قال الروائي أحمد مراد إنه أراد أن يكون لروايته الجديدة (موسم صيد الغزلان) وقع الصدمة من خلال الخوض في جدلية العلم والدين بهدف دفع القارئ نحو التفكير فيما حوله وإعادة النظر في الكثير من الثوابت التي تربى عليها وسلم بها دون مراجعة.
والرواية الصادرة عن دار الشروق بالقاهرة في 333 صفحة من القطع الصغير هي السادسة لمراد (39 عاما) خلال عشر سنوات امتهن فيها الكتابة وأصدر فيها روايات (فيرتيجو) و(تراب الماس) و(الفيل الأزرق) و(1919) و(أرض الإله).
تدور أحداث الرواية في المستقبل الذي يحاول الكاتب استشرافه بقليل من الخيال معتمدا على ما وصل إليه العالم حاليا من تقدم علمي وتقنيات حديثة لا تزال في بداياتها مثل الواقع الافتراضي والواقع المعزز والطائرات ذاتية القيادة وما سيفرضه هذا التقدم المتسارع من غرور وصراعات فلسفية.
تبدأ الأحداث من عند بطل الرواية (نديم) أستاذ علم النفس التطوري الذي لا يؤمن بوجود الإله ويعزي كل شيء إلى العلم فقط ويصمه البعض بالجنون والإلحاد والزندقة والترويج للمثلية الجنسية.
يلتقي (نديم) بعد إحدى محاضراته مع (طارق) صاحب مكان يطلق عليه “الملاذ” يجري داخله جلسات استرخاء وتنويم مغناطيسي يساعد على استرجاع الحياة السابقة للشخص طبقا لمفهوم عودة الروح بعد الموت في حياة أخرى وجسد آخر، ويدعوه إلى خوض التجربة مستخدما في ذلك الطُعم المثالي للبطل وهي (تاليا) تلك المرأة الغجرية الفاتنة التي أسرت (نديم) من أول نظرة.
يقبل (نديم) التحدي ويخوض على ثلاث مراحل التجربة التي يدخلها بقناعات وفكر معين ويخرج منها إنسانا آخر. ومن خلال حوارات شديدة الجرأة يطرح (نديم) عشرات التساؤلات عن نشأة الكون، وحكمة الإله في خلق البشر، وحقيقة وجود الشيطان، ووظيفة الملائكة وسبب وجودها، وطبيعة الروح، ومصير الإنسان بعد موته.
وقال مراد في ندوة أقيمت أمس الأربعاء في ساقية الصاوي بالزمالك “الناس اللي واقفة بيننا وبين الإله كتير أوي، ناس كتير أوي بتدعي إنها عارفة كويس أوي وفاهمة الإله بشكل صحيح وبياخدوا وكالة بكده، دول شوهوا الدنيا جدا، لذلك الشباب حديث السن اللي اتعلم بشكل جيد هيلاقي صدامات كتير بين الدين والعلم”.
وأضاف “تعمدت الصدام في الرواية دي عشان القارئ يتبسط بالتفكير ويختبر أسوأ حاجه فيه، يشوف الشيطان لو اتكلم .. بلاش نقفل على نفسنا ونقفل على أفكارنا وندعي إن الصح إن محدش يزعزع إيماننا أبدا لأننا عارفين اللي عارفينه ومش محتاجين حد يخربش فيه، في الأول وفي الآخر هي رواية، إذا حركت في القارئ شيء أو تركت جواه شرخ فلازم يدور (يبحث) عن مصدر الشرخ دا جاي منين”.
ورغم بعض الآراء الأولية التي وجهت للرواية انتقادات باحتوائها على قدر كبير من الفكر الإلحادي والجنس قال مراد “وصلتني بعض ردود الأفعال التي تنتقد إلحاد البطل وشغفه الشديد بالجنس.. أنا قدمت بطل ملحد وحبيت أحطكم في تجربة إنسان بيتكلم من جوه، المنولوج الدائر بعقل البطل يدور بدون خجل من القارئ، بدون أن يهتم برأي القارئ فيه، وزي ما التجربة كانت حادة على البطل كانت لازم تبقى حادة على القارئ”.
