في عام 1973، قام رجل يبلغ من العمر عشرين عاماً بارتكاب جريمة قتل ثلاثة أطفال صغار والتمثيل بجثثهم. وحتى اليوم ما تزال دوافع الجريمة غير معروفة كما أن القاتل لم يعرب يوماً عن ندمه. والآن وبعد ٤٥ عاماً من سجنه، يستعد ديفيد ماكريفي، للخروج من السجن وممارسة الحياة بشكل طبيعي مرة أخرى.
كانت جريمة دمرت عائلة وأرعبت البلد بتفاصيلها القاسية كما لا تزال تثير ردود فعل غاضبة في مدينة ويستر في مقاطعة ويستيشر البريطانية، حيث وقعت.
تحذير : هذا المقال يتضمن تفاصيل قد يجدها بعض القراء مؤلمة.
على حد تقدير كل من كلايف وإلسي رالف كان يوم 13 أبريل/ نيسان من عام 1973 سينتهي كأي يوم عادي. كان كلايف رالف يعمل كسائق شاحنة أما زوجته فكانت نادلة في حانة ويعيشان في شارع غيلام في مدينة ويستر مع أطفالهما الثلاثة، دوون وبول وسامانثا، الذين كانت أعمارهم بالترتيب (أربعة أعوام، عامان، وتسعة شهور).
كان ماكغريفي يقدم لهما المساعدة أحياناً فعمل كلايف كان يقتضي أن يكون في الغالب بعيداً عن المنزل أما، زوجته فكانت تقوم بنوبات عمل مسائي أحيانا. كان ماكغريفي جيداً مع الأطفال ويبدو أنه يستمتع بالاعتناء بهم.
في ذاك المساء الربيعي، وبينما كان رالف يحتسي آخر مشروب تقدمه زوجته التي جاء ليقلها إلى المنزل، كان ماكغريفي الذي تجرع ما بين خمسة إلى سبعة أكواب من البيرة قد فشل في وقف بكاء الطفلة سامانثا. وقد قال لاحقاً إنه فقط وضع يده على فمها وتركها هناك "وهذا كل شيء". ماتت الطفلة ذات التسعة شهور. بعد ذلك توجه ماكغريفي إلى الغرفة التي كان يتقاسمها مع الطفل بول (٤ أعوام) فقام بخنقه بسلك. وأتبع ذلك بنحر عنق الطفلة دوون ذات العامين ثم ضرب سامانثا حتى كُسرت جمجمتها.
توجه بعدها إلى القبو وأحضر مشط الأرض (أداة كالرفش) استخدمها للتمثيل بجثث الأطفال الموتى. وعندما انتهى أخذ الجثث الصغيرة إلى الحديقة حيث وضعها على السور الحديدي الذي يفصل حديقة المنزل عن الحديقة المجاورة ثم غادر.
عندما عاد الزوجان رالف للمنزل، لم يكن أطفالهما هناك وكانت الدماء تتناثر في أرجاء منزلهما المكون من غرفتين. بحثا عن المستأجر ماكغريفي إلا أنه كان قد اختفى فاتصلا بالشرطة.
كان رجل الشرطة، بوب ريز، هو الشخص سيء الحظ الذي أضاء بمصباحه الحديقة فوقع على الاكتشاف الكئيب حيث جثث الأطفال معلقة على السور الحديدي. أما ماكغريفي فعثر عليه هائماً على وجهه في شارعٍ قريب. وقد سُئل عند إلقاء القبض عليه عن السبب وراء كل ما حدث فأنكر أي معرفة له بالقتل. لكنه عاد وأقر بجريمة قتل الأطفال في مركز الشرطة وشرح للضباط كيف ارتكبها إلا أنه لم يقدم الأسباب التي جعلته يرتكبها وما يزال حتى اليوم يرفض الكشف عن دوافعه.
كان ماكغريفي وهو صديق قديم، لكلايف رالف، شاباً متهوراً إلى حد أنه طلب ذات مرة الزواج من فتاة بعد مرور أسبوع فقط من تعرفه عليها، كما كان لديه نزوع للهياج بعد شرب الكحوليات إلا أنه لم تصدر عنه مؤشرات لإمكان قيامه بالقتل.
