الانفصال ومظاهره في منطقة "الساحل" (الحلقة الثالثة)
ستمر الدعوة التي اطلقها الأمير عثمان ولد أحمد العيده كما تمر الفقاعات في الهواء، فلطالما رفـع أعيان الساحـل هذه الورقـة للضغط من أجل إعادة التوازنات بيــن "مــلاك الموارد الطبيعية وأصحاب الكثافة السكانية" وهــو ضغـط يأتي في ظــرف يكثف فيه ساسـة المنطقة انشطتهم من اجل احتفاظها بمنصب رئيـس الجمهـوريـة، فمـن أصل تسع رؤساء للجمهوريـة كان خمس رؤساء منحدرون من الشمال، إن تفسير تصرفات وخطابات "أعيـان الساحل" دائما ما تأخذ طابعا تبريريا "متسامحا" بحيث يحـال دون تطبيق القانون في حق المطالبين بالانفصال مهما كانت مكانتهم!؟؟؟
ان الحديث عـن مظاهـر انفصال "الساحـل" يمكنه ان ينـدرج في ضروب الخيــال إن لـم يكـن الخبل السياسي الذي لـن يصدقه القاريء وقـد لا يكـون المُتحدث جادا الى حد بعيــد؛ ومـع ذلك بإمكاننا التأكيــد على أن منطقة الساحل استطاعت انجاب العديد من الرموز الفكرية والروحية والسياسية التي ستلعب أدوارا تاريخيـة بالغـة الأهمية في حياة موريتانيا والموريتانيين وهـي أدوار لا يمكن نسيانها أو تضييعها بسهولة، كما أن المقام لا يتـسع لذكرهـا والتطرق لأسماء وصفات القائمين بها، وباعتبار خلـو المنطقة من العناصـر الزنجية كساكنة اصلية فإنه يـوجد منظرون كبارا اختصوا في تجذير الدعوات العروبية كالسيد مـحمد يحظيه ابريد الليل والناشط القومي الـدًاف ولد الشين، والآن دعــونا نتحدث عن مظاهر سجلها التاريخ كوقائع ذات ملامح انفصالية:
1. دعـم بعـض من ساسـة وأعيان المنطقـة مبكـرا البروباغندا المناوئـة لاستقلال البلـد والتي أدعـى أصحابها أنه "لا مستقبل لموريتانيا!"، وهكذا تولـى الدي ولد سيدي باب رئاسـة البرلمان المغربـي فيما عُينَ اسماعيل ولد أعبيدنا في الديبلوماسيـة المغربيـة وحصل أعيان من ضمنهم الأميـر على الامتيازات الكفيلة بضمان ولائهم.
2. بعيد الاستقلال في نوفمبر من العام 1960 وعندما كانت موريتانيا تخوض معركة الاعتراف بها عبر السعي لدى القـوى العظمى بغيـة تفنيــد المطالب المغربية بضمها، فـي نفس الوقت كان ممثلها الدائم في نيويورك السيد أحمد بابا ولد أحمد مسكه، يعمـل على ملف آخر يتعلق بالتنظير لساكنـة الصحراء الإسبانية من اجل نيل الاستقلال التام. وبعيـدا عن الشائعات التي طالت شخصـه والتي تضمنت ادعـاء بتمزيقه لجواز السفر الديبلوماسي الموريتاني إثر التحاقه بجبهة البوليـساريو التي كانت تخوض حربا ضد بلده الأصلي فقـد شارك الديبلوماسي والكاتب الموريتاني انطلاقا من تندوف شاركـ الديبلوماسـي الموريتاني في التخطيط الى جانب صديقـه مؤسس الجبهة مصطفى الولي السيد لعمليات قتالية شملت الهجوم على موريتانيا ليتم تعييـنه ناطقا رسميا باسم جبهة البوليساريو وأحـد أبرز منظريها السياسيين، (بل وألفَ -بناءً على طلب من زعيم الجبهة الراحل الولي مصطفى السيد- كتابا سماه "بوليساريو.. روح شعب"). لاحقا سيعود الرجل إلى الوطن حيث تعرض للسجـن عدة مرات دون أن يكون لاعتقاله علاقة بمواقفه "الانفصاليـة" السابقـة. وفـي العام 2007 عاد بشكل نهائي حيث تقلـد وظائفا سياسيـة هـامة، ثم أسس جمعية أسماها "رابطة الساحل" حيث افتتح أعمالها من نفس المنبر الذي تحدث عبره مؤخرا أمير آدرار، وتجـدر الاشارة الى أن الراحل احمد باب ولد احمد مسكه كان مسكونا بالأفكار التقدمية ومناضلا أمميا يمكن أن يكون من أوائل الشباب الموريتاني الذين طالبوا بإنهاء الإسترقاق أيام نشاطه في "رابطة الشباب الموريتاني" سنة 1956.
