها وآلياتها المتعددة.
وهكذا فان جمع المغرب والحزائر وموريتانيا والبوليساريو في طاولة واحدة، هو بمثابة تذكير بمسؤوليات الجميع في صناعة المشكلة وفي استمرارها ، بل اعادة لتوزيع هذه المسؤولية المستمرة عليهم من أجل المساهمة والانخراط في الحل، مثلما تحاول الأمم المتحدة نزع الأسباب التي استنتجت أنها تعيق الحل وتعرقله، والمشار اليها في الفقرة الأولى من المادة 39 من تقرير الأمين العام للأمم المتحدة في ابريل 2006.
كما أن المائدة المستديرة التي تجمع البوليساريو والمغرب بتركيبة من ممثلي سكان الصحراء هو جمع يضع البوليساريو الانفصالية في مكانها وحجمها، فذلك يقزمها ويحرجها في ادعاء احتكار تمثيلية كل سكان الصحراء لوجود عنصر آخر وحدوي ومقابل يحمل صفة شرعية بالتمثيلية ينافسها وينازعها فيها.
رابعا: الحكم الذاتي: حل الوسط يخضع لمعايير التطوير في منطق المفاوضات:
من خلال عضوية طاولة جنيف يمكن رسم تقريبي لحدود الحل فما بين رفض البوليساريو للوحدة فان ساكنة الصحراء ترفض الانفصال والاستقلال، وهو ما يعطي أساسا واطارا للشرط المغرب بتحديد مدى المفاوضات وجعل سقفها لا يتجاوز حد بقاء وارتباط الاقليم تحت سيادته.
فالحل تبعا لذلك هو الذي يقع بين الحكم الذاتي ولا يصل عتبة الاستقلال، ويجعل الاقليم مرتبطا بالمغرب، وهو الحل الوسط الذي بين مبادرة المغرب بالحكم الذاتي ومبادرة البوليساريو بالاستقلال، والذي كانت تبحث عنه الأمم المتحدة، والمشار اليه في التقرير الموجز الذي بعث به الأمين العام السابق بان كي مون الى الدورة 70 للجمعية العامة للأمم المتحدة.
وهذا المشروع يجد اطاره وسنده في التاريخ بوجود ارتباط بين الاقليم والسلطة المركزية بالبيعة ووجود وثائق تؤكد تصرف السلطة المركزية المغربية في اطار اتفاقيات مع دول أجنبية يكون موضوع محلها الاقليم ونطاقه الجغرافي ، وهو ارتباط وقف عليه ووثقه حكم محكمة العدل الدولية وأشار اليها .
علاوة على ذلك فان الحكم الذاتي تتحد فيه اركان وشروط توجيه وتذكير مجلس الأمن المرتبطة بشكل الاتفاق، لأنه حل يجمع بين السياسية في جوهره والقانون في شكله. بيد أن البحث عن الحل في اطار المفاوضات يقتضي تنازل كل طرف عن جزء من مطالبه لتحقيق توافق ما، وقد يكون الوسط وبين المبادرتين بعد تطوير مبادرة المغرب انطلاقا من قاعدة الحكم الذاتي ، دون أن يشكل ذلك قدحا ولا الغاءا لمبادرته ولا حرجا للمغرب، مادام نفسه استبق ذلك باشارته في مبادرته أنه مستعد للتفاوض لتطبيقها بشرط وضع حد نهائي للنزاع.
خامسا: العودة إلى خطة بيكر بتعديلات جديدة، يستحضر دائما فشل الاستفتاء.
وقد يقول قائل أن معادلة الحل الذي يجمع بين جوهر السياسة وشكل القانون يمكن أن يكون مرحلي في الزمان، والعودة بذلك الى خطة بيكر، باقرار مرحلة زمنية للحكم الذاتي يعقبها الاستفتاء، باجراء تعديلات جديدة عليها من حيث المدة الزمنية للحكم الذاتي والتوافق المسبق على الهيئة الناخبة، وعلى عودة " سكان مخيمات تندوف".
غير أن هذا الحل ولو أن الطرفين سبق لهما القبول به قبل رفض المغرب له، وتراجع البوليساريو عنه بسحبه أثناء تقديمها لمبادرتها في 9 ابريل 2007.