وكان قد ترعرع في عائلة عسكرية تنقلت بشكلٍ متكرر مع تولي والده مناصب مختلفة في أنحاء بريطانيا وألمانيا. انضم إلى سلاح البحرية إلا أنه تم تسريحه على نحوٍ مشين بعدما أشعل النار في حاوية قمامة. وقد وصفه زملاؤه من تلك الفترة بأنه "متعجرف" وقالوا إنه كان يصر دائما على أن يكون له القول الأخير. وقد عاد من قاعدته في بيمبوركشير ليعيش في ويستر مع والديه حيث بدأ في القيام بأعمال قصيرة الأمد كعامل وطاهي وعامل بمصنع. وكان غالباً ما يفقد وظيفته بسبب إسرافه في الشرب وسلوكه المتعجرف. وقد قامت خطيبته بقطع العلاقة معه في اليوم السابق لرأس السنة عام 1971 كما كانت له مشاحنات مع والديه. عندما كان في العشرين من العمر انتقل ليعيش في منزل عائلة رالف وكان يدفع ستة جنيهات في الأسبوع كأجرة وأحياناً يقوم بالطهو والاعتناء بأطفال العائلة.
كانت جودي ليسمان وزوجها روجر، قد أقاما في منزل بالشارع ذاته مدة نحو ثلاث سنوات عندما وقعت الجريمة. وكانت تعمل في وسط المدينة وتمر بمنزل عائلة رالف كل يوم وهي في طريقها للعمل. وتقول عن ذاك اليوم الأليم: "في صباح ذاك السبت نهضت مبكراً مثل كل يوم. في نحو السابعة صباحاً. قمت بفتح الستائر فطالعني قبالة حديقتي الأمامية اثنين من رجال الشرطة والكلاب البوليسية التي كانت تشتم المكان من حولها... كنت مصدومة. لم أكن أعرف بما حدث. غادرت للعمل وسألت رجل الشرطة في طريقي عما يفعله فقال إنه يبحث عن سلاح إلا أنه لم يقل أكثر من ذلك. حاولت أن آخذ طريقي المعتاد عبر شارع غيلام غير أنه كان مغلقاً في نهايته من قبل الشرطة.... لم يكن ممكناً معرفة ما جرى حتى عودتي من العمل في المساء حيث علمت من الجيران بوقوع جريمة القتل. سمعت أولاً بحالة قتل واحدة قيل إنها لطفل. ثم قال الناس ليلتها إن هناك المزيد من الجرائم ولكننا لم نعرف عدد القتلى على وجه التحديد".
وتابعت جودي قائلة:" انتظرت زوجي روجر حتى يعود للمنزل من عمله لأخبره بما حدث لكننا لم نعرف بمقتل الأطفال الثلاثة حتى اليوم التالي عندما قرأنا الصحف. كنّا في حالة صدمة. ولم يعرف أي منا ما يمكن قوله... عندما تمر بالمنزل بعدها تشعر بالقشعريرة. تشعر بالبرد. لقد تم وضعهم على السور الحديدي للجيران. هل يمكنك تصور كم كان الأمر سيئاً بالنسبة لهم؟.. ولغاية يومنا هذا عندما أمر بذات النوع من السور الحديدي أجدني أفكر بالأمر. يا للفظاعة. لابد وانه جرى تعليقهم كما يفعل القصاب في محله. قلت لنفسي: كم هو قاسٍ هذا الفعل. كيف يمكن لشخص أن يرتكب فعلا قاسيا ًكهذا".
في ذاك الوقت كان أليك مايكي (الذي يبلغ الآن 97 عاماً) يعمل مراسلاً لصحيفة بيرمينغهام إيفنينغ ميل. وقد حضر المؤتمر الصحافي الذي عقدته شرطة المدينة قبل أن يُسمح للصحافة بالذهاب إلى موقع الحدث. ويقول أليك:" كنت والداً لثلاثة أطفال صغار أكبر قليلاً من الأطفال الضحايا. بعد أن علمت بما حدث، دعتني الشرطة لزيارة المكان وهناك شاهدت المغلف الشمعي يلف سور الحديقة الفاصلة بين المنزلين وهو أمر فظيع دعاني للتفكير في أطفالي الذين تركتهم في أسرتهم ذاك الصباح".
وأضاف: "كان ماكغريفي قد اُعتقل بالفعل. كنّا نعرف هذا الا أننا لم نكشف عن ذلك لأننا كنّا نرغب في الحصول على شهود عيان ومعلومات. ولكن عندما أصبح الأمر معروفاً كان الجو العام بالمدينة لا ينسى. الطريقة الفظيعة التي قُتل بها الأطفال شكلت صدمة للشعب. وحتى الآن عندما أمر بالمنطقة دائماً ما تداهمني ذكريات صباح ذاك السبت".