3. شرعت لجنـة تحديـد الهويـة التابعة لبعثة الأمم المتحدة لتنظيم الاستفتاء في الصحراء الغربية مينورسو (MINURSO) في عملية تسجيل القبائل الصحراوية المسموح لأفرادها بالتصويت وعلى مدى مرحلتين عملت مئات الأسـر الموريتانيـة على تقييد نفسها في سجلات الأمم المتحـدة والتصويت لفائـدة أحد الأطراف، ونتذكـر جيدا أنه في العــام 1993 والعام 1997 تم تسيـير قوافـل من السيارات والباصات التي تقــل مواطنين موريتانيين لا تربطهم بالقضية الصحراوية سـوى أنهم ولدوا في منطقة الساحل لأسر تنتمي لقبائل لها امتداد عابر للحدود.
4. في الخامس من أغسطس 1979 أبرم الرئيس المقدم محـمد خونه ولد هيدالة -هـو بالمعنى السابق- يعـد أصله صحراوي اتفاقية ســلام مع جبهة البوليساريو التــي تقــاد سياسيا وعسكريا من قبل أبناء عمومته، ولكنـه أمــر المقدم أحمد سالم ولد سيدي بصفته نائب رئيس اللجنة العسكرية للخلاص الوطني بالتوقيـع نيابة عن الجمهورية الاسلامية الموريتانية على اتفاقية انهاء الحرب دون استشارة الشعب الموريتاني وفــي وقت لاحق تحدثت مذكرات موثقـة عن نــدم الوطنيين الموريتانيين على الاتفاق الذي جرى بشكل غير معلن وغير واضح، يقـول الديبلوماسـي الفرنسي السابق برتراند فيسار دفولولت (المعروف ب"ولد كيجه") (".. شعر كل من رئيس الوزراء وموقع اتفاقية الجزائر بالندم على ما فعلاه، واعتبرا أنهما قد خدعا من طرف كل أطراف النزاع، من مغاربة وجزائريين وصحراويين.. وأصبح محمد خونا ولد هيدالة ضمن أقلية داخل اللجنة العسكرية (...) وكان على رأس الأغلبية المناوئة للتقارب مع جبهة البوليساريو، معاوية ولد سيدي أحمد الطايع. أما أحمد سالم ولد سيدي، المستقيل من اللجنة العسكرية، فكان أقل صبرا وأكثر سرعة في التحرك..").
5. تنشط جمعيات ورابطات على مستوى انواذيب أساسا تسعى لتنظيم صفوف ساكنة الساحل وقد تتعدى ميولاتها إلى خارج الحدود، إن أنشطـة انشطـة هذه الجمعيات كانت كفيلة بتشجيع المئات من المواطنين على الإلتحاق بالفردوس المزعوم "جنوب المغرب" ويمكــن أن يتسامى الإنسان عن وصـف إبـدال المواطنين العاديين ولاءهـم الوطني بحثا عـن فرص أفضل ولكـن ماذا عــن العائدين من كبار الأعيان والأطر اللذين وفرت لهم موريتانيا التعليـم والتوظيف والترقية على حساب مواطنيها الصابرين ومن الأمثلة الشهيرة في هذا الصدد يمكننا ذكــر حالـة حمادة ولد الدرويش الذي تولى ادارة ميناء انواذيب (ثاني اهم ميناء بحري في موريتانيا) ولكـنه طبق مضمون المثل "موريتانيا ..خذ خيرها ولا تجعلها وطنيا".
