تجمع نسائي "فيسبوكي" يثير الجدل بـ"فحص" تاريخ أي شاب

ثلاثاء, 21/05/2019 - 17:42

 

"الحب" أسمى العواطف التي تُداعب خيال الفتيات، لكنه ليس حقيقياً في مُعظم الأحوال، مما يجعل الطريق إليه مليئاً بالوهم، مليئاً بالاحتيال والكذب، في سبيل الوصول لفارس الأحلام، الذي لا تعرف الفتاة وجهه الآخر المُختبئ خلف الاهتمام والكلام المعسول.
لكن ومع الثورة التكنولوجية، قد يتلاشى هذا الأمر تماماً، فلم يعد بمقدور الشباب الاحتيال على الفتيات وخداعهن باسم الحب، فقد تصدين بذلك بخطوة لا تخطر بالبال.

فقد استخدمت مجموعة من الفتيات عقلهن الاستخباراتي، وأنشأن مجموعة إلكترونية عبر (فيسبوك) تُدعى (do you know him)، أي هل تعرفينه؟
جندت تلك الصفحة، أكثر من 38 ألف عضوة، عدا أن تلك الصفحة، تفرعت لعدة صفحات، كل صفحة مُتخصصة بمنطقة معينة أو بلد مُعين، رصدنا منها الأردن، مصر، سوريا، فلسطين، وبها نفس العدد من العضوات.

حين يُسمح لك بالانضمام إلى هذه الأسرة "المخابراتية"، بعد تجاوز عدة أسئلة، أهمها التأكيد على أنك أثنى، ستشعر بالذهول مما ستراه أثناء تنقلك من منشور إلى آخر.
عدد لا محدود من صور شباب وسيمين، وعدد لا محدود من التعليقات التي تُدلي بكل المعلومات التي يعرفنها عن صاحب الصورة، الذي لا يعلم أنه وليمة لأكثر من 40 ألف فتاة.
تقوم فكرة المجموعة على أن تقوم فتاة بوضع صورة حبيبها أو خطيبها أو الشاب المُعجبة به، وتسأل باقي الفتيات: "هل تعرفونه؟"، لتبدأ سلسلة الأحداث التي لا تُصدق أنها على أرض الواقع، وأبطالها حقيقيون، فبعض الفتيات وجدن شاباً وعد أكثر من واحدة بالزواج، وأخرى تكتشف أنها صورة خطيبها السابق، والذي تركها تحت عذرٍ واهٍ بأنه مريض، وأخرى تكتشف أنه حبيبها الذي تركها لأن عائلته أجبرته على الارتباط بابنة خالته، والكثير الكثير من قصص الخيانة الزوجية أيضاً، والتي وصلت إلى حد أن تُرسل العشيقة- التي تكتشف أن حبيبها متزوج- رسائله الغرامية التي كانت بينهما إلى زوجته.
قوة نسائية، تقف حائراً مذهولاً أمامها، فقد أصبح الشاب الآن عاجزاً عن خداع الفتيات مرة أخرى، عدا عن أنهن استطعن قلب الآية، فبعد أن كانت الفتاة تخاف من إرسال صورها للشاب، أصبح الأخير يخاف من إرسال صورته، حتى لا يكون موضع دراستهن وتحقيقهن لاحقاً.
بل وأصبحن يُطلقن النكات حول ذلك، فكتبت إحداهن: " البنت: حبيبي ابعتلي صورة إلك. 
الشب: ما بقدر.
البنت: ليش حبيبي.
الشب: بخاف تنزليها على جروب (do you know him).
وتساءلت إحداهن ساخرة: " طيب إفرضوا الشباب عملو جروب متلنا، وصاروا ينشروا بصورنا، والله لنطلع خاينين أكتر منهم".
تتراوح أعمار معظم الفتيات العضوات ما بين 20- 25 عاماً، بحسب إحصائية، أجرتها المجموعة بنفسها.
ليست هذه الإحصائية الوحيدة التي تقوم بها المجموعة المُتشعبة في أكثر من دولة، بل قاموا أيضاً باستعراض إنجازاتهم وعرض صور "الشباب الخائنين" مع تعليق: "لحد هلا نمسكو هدول الشباب الخاينين، وبحكو مع أكتر من بنت، ومنهم وسخين وقليلين أدب، انتبهو ومنهم ومنهم إلي بكذب على أساس إنو شخص وهوة مش هوة، وإلي نازل فيها غزل لكل بنت، حذروا صديقاتكم يلا".
ويبدو هذا التجمع في ظاهره أمراً إيجابياً، فمن مُنطلق الفتيات، هو فرصتهن الموثوقة لكشف حقيقة الشاب الذي يرتبطن به، لكن الواقع أنها ظاهرة سلبية جداً، وهذا ما أكدته الأخصائية النفسية نيبال حلس.

