منذ عامين، قال أيمن عودة، الزعيم البراغماتي الجديد للكتلة العربية في البرلمان الإسرائيلي، إنَّه خلال 10 أعوام ستكون اللغة العربية "على لافتات شوارع تل أبيب كجزءٍ لا يتجزأ من البيئة الحضرية".
لكنَّ ذلك حدث أسرع مما توقَّع؛ إذ تنتشر اللافتات العربية في أنحاء المدن اليهودية كما هو الحال بالمدن العربية، في الطرق السريعة وطرق الحافلات؛ بل ووصلت مؤخراً إلى محطَّات السكك الحديدية، حسب تقرير لمجلة الإيوكونوميست البريطانية.
وتستخدم نحو 40% من اللوحات الرقمية في الحافلات العامة أسماء الطرق حالياً بالعربية إلى جانب العبرية، بعدما كان استخدامها شبه معدوم قبل عامين. وتقول الحكومة الإسرائيلية إنَّه بحلول 2022 ستكون الخدمات الحكومية في البلاد ثنائية اللغة بالكامل. وينشر قسمٌ جديدٌ في الحكومة لافتات تحذيرات السلامة على الطرق باللغة العربية.
وتزامناً مع ذلك، وُضِعَت خطةٌ خمسية تُسمَّى "القرار 922" بهدف تضييق الفجوة بين اليهود والعرب في التعليم والإسكان وأنشطة الشرطة. ومع أنَّ ذلك القرار ليس الأول من نوعه، فإنَّه يُمثِّل حتى الآن القرار الأكثر طموحاً لإسرائيل في هذا الصدد. فالخطة تُكلِّف 15 مليار شيكل (4.3 مليار دولار)، وعلى خلاف الخطط السابقة، اتُخِذَت بمشاركة نواب عرب.
لماذا يفعل نتنياهو ذلك؟
غالباً ما يُسخَر من حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، باعتبارها حكومة شوفينية. لذلك فوجئ الكثيرون بمناصرتها لجهود الإدماج.
ويفسر تقرير الإيكونوميست ذلك بأنه صحيحٌ أنَّ نتنياهو يتشدَّق كثيراً بالتهديد العربي، خاصةً في وقت الانتخابات. ومع ذلك، يرى أنَّ الطرق البراغماتية للتعامل مع عرب 48 أفضل قليلاً من غيرها.
يُعدّ عرب 48، البالغ عددهم 1.8 مليون، مواطنين إسرائيليين، وتعتبر اللغة العربية لغةً رسمية يدرسها معظم اليهود في المدرسة. بيد أنَّه على مرِّ عقودٍ من الزمن بعد الاستقلال، أهملت السلطات الإسرائيلية معظم العرب، وتركتهم منعزلين في قرىً تُعاني قلَّة التمويل، ومدنٍ لا تتوافر فيها وسائل نقلٍ إلى المراكز الاقتصادية في البلاد.
وكشفت إحصائيةٌ أُجريت عام 2015، أنَّ 53% من العرب فقراء، مقابل 14%هي نسبة نظرائهم اليهود. ويرفع العرب الأعلام الفلسطينية في تظاهراتهم حاليّاً.
وحذَّر مسؤولون أمنيون إسرائيليون لسنواتٍ من أنَّ عدم حدوث الإدماج سيسفر عن اصطفاف العرب خلف الفلسطينيين في الأراضي المحتلة.
فائدة اقتصادية
كما يبدو أن هناك سبباً آخر غير التخوف من اقتراب عرب 48 من إخوانهم في الضفة والقطاع؛ إذ يقول أمير ليفي، مدير الموازنة في وزارة المالية الإسرائيلية، الذي صاغ هذه الخطة الخمسية، إنَّ الخبراء الاقتصاديين في الحكومة يرون أنَّ إدماج العرب بشكلٍ شامل في اقتصاد البلاد قد يمنحه دفعةً، بالقدر الذي فعله المهاجرون الوافدون من الاتحاد السوفييتي سابقاً في التسعينيات.