وعلى كل حال يوجــد سياسيـون كثرا في الشمال تخلوا عـن انتمائهم للدول الملاصقة لحدودنا الشماليـة لصالح البقـرة الحلوب ...موريتانيا...! وهنالك أيضا رموز سياسيـة واقتصادية تعـد قمـة في النزاهـة والوطنيـة مثــل الوجيه همدي ولد محمـود وعبد الله ولد عبدالله وعبد الله ولد انويكظ، وأحمد سيدي بابا والاستاذ سيدي محمـد محـم ويحي عبدالقهار ومحمـد ولد الحيمـر، والسعد لوليـد، محمد المخطار ولد الزامل، محفوظ بتاح وغيرهم... وهنالك أيضا سياسيـون بارعـون في تنميق الكلام والخطابات الكفيلـة بالضغط على بقيـة الشـركاء من أهل الگبلة وأهل الشرڨ وهـي جهات ثلاثـا تتقاسم السلطـة والثروة والمكانة السياسية.
الإنفصال ومظاهره في منطقة الكبلة (الحلقة الثانية)
لمن منكم زار الرباط المدينة الجميلة ذات الأحياء العتيقة لا شك انه سيقصد شارع فال ولد عمير بحي اكدال، فقد قرر الملك الحسن الثاني إطلاق اسم أمير الترارزة على أهم شوارع المدينة والذي حمل لفترة طويلة تسمية شارع إدريس الأزهر، مؤسس حاضرة فاس.
يضج شارع واد عمير في أغلب الأحوال والأوقات بالحياة والسعادة وبشكل لافت سيكتشف الزائر على جنباته مدى التطور المعماري بالمغرب وكذلك حجم النشاط التجاري والسياحي الذي يليق حقا بأهم الشوارع الرباطية على الإطلاق.
ما يهمنا هو ان الأمير محمد فال ولد عمير كان قد التحق بالمغرب سنة 1958، حيث عينه الملك محمد الخامس بتاريخ 2 يونيو1961 وزير دولة (أعلى من درجة وزير) مكلف بشؤون موريتانيا والصحراء المغربية، واستمر في نفس المنصب إلى حين عودته لموريتانيا بتاريخ 23 مارس 1963، ليتم اعتقاله فورا بمطار انواكشوط بمعية رفاقه وقد وضعت السلطات الموريتانية الجميع رهن الإقامة الجبرية وقبل الإعلان عن وفاة ولد عمير في دكار سنة 1965 كانت نواكشوط قد وضعت اليد على خلية تجسس يرأسها مولاي أحمد المداني السباعي المتوفى بدوره سنة 2015.
لم يكن الأمير محمد فال ولد عمير وحده من قرر ضم بلاده و إمارة أجداده "الترارزة" إلى المملكة المغربية فقد سبقه في العام 1957 زعماء سياسيون وقبليون عديدون من بينهم سياسيون كبارا ينحدرون من منطقة الكبلة كأحمدو ولد حرمة ولد ببانه، والدكتور محمد المخطار ولد أباه اللذين كانا على علاقة وطيدة بزعيم حزب الاستقلال المغربي علال الفاسي الطامح لإقامة مغرب كبير على ما يعتبره الحدود التاريخية للمغرب.
وفي هذه الظروف استقل المغرب سنة 1956 مما مكن من حدوث تفاهمات سياسية بين أحمدو ولد حرمه ولد ببانه وولي العهد المغربي الحسن الثاني، افضت هذه التفاهمات عن هروب ولد ببانه ورفاقه إلى المغرب ومبايعتهم للعاهل المغربي.
مهد التحاق ولد ببانه بالمغرب لإنشاء كتلة "كوركول" التي ضمت عددا كبيرا من أطر الزنوج الموريتانيين برئاسة الزعيم با صامبولي والذي كان يناضل في السابق في صفوف حزب الوفاق الذي أنشأه رفيقه الزعيم ولد ببانه؛ فقد رأت هذه القيادات الزنجية في بيعة الأخير لملك المغربي تهديدا محتملا للزنوج من شأنه ان يفضي إلى الذوبان في فضاء قومي وثقافي مغاير.كما عبرت "كتلة كوركول" و بشكل صريح عن إمكانية الانفصال عن موريتانيا اذا كانت ستؤول إلى دولة تعبر عن "أتراب للبيظان".
لم تكن تلك أول محاولة لعرقلة قيام موريتانيا دولة مستقلة وحرة وذات سيادة معترف بها ففي الثاني من مايو 1958 انعقد مؤتمر ألاك التاريخي بحضور الأطراف السياسية والقوى الاجتماعية والقبلية الراغبة في تقاسم كعكة اسمها "وريتانيا"، قبل أن تخط التسمية والشعار والرموز بناء على تفاهمات تخللتها مطالب ملحة للبقاء تحت السيادة الفرنسية (الاستعمار ) كما ظهرت الامتدادات العرقية ميلا إلى الالتحاق بدول الجوار، مع ان الإجماع كان منصبا نحو إنشاء الكيان الجديد.