فان هذا المشروع سيصطدم من جديد بنفس المشاكل والعراقيل التي صادفت خطة التسوية بعجز الأمم المتحدة في ايجاد توافق حول القاعدة والجسم الانتخابي، أساس صحة نتائج أي استفتاء شعبي، وعلى انقاض فشل الأمم المتحدة بدأت مرحلة المفاوضات والسياسة، كما أن امكانية العودة اليه يستدعي السيطرة أولا على مخاوف الأطراف وعلى الأسباب التي جعلتهم يتراجعون عنه ويرفضونه ولا يقبلون به.
سادسا: التقسيم طلاميس ارث اسباني وتكتيك سياسي، وعقدة التاريخ:
وفي اطار تفكيك وقراءة تركيبة أطراف المائدة المستديرة لا بد من الوقوف عند حضور دولة موريتانيا وعلاقتها بنزاع وحرب الصحراء، وكونها طرف أساسي في اتفاق مدريد مع المغرب واسبانيا 1974، وتقسيم الاقليم بينها وبين المغرب، وتخليها عنه فيما بعد 1979 بعد خضوعها لاتفاق الجزائر مع البوليساريو في 5غشت 1979، واسترجاع المغرب للاقليم بعد ذلك.
فهذا التصرف بالتقسيم شكل سابقة، ومصدر ضعف للمغرب، ومنهل لمشاريع ومقترحات الحل، وجعلها الأمين العام السابق كوفي عنان من بين أربع مقترحات لحل النزاع المقدمة لمجلس الأمن. وقد قبلت الجزائر هذا الحل ورفضه المغرب.
ومن تم فحضور موريتانيا هو من أجل استحضار هذا التاريخ وهذه السابقة، وجعله فوق الطاولة.
إلا أن ذلك ليس بالأمر الهين والسهل مادام النطاق الجغرافي للاقليم محل النزاع يشمل حتى ما آل الى المغرب على اثر اتفاق التقسيم بينه وموريتانيا، ولأن ساكنة جهة الداخلة ووادي الذهب وممثليها يدعمون الوحدة والانضمام في اطار الجهوية المتقدمة والحكم الذاتي، والمغرب صرح أنه لن يقبل بأي تنازل خارج بقاء الاقليم كاملا تحت سيادته.
سابعا: خطة الأمم المتحدة خليط يجمع بين المقترحات والطريق مازال طويلا:
أكيد أن الأمم المتحدة تدفع وتعجل باستنفاد الأطراف مالديهم من أسباب ودفوع لزحزحتهم عند مقترحاتهم ومبادراتهم وعدم الصمود طويلا عنها، وجعلهم يخضعون لها ، وستطرح الأمم المتحدة ما أعدتها من تقارير حول الحالة وتطوراتها، وستعرض أفكارا ومشاريع على الأطراف، وقد تنبههم فرادى أو جماعات، وقد تمارس الضغط عليهم من جهات عديدة ومتعددة، وقد تلوح وتهدد بمراجعة اطار المفاوضات.
وكل ذلك بشكل يسمح لها بارغام الأطراف لتقديم تنازلات لطرح ما اعدتها من أفكار تراها حلا وسطا بين الحكم الذاتي والاستقلال، الذي قد يكون الارتباط الحر، وقد يكون تقسيما وقد يكون خطة بيكر بصيغة وتعديل جديد وقد يكون مزيج من خطة بيكر والتقسيم.
على سبيل الختم:
قد تستعجل الأمم المتحدة الحلول وقد تنطلق من التاريخ والقانون ومن الحالة الاقليمية وتطوراته، غير أن الواقعية هو رضاء وتوافق حول حل عملي ينطلق من ضرورات وديناميكيات الواقع والحاضر في دعم الوحدة، وتعزيز اسباب القوة والدفع لبناء تكتلات قادرة على المنافسة جهويا وقاريا، وان أي حل يخرج عن تلك القاعدة، وتحت أي شكل سيشكل بذرة لمشاكل لا تنتهي، فالدرب والطريق من أجل الاقناع بالجدوى مازال مستعصيا وطويلا.
صبري الحو
محامي بمكناس
خبير في القانون الدولي، الهجرة ونزاع الصحراء.