قال روبرت بوث الذي قاد التحقيقات حينها انه لم يستطع أن يعطي وصفاً دقيقاً للناس عن حقيقة ما حدث. "لقد كان القتل فظيعاً جداً وتم قتلهم بوحشية كبيرة".
وعارض مايك فوستر وهو النائب في مجلس العموم عن مدينة ويستر ما بين الأعوام 1997 و2010 إطلاق سراح ماكغريفي عندما طُرحت القضية خلال فترة عمله كنائب عن المدينة، كما أنه ما يزال على قناعة بأن القاتل ماكغريفي يجب أن يظل في السجن ويقول: "مازال الناس يتذكرون الجريمة كما لو أنها وقعت بالأمس. طبيعة القتل وما فعله بجثث الأطفال الضحايا بعدها ستظل صورة عالقة في أذهان الناس. يوجد ربما أقل من عشر حالات في عموم بريطانيا للناس فيها رأي موحد مثل جرائم قتل موورز وجرائم سوهام التي أصنفها في نفس الفئة. عندما يسمع الناس بالتفاصيل يصدمون على الفور بفظاعتها".
التسلسل الزمني لأحداث الجريمة
•أبريل/ نيسان1973: ارتكب ديفيد ماكغريفي جريمة قتل أطفال أسرة رالف: بول (أربعة أعوام)، دوون (عامان) ، سامانتا (تسعة شهور) وذلك في منزلهم القائم بشارع غيلام في ويستر
•يونيو/ حزيران 1973: صدر حكم بالسجن مدى الحياة على ماكغريفي.
•1994: تم نقل ماكغريفي من سجن مفتوح (فئة دي) قبل إعادته الى سجن مغلق (فئة سي).
•2007: تم رفض واحدة من عدة محاولات للإفراج المشروط.
•2009: تم إبلاغ ماكغريفي بضرورة بقائه في السجن في ظل شروط معينة كما تم إصدار أمر بإخفاء هويته لحمايته.
•2013: تم رفع أمر إخفاء هويته لمراجعة طلبٍ تاسع بالإفراج المشروط.
•2016: أكد مجلس الإفراج المشروط أنه يبحث طلب ماكغريفي بإطلاق سراحه. وفي وقتٍ لاحق من الشهر ذاته تم رفض الطلب.
•2018: أصبح الطريق ممهداً للإفراج عن ماكغريفي من سجن وورن هيل في سافولك.
كانت والدة الأطفال الضحايا إليس رالف تبلغ من العمر 23 عاماً عندما أبلغتها الشرطة بنبأ الجريمة التي هدمت عالمها. أعطيت لها المهدئات في قسم الشرطة عندما علمت بما حدث ولم يكن مسموح لها بالعودة للمنزل ورؤية أطفالها على تلك الحال.
أعلن الأطباء النفسيون أن ماكغريفي بكامل قواه العقلية ويمكنه المثول أمام المحكمة. أما هو فلم يقدم أي دفاع عن نفسه أو تفسير لجريمته واكتفى بالإقرار بارتكابها. صدر ضده حكم بالسجن مدى الحياة بمدة لا تقل عن عشرين عاماً.
بعد المحاكمة واستخدامها لاسم إلسي أرري غادرت السيدة رالف المنطقة. وعللت ذلك قائلةً إنها "لا تعرف كيف يمكنها أن تتعامل مع ما حدث" كما أنها حاولت الانتحار عدة مرات. انهار زواجها ولم تنجب المزيد من الأطفال. وهي تؤمن بأن ماكغريفي اذا ما أطلق سراحه فانه سيرتكب جرائم قتل أخرى رغم تقرير مجلس الإفراج المشروط الذي ذكر "أنه تغير الى حدٍ كبير". وتقول إلسي "لو أن الأمر حدث مع أي من أفراد مجلس الإفراج المشروط، فهل سيفكرون في إطلاق سراحه؟ قطعاً لا. وإذن لماذا يتعين علي الاستمرار في القتال من أجل إبقائه في السجن؟.. ليس هناك ما يمكن قوله للبرهان على أن هذا الرجل لن يقوم بمثل ما فعل مرةً أخرى.. لقد دمر حياتي، لماذا يُطلق سراحه".