وكان العام 1958 حاسما حيال معالجة العديد من الملفات فقد بدأ تدبير انتقال إدارة مستعمرة موريتانيا من سينلوي "أندر" السنغالية، وتم ترسيم الحدود النهرية مع جمهورية السنغال جنوبا.
لا حقا ستتطور الاحداث والازمات السياسية والتي كان من ابرزها بروز دعوات "التعريب" الشامل والذي وقفت القوى السياسية الزنجية و اوجهها الثقافية في وجهه منذ العام 1966 قبل ان تؤدي الملاحقات وعمليات القمع وسياسة الاقصاء إلى تجدد الدعوات داخل أوساط تكارير الضفة اليمنى لنهر السنغال القاضية بالمضي قدما في دعوات الانفصال السياسي عن موريتانيا، والتي كان آخرها الخطاب الذي القاه رئيس جبهة تحرير الافارقة بموريتانيا (افلام ) صمبا تيام في أواخر اغسطس 2014 والذي عبر فيه عن عزمه على مواصلة العمل من أجل الحصول على حكم ذاتي في ولايات الجنوب التي يرى فضيله السياسي ان غالبية سكانه هم من الزنوج، وخصوصا مناطق الضفة المحاذية للحدود السنغالية.
الانفصال ومظاهره في موريتانيا(الحلقة رقم1 )
ترتبط موريتانيا في أطول حدودها مع دولة مالي، كما تتقاسم سبع ولايات في الشرق الموريتاني حدودا تناهز ال (2237كلم ) مع شمال مالي، ومن أهمها مناطق الحوضين المقدرة مساحتها الإجمالية ب253.400 كلم2.
كان الاستعمار الفرنسي قد بسط عليهما سيطرته في العام 1911 للميلاد حيث ابقاهما تابعتان للسودان الفرنستابعونا حاليا )، وفي العام 1944م جرت إعادة تقطيعهما وضمهمها الى موريتانيا.
خلال فترة الاستقلال وما تبعها من حراك سياسي واستقطابات حادة تجددت المطالب ذات المضامين الانفصالية حيث عبر بعض السياسيين المنحدرين من الحوضين عن رغبتهم في مكاتبة دولة مالي. ومن باماكو تمكن هؤلاء من شن حملات ضد انواكشوط تحمل بين ثناياها التهديد بالانفصال وكانت مالي آنذاك تحت حكم الرئيس موديبو كيتا...
جهويا ومحليا عرفت تلك الفترة بأعوام "التمولي" وكان من مظاهره ان عززت مناطق حدودية كبيرة ارتباطها بمالي. وتعرض انواكشوط لضغوط داخلية قوية وكانت بعض القوى السياسية تعمل على ضم موريتانيا الى فيدرالية مالي.
ان سياسة ضبط النفس والمرونة تجاه الخصوم السياسيين ساعدت في إنهاء الأزمة وترسيم أجزاء واسعة من حدود شاسعة قبل عودة الساسة إلى الوطن الأم.
ان مظاهر "التمولي" يعاد تسويقها واظهارها كلما اقتضت الظروف خلق موسم من مواسم الأزمات السياسية والتقتصادية مع نواكشوط، وكثيرا ما يتم استحضار أدوار من قبيل ممارسة الضغوط "المزعجة" على سيادة الوطن الأم.
ففي العام 2008 اندلعت مظاهرات شعبية بسبب ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة فعمد المتظاهرون الى رفع أعلام جمهورية مالي وهذا يعطي الانطباع بأن المطالب الانفصالية بإمكانها أن تنتعش عندما تعرض على الاختبار.
من أهم الشخصيات السياسية المنحدرة من الحوضين الراحل بوياكي ولد عابدين الملقب بالزعيم، الراحل سيدي ولد حننا، وكذلك شيخنا ولد محمد لغظف ومسعود ولد بلخير والراحلان أحمد ولد اسباغو وابنته الزهرة وكذلك الراحل الشيخ ول محمد الأمين ولد لمحيميد ، الرشيد ول صالح واسغير ول امبارك وصالح ولد حننه، وغير ذلك.
من صفحة عبيد ولد اميجين على الفيسبوك