ظاهرة سلبية
وقالت حلس في تصريح لـ"دنيا الوطن": "ليس هناك أي أمر إيجابي في هذه الظاهرة، وستزيد النظرة السوداوية للمرأة، وستكون توابعه غير جيدة".
وأضافت حلس: "لا يوجد شاب أو فتاة في عصرنا الحالي من غير تجارب سابقة، وما يحدث داخل هذه المجموعات، سيكشف أموراً شخصية قد انتهت، وسيخلق مشاكل لا داعي لها".
وكشفت حلس عن أنها تتلقى الكثير من الشكاوي عن موضوع "الشك" لدى الطرفين، وأن نسبة الطلاق زادت بشكل كبير بعد انفتاح الجيل الشاب على (السوشيال ميديا)، وقالت: "قديماً كانت الفتاة لا تُكلم أي شاب غريب عنها، بينما الآن ترى الأمر عادياً، فهو صديقها على (فيسبوك)، أو قريبها أو زميلها، ومن الطبيعي برأيها أن تتحدث معه، فيدخل أحدهما بخصوصيات الآخر".
وترى حلس أن (السوشيال ميديا) بشكل عام خلقت أزمة كبيرة في نسيج المجتمع ككل، فهناك فتيات عزفن عن الزواج بسبب قصص الخيانة، مما يُخل بالمجتمع كمنظومة.
يوافقها الرأي د. ياسر منصور، رئيس قسم الاجتماع بكلية الآداب بجامعة الأزهر بغزة، والذي يرى أنه لا إيجابية أبداً في هذه التجمعات.

انتهاك الخصوصية
وشرح منصور الدوافع التي تؤدي بالفتيات إلى هذا التصرف في حديثه لـ"دنيا الوطن" قائلاً: "الفراغ القاتل المُمل لدى النساء يدعوهم إلى المشاركة في هذه التجمعات، والدخول في قصص مُتعبة، عدا الضيق الجغرافي لدينا في غزة تحديداً، فنحن لا نستطيع التواصل مع الخارج سوى عبر السوشيال ميديا".
ويرى منصور أن الضغوط الأمنية والسياسية لها دور أيضاً، وشرح الأمر قائلاً: "هذه النوعية من الضغوطات تدفع الإنسان إلى تفريغ الشحنات السلبية لديه، ويشعر بأنه بحاجة إلى أي شخص ليسمعه، فيجد في طريقه هذه التجمعات الفيسبوكية".
وقال منصور: "حتماً يوجد في هذه المجموعات تجاوزات كبيرة في الخصوصية، في شتى النواحي، خصوصية الأسرة، خصوصية الذات، خصوصية الشاب الذي استخدمت صورته بين 40 ألف عضوة".
وأضاف منصور: "هذا الأمر يثير الشُبهات، ويهدد أمن الأسرة، وبالتالي أمن المجتمع ككل، فطالما انعدمت الخصوصية، فسنتوقع الأسوأ دائماً".
ووجه منصور نصيحة للفتيات بألا يقعن في "فخ الفضول"، وقال: "يتم اصطياد الفتيات عبر هذا الفضول بمشاهدة المحتوى، ويلجأ الفتيات لتحقيق ذواتهن عبر هذه التجمعات، فتنبثق منها تفرعات جانبية تغري الفتيات، فمنهن من يغريها عُقدة الغريب، وأخرى عُقدة الغني، لذا على الفتاة أن تنضم لمجموعات أكثر فائدة، وأكثر تنظيماً، لا تنتهك خصوصية الأفراد، وتسلب المجتمع أمنه".

قصة آية
هذا التجمع النسائي المهول، أعاد للأذهان قصة المصرية آية، والتي كشفت حيل ودهاء الفتيات في الانتقام لبنات جنسهن، حين كانت فتاة مصرية تدعى حسناء تستقل سيارة ميكروباص متجهة إلى مدينة الإسماعيلية، وفي المقعد الخلفي لها يجلس شاب ظل طوال الطريق يتحدث في هاتفه الجوال مع فتاة، وكانت حسناء تراقبه وتنصت إليه باهتمام وترقب، وعقب انتهاء الرحلة كتبت حسناء على صفحتها هذه التدوينة: "إلى آية القاطنة بمدينة العاشر من رمضان وخطيبك من طنطا، وبيشتغل في العاشر من رمضان، وبكرة هيروح معاكي فرح بنت خالتك، خطيبك قاعد دلوقتي ورايا في الميكروباص في طريقه للعاشر، وبيتفق عليكي مع واحدة اسمها ريهام عشان يسيبك ويخطبها، بس بيشوفوا طريقة عشان ترجعيله الشبكة، وغالباً هيقولك إن عنده أزمة مادية وعايز ياخد منك كمان 15 ألف جنيه فلوس الجمعية اللي هتقبضيها أول الشهر".
وانتشر الهاشتاغ آنذاك بطريقة غير طبيعية على (فيسبوك)، والرسالة تداولها الآلاف، ووصلت إلى 9 آلاف مشاركة ومئات الآلاف من التعليقات، وكانت النهاية غير متوقعة، فقد وصلت الرسالة بالفعل إلى الفتاة آية التي قررت فسخ الخطوبة، وأعلنت عن نفسها بجرأة لا تحسد عليها، وقررت فسخ خطوبتها بعدما تأكدت من صدق تدوينة حسناء، وأن خطيبها يريد الارتباط بأخرى ويماطل في فسخ الخطبة، حتى يحصل على الشبكة والهدايا.
ولم تنس الفتيات، أن يأخذن بحق آية، حيث وصلن إلى صفحة خطيبها، وقمن بالتبليغ عنها حتى تم إغلاقها تماماً، وقمن بشن حملة للوصول إلى حبيبته ريهام للانتقام منها أيضاً.