ومنذ الموافقة على الخطة في 2015، أُنفِقَ ثلث الميزانية المخصصة لها؛ إذ بدأت وزارة المواصلات الإسرائيلية ربط المدن العربية بالمدن اليهودية، مثل تل أبيب، بنحو أكثر من 300 طريق، ما بين جديدٍ ومُطوَّر. ويُعدُّ إشراك مزيد من النساء العربيات في الوظائف أحد أهداف الخطة.
وجديرٌ بالذكر أنَّ نتنياهو افتتح في الشهر الماضي (نوفمبر/تشرين الثاني)، أول مركز شرطة من بين 17 مركزاً ستكون خاضعة لإدارة ضباط شرطة عرب في المدن العربية.
وتقول غيلا غامليل الوزيرة الإسرائيلية التي تُشرِفُ على الخطة: "إذا كنَّا نريد إسرائيل قويةً، فإنَّنا بحاجة إلى أن تكون أقليَّاتُنا قوية، وتحظى بالحقوق والميزانيات نفسها كأي شخصٍ آخر".
ازدراء
تقول الإيكونوميست: "نُفِّذت الخطة بطريقةٍ غير حساسة في بعض الأحيان"؛ إذ أُطلِقَ على مدنٍ عربية، مثل يافا، وعكا والناصرة، أسماءٌ عبرية في اللافتات العربية. وخاصةً الاسم الأكثر إثارة للغضب "أورشليم"، وهو تعريبٌ لكلمة "Jerusalem"، بدلاً من "القدس"، الاسم العربي المُعتاد للمدينة.
وغُيِّرت بعض اللافتات أيضاً؛ لتتناسب مع اللغة العربية، فالعرب يقولون "تل أبيب" وليس (Tel Aviv)؛ إذ لا تحتوي العربية على حرف مشابه لحرف "V"؛ لذا كُتبت اللافتة الكبيرة في محطة تل أبيب بطريقةٍ مختلفة؛ إذ وُضِعَت 3 نقاط أسفل حرف "الباء"، ما يجعل اللافتة تبدو كأنَّها مكتوبةٌ باللغة الأردية.
ويقول محمد دَروَش الناشط الحقوقي: "من المهين أن ترى اللغة العربية تُعامل بمثل هذا الازدراء".
وعلى صعيدٍ آخر، يتصدَّى بعض المسؤولين الإسرائيليين لانتشار اللغة العربية؛ إذ حاول عمدة مدينة بئر السبع الجنوبية -التي تضم 200 ألف يهودي محاطين بـ100 ألف عربي- حظر إعلانات الحافلات المكتوبة باللغة العربية. فيما رفضت خطوط السكك الحديدية الإسرائيلية أن تحذو حذو خط ترام القدس بإعلان المحطات باللغة العربية عبر مكبرات الصوت.
وفسرَّ الرئيس التنفيذي للسكك الحديدية ذلك، قائلاً: "إنَّه قد يكون مزعجاً للغاية". وتُقدِّم المصارف الإسرائيلية خدماتٍ عبر الإنترنت باللغة العربية. لكن، لا توجد العربية داخل أروقة البنك المركزي سوى في لافتاتٍ حمراء لحظر التدخين فحسب.
لهذا يخشون العربية
ويخشى بعض الإسرائيليين من احتمالية تحوُّل الدولة بعد أن تصبح ثنائية اللغة إلى دولةٍ ثنائية القومية. وتدعم حكومة نتنياهو قانوناً يصف إسرائيل بأنَّها الدولة القومية لليهود وتُجرِّد العربية من صفتها الرسمية.
ويقول يوناتان مندل الخبير في التعليم العربي: "كلَّما زاد سماعنا للعربية، زادت رغبة الحكومة الإسرائيلية في خفض مكانتها"، فالإسرائيليون فخورون حقاً بإحياء اللغة العبرية كلغةٍ منطوقة، وهو إنجازٌ يشبه إحياء اللغة اللاتينية في المحادثة اليومية. لكنَّ البعض يرون أنَّ ذلك ليس كافياً؛ فلا ينبغي أن يكون أمام العبرية منافسٌ.