وأضاف “أنا سعيد جدا جدا بغض النظر عن أي نوع من أنواع ردود الأفعال، بأقول الرواية بتاعتي النهاردة لو مكنتش حققت رد الفعل المتابين بين ناس قالت إنها رواية كويسة وناس قالت لأ.. نرفض هذا الفكر تماما، فأنا بصدد مشكلة لأني مقدمتش شيء جديد”.
* المخاض
وقال مراد إن كتابة (موسم صيد الغزلان) استغرقت نحو عامين خاض خلالهما التجربة ذاتها التي مر بها بطل العمل (نديم) وحضر جلسات استرخاء واسترجاع للحيوات السابقة وقرأ عشرات الكتب لإنتاج الرواية.
وقال “للأسف مفيش مراجع خالص بالعربي بتتكلم عن بكره جاي إزاي، ليه؟ دا سؤال مهم، لأن مفيش خيال علمي في كتاباتنا أساسا أو في الأفلام وده يرجع لأن مفيش علم وبالتالي مفيش خيال علمي، وبالتالي أصبح الموضوع ممل للغاية، بيئة بنعيشها كل يوم ونكتب عنها، لكن يا ترى مصر هتبقى عاملة إزاي بعد 50 أو 60 سنة؟”.
وأضاف “لم أحدد العام اللي بتجري فيه الأحداث عشان أسيب المجال لخيال كل قارئ يتصور ممكن دا يتم سنة كام، فيه ناس قالت 2060 وفيه ناس قالت 2100 لكني لم أكتبه صراحة في الرواية”.
وعن الطريق الذي خاضه مراد بدءا من فكرة العمل ووصلا إلى نشره قال “جلست مع أحد الأصدقاء المتخصصين في التكنولوجيا وسألته.. كيف أستطيع رؤية المستقبل؟ فأعطاني بعض رؤوس الموضوعات التي يمكن البحث فيها، وبالفعل اشتريت كتبا كتيرة وخضت ثلاثة أشهر من البحث لحد ما قدرت ألم بالموضوع″.
وأضاف “لم أكتف بالكتابة عن الموضوع من خلال القراءة والبحث فقط .. أنا خضت هذه التجربة بنفسي، كل المراحل اللي مر بها البطل، ذهبت لطبيبة في مصر وهي واحدة من قلائل بيقدموا النوع ده من الطب، وشفت نفسي في ثلاث حيوات سابقة، مكنتش مصدق لحد ما شوفت بعينيا، الموضوع كان مثير جدا”.
* الكلمة والصورة
صاغ المؤلف الرواية في معظمها باللغة العربية البسيطة لكن الحوارات دارت بين الأبطال باللغة العامية. إلا أن الوصف لعب دور البطولة في الأحداث وفهم القارئ للكثير من الأدوات والأجهزة التي لم تُخترع بعد وكذلك صورة القاهرة بعد عشرات السنين.
وقال مراد الذي تخرج في قسم التصوير بالمعهد العالي للسينما “التصوير هو بداية الكتابة، هو المصري القديم كان بيعمل إيه؟ كان بيرسم الصور على الجدران وبيرمز لكل شيء بالصور، أنا شايف إن الخلفية دي مهمة جدا وأشجع كل حد بيكتب إنه يحاول يصور”.
واستعان مراد، الذي تحولت روايته (فيرتيجو) إلى مسلسل تلفزيوني وروايته (الفيل الأزرق) إلى فيلم تلفزيوني، بالصورة من جديد للترويج لروايته الأحدث فأصدر تسجيلا مصورا يعبر عن فكرة الرواية متضمنا أغنية كتبت خصيصا لهذا الغرض.
وقال مراد “التسويق مهم جدا لأننا النهاردة جيل مبقاش معتمد على النسخة الورقية فقط وينتظر صدورها في المكتبة زي زمان، إحنا النهاردة بنواجه عالم تاني خالص، عالم فيه روايات هاري بوتر وكتب بتصدر في أشكال متطورة وحديثة جدا”.